سورية تناطح العالم بأعلى المعدلات في الظواهر السلبية!
يكاد لا يمر أسبوع دون أن نسمع عن حالة خطف، في حين تحولت وقائع القتل والسرقة لأخبار شبه يومية يكاد لا يستثنى منها صباح ومساء، واللافت ليس الأرقام وحدها، بل نوعية الجرائم وحيثيات بعضها التي تعتبر مستجدة على واقعنا وبنية مجتمعنا، والتي تُظهر شذوذاً كبيراً لدرجة التوحش!
كذلك تصدمنا معدلات العنوسة ونسب الطلاق المرتفعة، وغيرها من الظواهر السلبية الكثيرة الأخرى!
فما أسباب زيادة تفشي كل هذه الظواهر غير المألوفة؟
وأين هي الحكومة من ذلك بصفتها راعية للمجتمع افتراضاً؟
إحصائيات دموية وأرقام مروعة!
حسب أحدث التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية هناك 68 جريمة قتل منذ بداية عام 2024 وحتى تاريخ 13 أيلول، وقع نحو ثلثها في محافظة ريف دمشق، كذلك، أعلنت الوزارة عن 14 حالة خطف منذ بداية العام الحالي!
وتجدر الإشارة إلى أن الرقم الفعلي قد يكون أكبر من ذلك فالعديد من عمليات الخطف تتم تسويتها بين ذوي المخطوف والخاطفين، سواء عن طريق دفع الفدية أو تنفيذ طلبات الخاطفين دون اللجوء إلى السلطات المختصة!
وبحسب موقع Numbeo Crime Index المتخصص بمؤشرات الجريمة حول العالم، فإن سورية تحتل المركز العاشر عالمياً في معدلات الجريمة، والمرتبة الأولى في قارة آسيا!
وبحسب الموقع تعتبر دمشق أول أكثر المدن تسجيلاً للجرائم آسيوياً خلال العام الحالي، حيث سجل فيها مؤشر الجريمة 70.06 نقطة، في حين انخفض مؤشر الأمان إلى 29.4، كما احتلت سورية للعام الثالث على التوالي، المرتبة الأولى عربياً في ارتفاع معدل الجريمة!
من الجدير بالذكر هنا أن الموقع أعلاه يعتمد على مؤشرات هي: مستوى الأمن الاجتماعي للمواطنين القاطنين، ومستوى الجريمة والسرقة، بالإضافة إلى النزاع المسلح والجريمة والتهديدات الإرهابية.
أما وفق إحصاءات مكتب الأمم المتحدة فقد بلغ معدل جرائم القتل في سورية 2 إلى 2.5 لكل 100.000 نسمة!
السرقات والتزوير!
وفق البيانات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء فإن عدد السرقات على اختلاف أنواعها خلال عام 2018 بلغ 7574، ليرتفع في العام التالي إلى 9117 ويستمر بالتزايد ليسجل 13894 جريمة في عام 2021، أي إن معدل السرقات ارتفع خلال ثلاث أعوام بنسبة 83.44% وهي نسبة كبيرة جداً!
بالنظر أيضاً إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء فيما يخص جرائم التزوير نلاحظ أنه في عام 2018 بلغ عدد جرائم تزوير الأوراق المالية ٩١ جريمة ليرتفع في عام 2021 إلى 190 جريمة أي بمعدل زيادة 108.79%!
وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى تصريح المحامي العام في دمشق محمد خربوطلي لصحيفة «الوطن»: «أن الجرائم الأكثر انتشاراً حالياً في دمشق هي جرائم السرقات والنشل حيث تصل ضبوط هذه الجرائم يومياً من 15 إلى 20 ضبطاً».
ما يعني أن عدد وقائع السرقة أكبر بكثير من المسجل رسمياً!
تفشي الرذيلة والإتجار بها!
الظواهر السلبية لم تتوقف عند حدود القتل والسرقة والخطف، بل غزت مجتمعنا ظواهر أخرى أشد إيلاماً كالاغتصاب والدعارة وتجارة الجنس، وهتك الأعراض!
هذه الظواهر المتطرفة والشاذة التي لم نعهدها يوماً باتت الآن منتشرة، بل أكثر من ذلك بات لها شبكاتها المحلية والعالمية وتعمل عبر القارات!
فحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء بلغ عدد جرائم الفسق وهتك العرض ٥٩ جريمة في عام 2018 ، ليرتفع في عام 2021 إلى 101 جريمة أي بمعدل زيادة 71.19%!
وفيما يخص الدعارة فليس هناك أي إحصائيات رسمية، إلا أننا نستطيع الاعتماد على آخر إحصائية أجراها برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية في عام 2016، حيث قدر البرنامج وجود 25 ألف عاملة جنس في سورية، في حين كان عدد السكان يُقدّر بحوالي 17.5 مليون نسمة حسب موقع وورلد ميترز، إذاً فنسبة العمل في الجنس في تلك الفترة كان نحو 0.14%!
وحسب تصريحات وزارة العدل في عام 2021: «هناك ارتفاع ملحوظ في شبكات الدعارة بنسبة 60%، حيث تم ضبط العديد منها ولا سيما في الفترة الأخيرة»، وبهذا تكون النسبة قد ارتفعت من 0.14% إلى 0.22%، أي بنحو 38 ألف عاملة!
