إنهاء دعم المواد المقنّنة... هل يكفي تبرير عدم التقدم للمناقصات؟!

إنهاء دعم المواد المقنّنة... هل يكفي تبرير عدم التقدم للمناقصات؟!

توقفت عمليات توزيع المواد المقننة (رز وسكر) منذ أكثر من عام، فآخر دورة تم توزيعها للمستحقين بموجب البطاقة الذكية كانت في شهر كانون الثاني 2023، وحتى تاريخه لم يتم الإعلان عن دورة توزيع جديدة!

على ذلك فإن المستحقين لهم في ذمة الحكومة مخصصات عام كامل من مادتي السكر والرز، بواقع 12 كغ من الرزّ ومثلها سكّر لكل فرد من المستحقين، والتي من المفترض أن اعتماداتها كانت مرصودة في عام 2023 ضمن الاعتمادات المخصصة لدعم هاتين المادتين في الموازنة العامة!
فأين هذه الاعتمادات، وما مصيرها في ظل عدم توزيع المخصّصات؟!
وما هي الذرائع المستجدة لتبرير استمرار التقصير بتوزيع المواد المقننة، سيراً نحو استكمال إنهاء الدعم عنها كلياً؟

تخفيض الدعم وتقليص الإنفاق على حساب المفقرين!

تم تخصيص اعتماد 300 مليار ليرة في موازنة عام 2023 لدعم السكر والرز، وهذا الاعتماد لم تُصرَف منه أيُّ ليرة خلال العام الماضي بسبب عدم توزيع هذه المواد المقننة لأصحاب الحقوق!
فالدورة التي تم توزيعها خلال شهر كانون الثاني، مطلع العام الماضي، كانت جزءاً من مشتريات (السكر والرز) بموجب مناقصات جرت خلال عام 2022، ومن الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية في موازنة ذلك العام!
فالتقصير الحكومي بتأمين المواد المقننة وتوزيعها خلال عام 2023، تنفيذاً لسياسات تخفيض الدعم الجائرة، وتحت عنوان «توجيه الدعم إلى المستحقين»، كانت نتيجته إنهاء الدعم عن السكر والرز خلال عام 2023 بشكل كلّي، مع تحقيق وفر في الحسابات النهائية لميزانية عام 2023 بمبلغ قدره 300 مليار ليرة، على حساب المفقرين من مستحقي الدعم عملياً!
وبالحساب، استناداً إلى الرقم المرصود في موازنة عام 2023 كاعتمادٍ مخَصَّصٍ لدعم السكر والرز، والبالغ 300 مليار ليرة، فإن حصة كل صاحب بطاقة ذكية منه هي 60 ألف ليرة بالحد الأدنى، وذلك لكل أصحاب البطاقات الذكية الـ5 ملايين (المدعومين وغير مستحقي الدعم)!
الأكثر من ذلك أن مستحقي الدعم اضطروا لشراء هذه الكميات خلال العام الماضي بسعر السوق، السكر بسعر 1350 ليرة/كغ وسطياً، والرز بسعر 8000 ليرة/كغ وسطياً، أي تكبدوا 162 ألف ليرة لقاء 12 كغ من السكر، و96 ألف ليرة لقاء 12 كغ من الرز، وبمجموع قدره 258 ألف ليرة خلال العام لكل شخص مستحق الدعم، أي إن أسرة مكونة من 5 أفراد من مستحقي الدعم تكون قد تكبدت 1,290,000 ليرة، على حساب معيشتها وضروراتها الأخرى بسبب سياسات تخفيض الدعم الجائرة!

فهل يمكن اعتبار ذلك وفراً وتخفيضاً للإنفاق تستحق الحكومة الشكر والثناء عليه، أم إجحافاً وظلماً كبيراً بحق الغالبية المفقرة يوجب افتراضاً مساءلة ومحاسبة الحكومة عليه؟!

استكمال مهمة إنهاء الدعم!

