استكمال إنهاء مجانية الخدمات العامة سيناريو كارثي مُعلن رسمياً!

استكمال إنهاء مجانية الخدمات العامة سيناريو كارثي مُعلن رسمياً!

يبدو أن الحكومة عقدت عزمها على استكمال مسيرة سابقاتها بإنهاء مجانية الخدمات العامة، بالتوازي طبعاً مع سياسات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة في القطاعات الخدمية وغيرها، تحت عناوين الاستثمار والتشاركية وغيرها!

فقد قال رئيس الحكومة خلال جلستها بتاريخ 5/11/2024: «لا يمكن أكل الكعكة والاحتفاظ بها في آن معاً، وهذا ما يعني فعلياً ضرورة تحديد الخيارات وما يرافقها من سلبيات وإيجابيات بكل جرأة وشفافية، إذ لا يمكن على سبيل المثال تقديم الخدمات العامة مجاناً وإلى الأبد، مع ضمان توفر الموارد المالية اللا محدودة لتمويل هذه الخدمات، موضحاً أن استمرار تقديم الخدمات يستوجب أن تقترن بأسعار وعوائد مدروسة تضمن التوازن بين تقديم الخدمة والقدرة على تمويلها».
التوجه الرسمي أعلاه يعني التضحية بالكعكة كلياً، فإنهاء مجانية الخدمات العامة هو خيار سلبي بكل المقاييس ولا إيجابيات فيه على الإطلاق، بل هو خيار كارثي بتداعياته وآثاره على المجتمع والدولة!

مزيد من التعدي على الحقوق المصونة وانتهاكها رسمياً!

الحديث أعلاه فيه الكثير من الوضوح والمباشرة حول التوجه الحكومي بشأن الخدمات العامة المجانية، وهذه المرة ليس من أجل المزيد من تخفيض الإنفاق عليها، بل من أجل إنهاء هذا الإنفاق بشكل كلي من خلال إنهاء مجانية هذه الخدمات واستبدالها بتسعيرة لكل منها، ولا يمنع ذلك من تحقيق عوائد إضافية أيضاً!
والذريعة المَسُوقة للوصول إلى الغاية أعلاه هذه المرة تمثلت بعبارة «الموارد المالية اللا محدودة لتمويل الخدمات»، وبأن استمرار تقديمها يستوجب اقترانها بأسعار لكل منها من أجل تمويلها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخدمات العامة بغالبيتها ليست مجانية، بل يتم جباية الرسوم مقابلها، مع الإجحاف في الكثير منها أصلاً!
على ذلك فالحديث عن «الموارد المالية اللا محدودة لتمويل هذه الخدمات» فيه الكثير من المبالغة المقصودة لتمرير إنهاء مجانية الخدمات العامة وفرض تسعيرة لكل منها!
وبالفعل فإن هذا التوجه المعلن من قبل الحكومة فيه الكثير من الوضوح والشفافية، والكثير الكثير من الجرأة بالتعدّي على الكثير من الحقوق المصونة دستوراً وقانوناً، وانتهاكها، خاصة مع تعميم الحديث على كل الخدمات العامة المجانية!

ما هي الخدمات العامة المجانية التي يشملها الحديث الحكومي؟

بحسب ما هو مفترض فإن الخدمات العامة المجانية هي الخدمات التي تقدم للمواطنين دون تكلفة مباشرة عليهم، ودون تمييز فيما بينهم، والهدف منها تحسين جودة الحياة وصولاً إلى رفاهية المجتمع ككل، وهي أحد أشكال تجلي العدالة الاجتماعية من خلال استفادة جميع المواطنين من الموارد العامة للدولة، وبما يخفف من الأعباء المالية عن الأفراد، وبما يؤدي إلى تعزيز فرص التنمية والنمو.
وتشمل الخدمات العامة مروحة واسعة، يمكن اختصارها بالعناوين الرئيسية الآتية:
- الرعاية الصحية العامة التي تبدأ بضمان تأمين الخدمات الصحية المجانية أو بأسعار رمزية للمواطنين، مثل المستشفيات العامة والمراكز الصحية، ولا تنتهي بترحيل القمامة والحفاظ على البيئة.
- ضمان تقديم التعليم المجاني في المراحل التعليمية كافة، اعتباراً من مرحلة التعليم الأساسي والثانوي، وصولاً إلى التعليم الجامعي والدراسات العليا.
- مشاريع البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والجسور وخدمات الصرف الصحي والنقل العام والكهرباء والمياه، وغيرها.
- الخدمات الاجتماعية العامة التي تتضمن دعم العائلات المحتاجة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها من الفئات الاجتماعية الهشة والمفقرة.
ما ورد أعلاه من عناوين مختصرة للخدمات العامة المجانية افتراضاً، والتي يراد إلغاء مجانيتها ووضع تسعيرة لكل منها مع تعميم ذلك، لا يعني زيادة الجباية من جيوب المواطنين وعلى حسابهم، ولا المزيد من التفريط بدور الدولة ومهامها وواجباتها فقط.
فهل هذا هو المقصود من حديث رئيس الحكومة أعلاه، وما هي التداعيات السلبية بحال المضي بهذا التوجه الرسمي الكارثي؟!

