عمّال تجمع دمر السكني... «التمويل ذاتي بس ما في رواتب»!

عمّال تجمع دمر السكني... «التمويل ذاتي بس ما في رواتب»!

اليوم، يمضي أكثر من شهر وعشرة أيام على آخر مرة يقبض فيها عمّال «تجمع دمر التعاوني السكني» رواتبهم الزهيدة- مثلها في ذلك مثل جميع رواتب عمّال القطّاع العام والمشترك، والسبب هو: لا أحد يبالي بهم!

للتعريف باختصار، «تجمع دمر التعاوني السكني» هو كيان مميّز في سورية، لا يوجد غيره ممّا ينطبق عليه وصف جمعية تعاونية سكنية مشتركة (تتوزّع ملكيتها بين الدولة والشاغلين)، موجود منذ سبعينيات القرن العشرين، وعن طريقه تمّ إتمام إنجاز أبنية وجزر مشروع دمر السكنية، وأسواقه التجارية، ومنشآته الخدمية.

التمويل ذاتي

رغم أنّ محافظ دمشق- بالإضافة إلى منصبه- هو من يرأس مجلس إدارة تجمّع دمر التعاوني السكني، فعمّال التجمّع لا يقبضون رواتبهم، لا من محافظة دمشق ولا من البنك المركزي، بل من كتلة مالية مستقلة مملوكة للتجمّع وممولة منه، تتكوّن بشكل رئيسي من عائدات الاستثمارات (أسواق ومحلات تجارية، ومقاسم، وكازية)، وبشكل جانبي من اشتراكات التدفئة التي يدفعها شاغلو مشروع دمر (التي ساءت في السنوات الأخيرة، وصولاً إلى عدم حصول الشاغلين عليها هذا العام بسبب وضع الكهرباء غير المستقر).
الذريعة غير الرسمية التي ساقها البعض لعدم قبض هؤلاء العمّال رواتبهم- كما قال أحد المسؤولين عن ملف الجمعيات في وزارة الإسكان- أنّ هناك تضخماً في عدد العمّال وفساداً في التجمّع.
أمّا الذريعة التي يتداولها العاملون ورؤساء أقسامهم، أنّ جدول العمّال والرواتب موجود في مكتب المحافظ منذ 22 الشهر الماضي (كانون الأول)، ولم يبت فيه أحد!
التجاذبات حول فساد التجمّع وتضخّم عدد موظفيه لا تنفع كثيراً العمّال الفعليين الذين بالكاد تسندهم رواتبهم.
يعمل في التجمّع 235 عاملاً، منهم موظفون إداريون وآخرون عمّال محطات، وبحسب بعض العمّال من التجمّع، فإنّ عدد «المفيشين» من هؤلاء لا يتجاوز بأوسع تقدير 30 شخصاً، فماذا عن رواتب 200 عامل وعاملة وأسرهم؟
عند التحدّث مع رئيس اللجنة النقابية، قال بأنّه حاول أخذ موعد من مكتب المحافظ للذهاب هناك وشرح الموضوع، ولكن لم يتم إعطاؤه موعداً!
مع العلم، أنّه في الفترة القصيرة جداً التي شغر فيها منصب محافظ دمشق بعد سقوط السلطة، تمكّن نائب رئيس مجلس إدارة التجمّع من صرف قرار تمّ إقراره سابقاً بمكافآت بالملايين لمجموعة صغيرة من التجمّع، بينما تمّ ترك الموظفين بلا رواتب، ولا كتلة نقدية كافية في صندوق التجمّع ليحصلوا منها على الرواتب.

التجمّع... ماله وما عليه!

إنّ الحديث عن «التجمّع» وماله وما عليه، ليس بالأمر الهيّن، وإصلاح التجمّع أيضاً ليس أمراً يجب أن يمرّ مرور الكرام. لكن من الحق أن نقول، بأنّ التجمّع- دون الفساد الذي استشرى فيه في السنين الماضية- يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى.
فمن جهة هناك الكثير من الخدمات الأساسية التي يعتمد فيها شاغلو مشروع دمر على التجمّع «التدفئة كمثال رئيسي، خاصة مع عدم وجود مداخن في أبنية مشروع دمر، فتصميمه يعتمد أساساً على محطات التدفئة المركزية».
الأمر الآخر، أنّ التجمع بما يملكه من عقارات ومحال تجارية، يمكن أن تُدار بشكل ذاتي دون النموذج الاستثماري الفاشل والفاسد الذي ساد، ستقدّم خدمات إضافية مذهلة لشاغلي مشروع دمر، كالمواصلات على سبيل المثال لا الحصر، كخدمة عامة وضرورية.
وتجدر الإشارة إلى أن خزينة الدولة كانت وما زالت تفرض ضرائب ورسوماً على العقارات والمحال التجارية وغيرها، مثال: الأكشاك التي يتم دفع إيجار لها على أنّها أكشاك، بينما هي مطاعم بثلاثة طوابق وأكثر، حماها الفساد وسمح لها بالوجود، ويحاول المنتفعون منها أن يهربوا من الاستحقاقات التي عليهم دفعها.

مطالب عاجلة مشروعة

إن كان هناك تضخّم فعلي في أعداد العاملين، فهو أمر يجب أن يتمّ التعامل معه كما ينبغي من خلال إيجاد أعمال وأشغال حقيقية لهؤلاء القلة من العاملين بدلاً من التفريط بهم وبالتجمع.
من هنا، ما يحتاجه عمّال التجمّع اليوم أمران:
الأول عاجل، وهو موافقة من رئيس مجلس إدارتهم- المحافظ الحالي بالإضافة إلى منصبه- كي يتمّ الإفراج عن رواتبهم غير المعتمدة على البنك المركزي، ولها كتلة نقدية مخصصة باسمها أساساً.
أمّا الثاني، وهو ضروري أيضاً، ولكن بخطّة وليس بشكل انتهازي وكيدي وفوضوي، يتمثل بحماية التجمّع والعمّال ممّن يطمحون- لأغراض شخصية غير نزيهة- إلى حلّ التجمّع والتكويش على ما تبقى من ممتلكاته، بدلاً من السماح لشاغلي التجمّع وعمّاله من الحفاظ عليه بشكل فعلي باستمرارهم بعملهم، وبحسن إدارته في مرحلة جديدة تجلب النفع للشاغلين، والعمّال معاً.
ولعل المهمة المطلوبة من الشاغلين والمعنيين الآخرين اليوم، بما فيهم المحافظ الجديد كرئيس لمجلس إدارة التجمع، لا أن يتجاوزوا حقبة الفساد الماضية التي سيطرت على التجمّع، لكن أن يحموه مع عامليه حالياً، كي يحموا عقاراتهم وخدماتهم واستثماراتهم من المنتفعين الذين كانوا يشاركون محظيي التجمع نهبهم بحماية السلطة الساقطة، ويريدون الاستمرار بالنهب الآن، مع محاسبة من يثبت تورطه بالفساد من هؤلاء!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1209