صرح المدير العام للسورية للتجارة، عبر إذاعة شام إف إم نهاية شباط الماضي، بأن توزيع المواد المقننة (السكر والرز) باقٍ على البطاقة الذكية، لكنّه أردف أن هناك مشكلةً بالتوريدات والحجم المالي والقطع الأجنبي، إلى جانب أن الدورة الواحدة كانت تمتد إلى ثلاثة أشهر، بنحو 35 ألف طن لكل من السكر والأرز، ولكن حالياً لا تُتاح هذه الكميات للمؤسسة لتوزيعها، ولا يمكن البدء بدورة جديدة لتوزيع المواد المقننة إن لم تكن كافية لكامل البطاقات، وطرحت إعلانات لمناقصات السكر والأرز لأكثر من مرة دون أن يأخذها أو يتقدم لها أحد!
الحديث التبريري أعلاه هو مقدمة لاستكمال مسيرة إنهاء الدعم لمادتي السكر والرز خلال العام الحالي أيضاً!
ولا ندري ما فائدة التأكيد بأن توزيع المواد المقننة (السكر والرز) باقٍ على البطاقة الذكية بعد هذا التبرير؟!
فمشكلة التوريدات مستمرة، كما هي مشكلة عدم التقدم للمناقصات المعلنة من قبل السورية للتجارة، والجديد هو الحديث عن الحجم المالي، أي الاعتمادات المخصصة في موازنة عام 2024 لدعم السكر والرز!
ولم يقدم المدير العام أية حلول بديلة يمكن التعويل عليها لتأمين الكميات المطلوبة من مادتي السكر والرز من أجل البدء بدورة توزيع جديدة!
حتى أنه سحب البديل الذي كان قد طرحه رئيس الحكومة بإحلال البرغل بديلاً لمادّة الرزّ المدعوم، حيث قال إنه لا يمكن استبدال المواد المقننة وخاصة الرز بإحلال البرغل مكانها على سبيل المثال والذي تتوفر منه كميات كبيرة، لأن سلوك الناس واستهلاكهم يعتمد على مواد دون أخرى ولا يمكن الاستعاضة عنها.
والحال كذلك فإن اعتمادات الدعم المخصصة في موازنة العام الحالي لمادتي السكر والرز سيتم «توفيرها» أيضاً، ولن تصرف منها ولا ليرة للمستحقين على ما يبدو!

عجز حكومي أم نوايا مبيتة!

التبرير الذي قدّمه المدير العام للسورية للتجارة حول عدم التقدم للمناقصات التي يتم الإعلان عنها لا يخلي المسؤولية لا عن المؤسسة ولا عن الحكومة باستمرار التقصير بتأمين المواد المقننة، بحال صدق النوايا والجدّية بتأمين الكميات الكافية منها للتوزيع على المستحقين بموجب البطاقة الذكية!
فإذا كانت عمليات الاستيراد المباشرة للسكر والرز من قبل السورية للتجارة تواجه صعوبات مرتبطة بالعقوبات، وإذا كانت المناقصات المعلن عنها لا تستقطب متقدمين إليها بسبب شروطها المعقدة وآليات تسديد قيمتها طويلة الأمد، فإن نظام عمليات المؤسسة يتيح لها بالمقابل أن تؤمن هذه المواد عبر الشراء المباشر من المورّدين، بعيداً عن شروط المناقصات وتعقيداتها مع سهولة بتسديد القيمة، علماً أن المؤسسة تتبع هذا الأسلوب بتوريد الكثير من موادها وسلعها المعروضة في مجمّعاتها وصالاتها!
فمع قليل من المرونة التي يمكن أن تتيحها الحكومة بهذا المجال تستطيع السورية للتجارة تأمين مادتي السكر والرز بالكميات المطلوبة للبطاقة الذكية عبر الشراء المباشر!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك كانت قد أعفت المستوردين من تسليم 15% من مستورداتهم، بضغط من المستوردين وبموافقة حكومية، ما يعني التخلي الرسمي عن كميات كبيرة من السكر والرز المستورد، كان يمكن أن تغطي نسبة لا بأس بها من حاجات البطاقات للمستحقين!
فالذرائع المَسُوقة لتبرير التقصير في توزيع المواد المقننة، وعدم الإعلان عن البدء بدورة توزيع جديدة، لا تعبّر عن عجز السورية للتجارة أو الحكومة، بقدر تعبيرها عن نوايا مبيتة للاستمرار بنهج تخفيض الدعم عن المواد المقننة سيراً نحو إنهائه!
وللتذكير فقد سبق لرئيس الحكومة أن صرح أمام مجلس الشعب مطلع العام أنه لن يكون هناك دعم للمواد المستوردة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1164