باصاتٌ كهربائية في مدينةٍ تعاني من شح الكهرباء! خطّة مستكملة أم عبء إضافي؟!

باصاتٌ كهربائية في مدينةٍ تعاني من شح الكهرباء! خطّة مستكملة أم عبء إضافي؟!

ستبدأ الجهات المعنيّة بتنفيذ خطّة مثيرة للجدل مع مطلع العام القادم، وربّما قبل ذلك، تهدف إلى منع دخول وسائل المواصلات القادمة من ريف دمشق إلى العاصمة، تحت ذريعة «تخفيف الازدحام والضغط»!

حيث سيتم نقل الركاب من مراكز الانطلاق «الكراجات» إلى «المراكز التبادلية» المزمَع إقامتها وسط العاصمة من خلال وسائط النقل الجماعي «باصات كهربائية»!
هذه الخطة لم تعد مجرد اقتراح على الورق، بل قرار رسمي سيتم البدء بتطبيقه قريباً، رغم كل العقبات المنطقية والتساؤلات التي تثيرها!

بعض التفاصيل الرسمية!

كشفت عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل بريف دمشق، عبر إذاعة شام إف إم بتاريخ 27/11/2024، أنه قبل نهاية العام الجاري لن تدخل «سرافيس» ريف دمشق إلى دمشق بناءً على قرار من قبل لجنة نقل الركاب المشترك في محافظة دمشق، نتيجة الضغط والازدحام الكبير في مركز المدينة. وأوضحت أنّه قبل عشر سنوات كان يجري تجهيز المراكز التبادلية ولكن من المفترض التمهّل بتطبيقه لحين جهوزيتها، وتأمين آليات النقل الجماعي من هذه النقاط إلى مركز المدينة، ما سيشكل عبئاً على المواطن.
كذلك كشف نائب محافظ ريف دمشق جاسم المحمود أنّ محافظة دمشق ستعمل على تأمين أكثر من 100 باص كهربائي لنقل المواطنين من «الكراجات» إلى مراكز النقاط التبادلية بين دمشق وريفها، والتي ستسهّل التنقل على الناس في هذه المناطق.
ونُقِلَ عن مدير هندسة المرور بريف دمشق أنّه تم إنجاز 60% من مشروع «الباصات الكهربائية» حيث سيتم شحن الحافلات بالطاقة من محطات في ريف دمشق بعد حصول 5 مناطق على موافقات لإنشاء هذه المحطات.

القادمون من الريف ضحايا الخطة الجديدة!

سكان الريف الذين يقطعون مسافات يومية إلى دمشق للعمل أو الدراسة، سيكونون أول من يدفع ثمن هذا التوجه الجديد!
فالانتقال من بلدات الريف إلى الكراجات، ومن ثم إلى المراكز التبادلية في مركز المدينة، لِيَلِيَ ذلك الانتقالُ إلى المناطق المستهدفة داخل العاصمة، يعني وقتاً أطول ومصاريفَ إضافية، وسط أزمةٍ معيشيّة خانقة أصلاً. أضف إلى ذلك الإرهاق الناتج عن التنقّل بين أكثر من وسيلة مواصلات، ممّا سيجعل هذه الرحلة اليومية أشبه بكابوس متكرّر بالنسبة لهؤلاء!
فالحجّة الرسمية بأنّ الخطة تهدف إلى تخفيف الازدحام داخل العاصمة، تخفي جزءاً هامّاً من الحقيقة بأنّها ستزيد العبء على الطرف الأضعف، وهم المواطنون القادمون من الريف إلى المدينة، في الوقت الذي يتم فيه غضّ الطرف عن الكثير من المشكلات الجوهرية كالتخطيط المروري الذي يطغى عليه الكثير من الفوضوية والارتجالية، وضعف البنية التحتية للنقل العام داخل المدينة نفسها، بالإضافة إلى قلّة وسائل المواصلات فيها، وعدم الالتزام بخطوطها!

الباصات الكهربائية حلمٌ في مدينة مظلمة!