بعض التداعيات السلبية!

إلغاء مجانية الخدمات العامة يؤدي إلى تداعيات سلبية كثيرة وواسعة وعميقة على المجتمع والدولة، ومن أهمها:
- زيادة التفاوت والتمييز الاجتماعي الطبقي، حيث يؤدي فرض أسعار لقاء الخدمات العامة إلى تفاقم التفاوت الطبقي في المجتمع، فهذه الخدمات ستصبح غير متاحة بالكامل للمواطنين ذوي الدخل المحدود والمفقرين، مما يعزز التمييز الطبقي في المجتمع!
- زيادة الأعباء المالية على الأسر من خلال فرض تكاليف إضافية على المواطنين للحصول على خدمات مثل التعليم والصحة والنقل و...، حيث ستزيد الأعباء المالية عليها، مع ما يعنيه ذلك من تأثير سلبي مباشر على مستوى معيشتها المنهار أصلاً!
- مزيد من التدهور في الصحة العامة، حيث سيؤدي فرض رسوم وأسعار على خدمات الرعاية الصحية إلى زيادة عزوف المواطنين عن تلقي العلاج والرعاية اللازمة، مما يزيد من فرص انتشار وتفشي الأمراض، أي مزيد من السلبيات على مستوى الصحة العامة في المجتمع، وبحال إدراج خدمة النظافة العامة وترحيل القمامة بهذا التوجه الرسمي فإن الكارثة الصحية ستصبح أكبر وأعمق!
- مع زيادة الحرمان من الوصول إلى التعليم بسبب التكاليف المرتفعة سينخفض مستوى التعليم وتتراجع نسبته، مع تسجيل المزيد من ارتفاع معدلات الأمية، بالإضافة إلى الآثار السلبية التدميرية بنتيجة ذلك على فرص النمو الاقتصادي ومعدلاته!
- زيادة التفاوت الاجتماعي والتمييز الطبقي سيؤدي إلى تفاقم كل الآفات والظواهر الاجتماعية السلبية، ويدفع بالتالي إلى زيادة معدلات الجرائم في المجتمع!
- الاعتماد على القطاع الخاص في تقديم الخدمات سيؤدي إلى تراجع كفاءة البنية التحتية، باعتبار أن الأولوية للأرباح بالنسبة لهذا القطاع، أي مزيد من ضعف البنية التحتية وتراجعها وتهتكها!
- يعتبر توفير الخدمات العامة المجانية من أساسيات العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، على ذلك فإن إنهاءها سيعزز انعدام ثقة المواطنين بالحكومة وبالدولة، مع جرعات إضافية من اليأس والإحباط!
- كل ما سبق سيؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية والاجتماعية، فالأعباء المالية المتزايدة والحرمان من الخدمات الأساسية ستزيد من مستويات الضغط النفسي على المواطنين، مما يؤثر على الاستقرار النفسي والاجتماعي وزيادة التوتر في المجتمع!

استكمال إنهاك المواطن والمجتمع والدولة!

ما ورد أعلاه من تداعيات كارثية هي غيض من فيض، ويبدو أن الحكومة بدلاً من العمل على بعض المفردات فقط لزيادة الموارد، بعيداً عن التذرع بلا محدودية تمويل الخدمات العامة، مثل:
فرض الضرائب على كبار الأثرياء والناهبين والفاسدين.
إنهاء الإعفاءات الضريبة الخاصة بمشاريع كبار المستثمرين.
الحد من التهرب الضريبي الكبير.
الحد من الفساد وإغلاق مساربه، واستعادة الأموال المنهوبة.
زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي وتأمين متطلباته ودعمه.
توجيه الموارد بالشكل المطلوب لتمويل الخدمات العامة وغيرها من ضرورات الإنفاق من أجل تحسين جودة الحياة.
وهي للعلم بعض مفردات قابلة للتطبيق والتنفيذ شرط توفر الإرادة والقرار السياسي!
فبدلاً من ذلك تسعى الحكومة إلى استكمال إنهاك المواطن والمجتمع عبر إنهاء مجانية الخدمات العامة وفرض سعر لكل منها، ولا يعنيها بذلك التعدي على الحقوق أو استكمال التضحية بمهام الدولة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1200