استقرار سعر الصرف شكلي وشبه معوّم في السوق!

استقرار سعر الصرف شكلي وشبه معوّم في السوق!

رفع المصرف المركزي سعر صرف الدولار مقابل الليرة في نشرة الحوالات والصرافة بتاريخ 29/2/2024، حيث أصبح 13500 ليرة بدلاً من 13200 ليرة، بزيادة وقدرها 300 ليرة لقاء كل دولار، وبنسبة زيادة 2,27%!

الزيادة في سعر الصرف أعلاه قد يكون مبررها مساعي استقطاب الحوالات من قبل المصرف المركزي قبل حلول شهر رمضان وعيد الفطر، الذي تزيد بسببه الحوالات عادة، تنافساً مع السوق الموازي، بذريعة تقليص الفارق السعري بين المركزي والموازي، وهو ما عكف عليه المصرف المركزي في سياسات سعر الصرف طيلة الأعوام الماضية، انتقالاً من عتبة سعرية إلى عتبة سعرية أعلى، القيادة والتحكم فيها كانت للسوق الموازي وليس للمركزي من الناحية العملية!

الزيادة الثالثة خلال العام وبنسبة 6,29%!

يشار إلى أن الزيادة في سعر الصرف الرسمي أعلاه هي الثالثة لهذا العام!
فقد سبق للمصرف المركزي أن رفع سعر الصرف مقابل الدولار بنشرة الحوالات والصرافة بتاريخ 14/1/2024 من 13000 ليرة إلى 13200 ليرة، بزيادة 200 ليرة، وبنسبة زيادة 1,53%!
وقبل ذلك بتاريخ 3/1/2024 كان قد رفع المصرف المركزي سعر الصرف مقابل الدولار بنشرة الحوالات والصرافة من 12700 ليرة إلى 13000 ليرة، بزيادة 300 ليرة، وبنسبة زيادة 2,36%!
على ذلك فإن سعر الصرف الرسمي في نشرة الحوالات والصرافة منذ بداية العام وحتى تاريخه، أي خلال شهرين فقط، يكون قد ارتفع بمبلغ 800 ليرة، وبنسبة زيادة 6,29%!
وبحال الاستمرار على الوتيرة نفسها من الزيادات السعرية على سعر الصرف الرسمي، انتقالاً من عتبة سعرية إلى عتبة سعرية أعلى تنافساً مع الموازي، فلن ينتهي العام إلا ويكون قد ارتفع سعر الصرف الرسمي بنسبة لا تقل عن 40%!
فهل هذا هو الاستقرار المنشود بسعر الصرف من قِبَل المصرف المركزي؟!
وهل هذا التذبذب، والانتقال بسعر الصرف من عتبة إلى عتبة أعلى، يتيح للمركزي أن يتبجح باستمراره بالعمل بسياساته نفسها، وتكريسها؟!
ولمصلحة من يتم تجيير جملة السياسات النقدية والمالية المتبعة، من قبل المصرف المركزي والحكومة؟!

العتبات السعرية والسعر التحوّطي!

مع عدم نفينا لأهمية تقليص الفارق في سعر الصرف بين الرسمي والموازي على مستوى استقطاب المزيد من الحوالات لمصلحة المركزي، إلا أن هذا الفارق المقلص لا يلبث أن يتم تعويضه في السوق الموازي، وبنسب زيادة مقاربة للزيادة من قبل المركزي، وهو ما جرى ويجري طيلة الأعوام الماضية!
فرفع سعر الصرف الرسمي يتبعه مباشرة رفع في سعر الصرف في السوق الموازي، في تناغم بات من الواضح فيه أن دفة القيادة السعرية يتحكم بها السوق الموازي، ولمصلحة كبار الحيتان المتحكمين عملياً بالسوق الموازي، وبسعر الصرف بالنتيجة!
أما الأكثر سوءاً فهو أن الانتقال إلى عتبات سعرية أعلى لسعر الصرف، في المركزي أو في الموازي، تنعكس سلباً على تسعير السلع والخدمات في السوق، حيث ترتفع الأسعار بنسب أعلى من نسب الزيادة على سعر الصرف، سواء في المركزي أو الموازي، تحت مسمى «السعر التحوطي» الذي تسعر فيه السلع والخدمات في الأسواق، وبفارق كبير جداً!
فقد وصل السعر التحوطي، الذي تسعر بناء عليه السلع والخدمات في السوق، إلى حدود 25 ألف ليرة للكثير من السلع، ومع الزيادة الأخيرة في سعر الصرف ربما يصل هذا السعر التحوطي إلى عتبة جديدة تقارع 30 ألف ليرة لبعض السلع والخدمات في القريب العاجل، ولجميعها لاحقاً!