الخطّة تعتمد بشكل أساسي على استخدام باصات كهربائية، يُفترَض أنْ يتم شحنها في محطّات مخصَّصة، وذلك لنقل الركاب من الكراجات إلى المراكز التبادلية وسط المدينة.
وبغضّ النظر عن المستثمر المَحظي المستفيد من الخطة المزمَعة بضمان خطّ سيرٍ مخصَّص لتشغيل باصاته الكهربائية، فهنا تبرز أولى علامات الاستفهام: كيف سيتم تأمين الطاقة لهذه الباصات في مدينة تُقطَع فيها الكهرباء لساعات طويلة يومياً؟
فإذا كانت منازل المواطنين لا تحصل إلّا على «فتات» من التيار الكهربائي، فمن أين ستأتي الطاقة لتشغيل هذه المنظومة الطَّموحة؟
فحتّى منظومات الطّاقات المتجدّدة ستحتاج إلى التزود بالتيار الكهربائي من الشبكة العامة!
حيث يبدو أنّ الحديث عن باصات كهربائية في ظل هذا الواقع أشبه بالقفز فوق الواقع الصعب!
وأيضاً إذا أُنشئت المحطات الموعودة، فمن سيضمن استمرارية عملها؟
أم أننا سنشهد طوابير جديدة، هذه المرة من الباصات المنتظرة لشحن بطارياتها، وبالتالي ستتقطع السبل أمام المواطنين مجدَّداً على خطوط السير المخصَّصة لهذه الباصات؟!

الازدحام حقيقة وذريعة!

من الواضح أنّ دمشق تعاني من ازدحام مروري خانق، لكن تحميل وسائل المواصلات القادمة من الريف مسؤولية هذه المشكلة هو تبسيطٌ كبير للمشكلة!
فالأسباب الحقيقية للزحام تتعلق بسوء التخطيط المروري، وبغياب تنظيم المواقف، وبقلة وسائل النقل العامة الفعالة داخل العاصمة نفسها، والكثير من الأسباب الأخرى!
وبالتالي فإنّ الحلول البديلة، كالمراكز التبادلية والباصات الكهربائية، هي حلول ترقيعيّة تبدو كمن يضع الجهد في معالجة الأعراض، تاركاً المرضَ الأساسي يتفاقم!
بل ربما ستخلق هذه الحلول مشاكل إضافية ارتباطاً بخطوط السير المستجدة ووسائل المواصلات العامّة التي ستخصّص لها، وهي هنا الباصات الكهربائية، بعددها وقدرتها على تغطية الحاجة، في ظلّ ضرورات شحنها اليومي وصيانتها الدورية وغيرها!
فالازدحام والضغط المروري في العاصمة حقيقةٌ ملموسة لكنه يبدو ذريعةً مناسبة لتخصيص خطوط سير للباصات الكهربائية التي ستدخل على خطوط التخديم داخل العاصمة، مع ضمان ريعيّة ربحيّة منها لمصلحة مستثمرها، وطبعاً على حساب المواطنين القادمين من الريف إلى المدينة، بغضّ النظر عن مدى مساهمتها بتخفيف الازدحام والضغط المروري في العاصمة!

عامٌ جديد عبءٌ جديد!

الخطة لم تعد مجرَّد وعد على الورق، بل خطوة حقيقية ستدخل حيّز التنفيذ قريباً، وربما قبل استكمال كامل متطلَّباتها!
ومع ذلك، تبدو هذه الخطوة أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر، في وقت يحتاج فيه المواطن إلى حلول أكثر واقعية وعملية!
فهل ستتمكن الجهات المعنية في محافظة دمشق ومحافظة ريف دمشق من إنجاح هذه الخطة في ظل شح الطاقة وتردّي البنية التحتية؟ أم أنّنا أمام فصل جديد من فصول التخبط والارتجال؟
فمع بدء تنفيذ الخطة، ستجد العاصمة نفسها أمام تحديات مرورية وتخديميّة مستجدة!
فالمواطنون القادمون من الريف سيعانون من ارتفاع التكاليف وهدر الوقت وضياع الجهد، بينما ستبقى الأزمة المرورية والازدحام في العاصمة مشكلة مستمرة، ستفاقمها تحديات تشغيل منظومة النقل الجديدة بالطاقة الكهربائية وضمان استمرارها، بالتوازي مع متطلبات ضمان استمرارية أرباح مستثمرها طبعاً!
بمطلق الأحوال، ستكشف الأيام القادمة إنْ كانت هذه الباصات الكهربائية، بسيناريوهات تشغيلها على محاور النقل من الكراجات إلى المراكز التبادلية ستحلّ جزءاً من مشكلة نقل الركاب ومشكلة الازدحام فعلاً، أمْ أنّها ستصبح عبئاً إضافياً يُضاف إلى قائمة الأعباء التي أثقلت كاهل السوريين؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203