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الأعداد والنسب تقديرية وتعتمد على الحالات التي تم إلقاء القبض عليها محلياً، أما الرقم الحقيقي فيبدو أكبر بكثير للأسف!
نسب صادمة للعنوسة وزيادة عدد الأطفال مجهولي النسب!
كشف رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي الدكتور زاهر حجو، لصحيفة «الوطن» في شهر آذار من العام الحال: «بلغ عدد مجهولي النسب في العام الماضي 103، منهم 69 ذكراً و34 أنثى»، مبيناً أن «عدد مجهولي النسب الذين تم العثور عليهم في دمشق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بلغ 6 حالات كلهم ذكور»!
ارتفعت مؤشرات العنوسة في مجتمعنا إلى حدود كبيرة، نتيجة الوضع الاقتصادي والغلاء الفاحش الذي حول البدلة البيضاء إلى حلم بعيد المنال بالنسبة للأنثى، في حين يرزح آلاف الشبان في سنوات العزوبية دون أي حراك بسبب سوء أوضاعهم المادية، ونتيجة ذلك حققنا المرتبة الخامسة عربياً بالعنوسة أو (التأخر في سن الزواج) بنسبة 70٪، وذلك بحسب بعض الأبحاث والدراسات غير الرسمية، نظراً لغياب أبحاث رسمية عن ذلك!
ثلث الزيجات تنتهي بالطلاق!
حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء احتلت دمشق المرتبة الأولى بنسبة شهادات الطلاق من واقعات الزواج، والتي بلغت 37.1%، أي ما يزيد عن الثلث، لتأتي بعدها محافظة القنيطرة بنسبة 27.2%!
وبحسب البيانات الرسمية فإن مجموع حالات الطلاق في عام 2018 بلغت في عموم سورية 24640 حالة، لتتضاعف في عام 2021 إلى 30386 واقعة، أي بمعدل زيادة 23.32%!
واللافت أنه ما كان يحول دون دمار الأسرة وتفككها سابقاً، ألا وهم الأطفال، لم يعد كذلك!
فحسب البيانات بلغ عدد وقائع الطلاق في عام 2022 في الأسر التي لا تمتلك أطفالاً 7105 واقعة، أما في الأسر التي تمتلك طفل واحد 7960 ، والتي تمتلك طفلين 7601 واقعة طلاق!
مؤشرات إضافية لظواهر سلبية باتت خبز يومنا!
الحديث هنا عن الرشاوى والفساد، والتي للأسف لم نجد لها إحصائيات رسمية حقيقة تعبر عن الواقع ولو تقديراً، لكننا نستطيع الجزم وبالملموس أن مظاهر الرشوة والفساد باتت منتشرة جداً وبطرق عدة فجة ووقحة!
أما وفق تصنيف أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2022 (CPI) مؤشر «مُدركات الفساد» عالمياً لـ180 دولة، فقد حققنا وبجدارة منقطعة النظير المرتبة قبل الأخيرة، لتسبقنا الصومال فقط!
إحصائيات صادمة، فحقاً لقد ناطحنا العالم والأقاليم بأسوأ المقاييس عالمياً وعربياً!
ليس هذا وحسب، بل إننا لم نتطرق للعديد من الظواهر السلبية في سطورنا أعلاه، كعمالة الأطفال ومعدلات الفقر وانتشار الأمراض وسوء التغذية والقزامة، كذلك الانتحار والمخدرات وهجرة العقول و...!
تساؤلات معروفة الإجابة!
والآن لا يسعنا إلا أن نتساءل لماذا ظهرت كل هذه الموبقات بشكلها الفج في العقد الأخير خاصة، وبدأت تتزايد بطريقة سرطانية، ومن السبب؟
فدون أن ندخل في خضم التبريرات، أو حتى علم النفس ونتربص الدوافع الكثيرة والمركبة والمعقدة وراء كل حالة فردية في كل سلوك سلبي، دعونا نبدأ تحليلنا بتساؤل بسيط آلا وهو:
ماذا حدث في الآونة الأخيرة، وماهي العوامل التي تغيرت وأدت إلى ارتفاع نسب ومعدلات كل هذه الظواهر السلبية آنفة الذكر؟
مع تساؤل إضافي يفرض نفسه:
كيف لمواطن مفقر وجائع أن يستوعب المزيد من الضغوط والأعباء وهو يُفكر في لقمة العيش؟!
واختصاراً نقول إن المتغير الأكثر تأثيراً كان الوضع الاقتصادي الناجم عن السياسات الليبرالية الظالمة، التي سلبت من المواطن أبسط حقوقه، ألا وهو حق البقاء والعيش بكرامة، ابتداءً من سياسات خفض الإنفاق مروراً بإنهاء الدعم وتحرير الأسعار وانسحاب الدولة من واجباتها الاجتماعية شيئاً فشيئاً، إضافةً إلى ارتفاع معدلات الفساد وانتشار المحسوبيات الذي ساهم إلى حد كبير في ارتفاع معدلات الجريمة، خاصة وأن الكثير من المجرمين يدركون أن لديهم فرصة للإفلات من العقاب بدفع مبالغ مالية ورشاوى!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1195