تخفيض أسعار الأسمدة والتعامل بالدولار خطوة إصلاحية أم انحياز للموردين؟
كشف تصريح حديث لمسؤول في المصرف الزراعي نية المصرف تخفيض أسعار الأسمدة ليقترب من أسعار السوق، إضافة إلى سعيه إلى الحصول على موافقة المصرف المركزي للتعامل بالدولار، استجابة لمطالب عدد من المتعاملين.
ورغم أن هذه الخطوات تبدو إيجابية على السطح، إلا أن قراءة متأنية للتفاصيل تكشف أبعاداً اقتصادية أعمق قد لا تصب بالكامل في مصلحة الفلاحين.
الأسمدة... هل تُصحَّح الفروقات أم تُحمّل للفلاح؟
اعتراف المسؤول بأن أسعار الأسمدة في المصرف الزراعي كانت أعلى من أسعار القطاع الخاص، يثير تساؤلات حول آلية التسعير السابقة والعقود المبرمة مع الموردين.
ففي بيئة إنتاج زراعي تعاني من ضغوط كبيرة، فإن تحميل الفلاح فارق السعر– ولو بشكل غير مباشر– يسهم في زيادة تكاليف الإنتاج، ويعرضه لاحتمالات الخسارة، خاصة في ظل غياب دعم تسويقي مستقر لمنتجاته.
وعليه، فإن مجرد «تخفيض الأسعار» لا يُعدّ كافياً ما لم يرافقه إصلاح جذري لآلية الشراء من الموردين.
يجب أن تضمن العقود مع الشركات الموردة للأسمدة أسعاراً عادلة وقابلة للمراجعة الدورية، لتفادي تحميل الفلاح نتائج تفاوت السوق وضعف التفاوض.
التعامل بالدولار لصالح من؟
أما مسألة التعامل بالدولار، فهي تحمل بُعدين. من جهة، قد تُمكّن المصرف الزراعي من تسهيل التعاملات مع الموردين المحليين والدوليين وضمان توفر المواد الزراعية، لكنها من جهة أخرى، قد تُفتح كبوابة لتحقيق هوامش ربح إضافية للمستوردين والتجار، على حساب استقرار العمليات النقدية داخل البلد.
من الواضح أن «المتعاملين» الذين يُراد تلبية طلباتهم هم الموردون والتجار لا الفلاحون، فالأخير يتقاضى مستحقاته بالليرة، ولا يتعامل بالدولار لا بيعاً ولا شراء.
إن السماح بالتعامل بالدولار، دون ضوابط دقيقة أو سياسة سعر صرف واضحة، قد يُحمّل المصرف فروقات الخسارة الناتجة عن تقلبات السوق، خاصة في حال عدم توازن التدفقات الداخلة والخارجة بالعملات الأجنبية.
نقطة التحول المطلوبة
إن ما يقوم به المصرف الزراعي من توفير للبذور والأسمدة بنظام بيع آجل دون فوائد، وصرف القروض للفلاحين، يعدّ دوراً محورياً في دعم القطاع الزراعي.
لكن لتحقيق أثر فعلي ومستدام، يجب أن تترافق هذه الخطوات مع إصلاح شامل في السياسات التعاقدية والتسعيرية، إضافة إلى رقابة مصرفية حذرة في حال فتح التعامل بالدولار، حتى لا تُستغلّ المرونة لصالح فئة محدودة من المتعاملين.
التوازن بين مصلحة الفلاح والمصرف
تخفيض أسعار الأسمدة خطوة مرحب بها، لكنها يجب ألا تكون مجرد «تصحيح مؤقت» بل بداية لإصلاح آلية التوريد بالكامل.
أما التعامل بالدولار، فيجب أن يُدرس بعمق ضمن سياسة نقدية واضحة، تحفظ التوازن بين مصلحة الفلاح والمصرف، دون أن تُستغل لمراكمة الأرباح على حساب الاقتصاد الزراعي الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1227