قوى السوق وتحكمها بالسعر التحوطي!

يمثل السعر التحوطي المفروض في السوق من الناحية العملية شكلاً من الأشكال المشوهة لتحرير سعر الصرف غير الرسمي، وشبه تعويم له، وذلك بسبب تذبذب سعر الصرف، إضافة إلى ذرائع العقوبات والحصار وغيرها، مع هوامش ربحية استغلالية إضافية ناجمة عن سيطرة كبار حيتان قوى السوق، والمتحكمين فيه لمصلحتهم!
فالسعر التحوطي عملياً يكرس تحرير سعر الصرف في السوق، فالحكومة غير متحكمة به، ولا تتدخل به لا من قريب ولا من بعيد، بل المتحكم به هي قوى السوق ولمصلحة كبار حيتانها، على الرغم أن الحكومة تتبع نموذج التعويم الموجه من خلال إدارتها الشكلية لسعر الصرف عبر المصرف المركزي، لكنها بالمقابل عاجزة عن توجيهه كما يفترض، فحتى تحكّمها ببعض الأسعار محكوم بمتغيرات سعر الصرف والتكلفة، التي يتم إعادة احتسابها مع كل متغير، من قبلها مباشرة أو من قبل جهاتها ومؤسساتها العامة!

اعتراف موارب بالعجز!

نقل عن مدير الأبحاث الاقتصادية والإحصاءات العامة والتخطيط في مصرف سورية المركزي منهل جانم، عبر صحيفة تشرين بتاريخ 19/2/2024: «إن التنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية يعد من القضايا الأساسية الداعمة للمصرف المركزي لتحقيق الهدف الأساسي باستقرار الأسعار وكبح التضخم واستقرار سعر الصرف».
وأضاف جانم: «الاقتصاد السوري اليوم يمر في مرحلة ركود تضخمي، أي هناك تعطل في عوامل الإنتاج من جانب، وهناك تصاعد في التضخم نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية من جانب آخر، كزيادة التكلفة محلياً أو التضخم المستورد أو أمور تتعلق ببعض المراحل التي مررنا بها سابقاً، وخاصة بسعر الصرف ووجود بعض الاتجاهات التي اتخذتها الحكومة لعقلنة الدعم وإعادة هيكلته، ما يخفف العبء عن الموازنة العامة».
ويختصر جانم بالقول: «لا يوجد اليوم حل سحري يختصر بأداة معيّنة»!
الحديث الرسمي أعلاه فيه بداية اعتراف مباشر بالتضخم وآثاره الكارثية على الإنتاج وعلى التكاليف، وبالتالي على أسعار السوق بنتائجها الكارثية على المستوى المعيشي والخدمي، وخاصة بالنسبة للغالبية المفقرة في البلاد!
والأكثر سوءاً هو الاعتراف غير المباشر بالعجز الرسمي عن إيجاد الحلول!
أما الغائب فهو الاعتراف بأن كل النتائج الكارثية التي يتم حصادها على مستوى الإنتاج والخدمات والمعيشة، وعلى المستوى الاقتصادي عموماً، كانت بسبب الاستمرار بالسياسات المالية والنقدية المتبعة من قبل المركزي، بالتوازي مع جملة السياسات الاقتصادية المتبعة نفسها!
فسعر الصرف لم يستقر، والتضخم يزداد، والأسعار مستمرة بالارتفاع في السوق بلا توقف، والكوارث تتفاقم وتتعمق!
والأكثر تغييباً من الحديث الرسمي أعلاه، ومن كل التصريحات الحكومية المشابهة، أن كل السياسات المتبعة منحازة كلاً وجزءاً لمصلحة القلة القليلة من كبار حيتان البلد، ناهبين وفاسدين ونافذين، على حساب الغالبية المفقرة والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1164