إعادة النظر في اتفاقات استثمار النفط بين المصلحة الوطنية وحسن استثمار الموارد
يعد قطاع النفط والغاز من الركائز الأساسية للاقتصاد السوري، حيث شكّل لفترات طويلة مصدراً رئيسياً للإيرادات الوطنية. إلا أن الأحداث التي شهدتها البلاد منذ عام 2011 أدت إلى تراجع الإنتاج بشكل كبير نتيجة تقطع أوصال البلاد والعقوبات الدولية وانسحاب الشركات الأجنبية، ما تسبب في أزمة طاقة خانقة أثرت على مختلف القطاعات.
واليوم، مع بدء ظهور ملامح الاستقرار واستعادة البلاد وحدتها، تصاعد الحديث عن رغبة بعض الشركات الأجنبية، مثل «جلف ساندز بتروليوم»، في العودة إلى الاستثمار في الحقول السورية، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم الاتفاقات المبرمة سابقاً، بحيث تكون الأولوية للمصلحة الوطنية وليس فقط لرغبة الشركات أو لتخفيف العقوبات.
ضرورة إعادة النظر في الاتفاقات الاستثمارية
يجب أن تقوم أي عودة محتملة للشركات الأجنبية إلى قطاع النفط السوري على أساس واضح يضمن تحقيق أعلى منفعة للاقتصاد المحلي والمصلحة الوطنية، وهذا يتطلب ما يلي:
إعادة التفاوض على العقود السابقة، فمعظم الاتفاقات التي أُبرمت قبل عام 2011 تمت في ظل ظروف مختلفة، وكانت تتضمن مزايا كبيرة للشركات الأجنبية على حساب الدولة والاقتصاد الوطني. لذا، فإن مراجعة هذه العقود وإعادة التفاوض بشأنها بما يتلاءم مع المستجدات الاقتصادية والسياسية أمر ضروري لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة.
تعزيز الاستثمار المحلي والاعتماد على الذات، بدلاً من الاعتماد الحصري على الشركات الأجنبية، حيث ينبغي العمل على تطوير القدرات المحلية في مجال استكشاف وإنتاج النفط، فسورية تمتلك كوادر وخبرات محلية قادرة على المساهمة في تشغيل الحقول بكفاءة، مما يقلل من الحاجة إلى الشركات الأجنبية إلا في حدود الخبرات أو التقنيات التي لا يمكن توفيرها داخلياً.
ضمان سيادة الدولة على الموارد، فأي اتفاقات جديدة يجب أن تُصاغ بطريقة تحافظ على سيادة الدولة على مواردها الطبيعية، مع التأكيد على أن أي استثمار خارجي يجب أن يكون وفق شروط عادلة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، لا أن يكون مجرد فرصة للشركات الأجنبية لتحقيق أرباح ضخمة دون فائدة حقيقية للبلاد.
تنويع الشراكات الاستراتيجية بدلاً من الاعتماد على جهة واحدة، حيث يمكن لسورية أن تسعى إلى عقد شراكات متنوعة مع دول وشركات مختلفة لضمان تنوع الاستثمارات، وتجنب الوقوع تحت هيمنة جهة واحدة على قطاع النفط.
الإنتاج النفطي واستعادة الطاقة الإنتاجية
قبل عام 2011، كان إنتاج سورية من النفط يقارب 400 ألف برميل يومياً، لكنه انخفض تدريجياً حتى وصل إلى أقل من 100 ألف برميل يومياً في الوقت الحالي.
ولاستعادة هذا الإنتاج، لا يكفي مجرد انتظار رفع العقوبات أو عودة الشركات الأجنبية، بل يجب وضع خطة وطنية تعتمد على ما يلي:
تطوير البنية التحتية النفطية، فالعديد من المنشآت النفطية تعرضت للأضرار خلال السنوات الماضية، لذا فإن إعادة تأهيل هذه المنشآت يجب أن تكون من الأولويات لضمان زيادة الإنتاج تدريجياً.
الاستثمار في التكنولوجيا والتدريب من خلال توفير الدعم اللازم للكوادر السورية وتزويدها بالتدريب والتقنيات الحديثة لضمان كفاءة الإنتاج.
تشجيع الشركات الوطنية للعمل على تشغيل وإدارة الحقول النفطية وفق سياسات اقتصادية جديدة تحفز الإنتاج وتقلل من الاعتماد على الخارج.
فرصة تاريخية
إن إعادة النظر في الاتفاقات الخاصة باستثمار النفط في سورية أمر حتمي لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة ولتحقيق أكبر فائدة اقتصادية للبلاد.
فلا ينبغي أن يكون مستقبل قطاع النفط رهيناً برغبة الشركات الأجنبية في العودة، ولا مرتبطاً بتخفيف العقوبات فقط، بل يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية وطنية شاملة تعزز الاستثمار المحلي، وتحفظ سيادة الدولة على مواردها، وتحقق التوازن بين الشراكة الدولية والاعتماد على الذات.
فسورية اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء قطاعها النفطي، وينبغي استغلال هذه الفرصة بحكمة وبما يخدم المصلحة الوطنية والأجيال القادمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1215