الصناعة والإنتاج في وادٍ.. والسياسات الحكومية في وادٍ آخر بالضد منها!

الصناعة والإنتاج في وادٍ.. والسياسات الحكومية في وادٍ آخر بالضد منها!

واقع خطير تعيشه الصناعة السورية، يتزامن مع استمرار التصريحات الحكومية الجوفاء، والوعود الخلبية بخصوص دعم الصناعة والإنتاج، التي تسقط وتتهاوى عند أول آلية تنفيذية!

فلا دعم حقيقي، ولا اهتمام جدي للنهوض بالقطاع الصناعي، فمجمل الخطوات التي تتخذها الحكومة بالواقع العملي تهدف إلى تقويض الصناعة في القطاعين العام والخاص، بل والحد من الزراعات الاستراتيجية التي تعتبر مدخلات إنتاج لبعض الصناعات، وصولاً لإنهائها أيضاً!
ولعل آخر ما حرر في هذا السياق هو زيارة الوفد الوزاري الذي ضم وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، والمالية كنان ياغي، والصناعة عبد القادر جوخدار إلى مدينة حلب يومي 17-18 كانون الثاني 2024، تنفيذاً لتكليف حكومي بهذا الصدد، والتي لم تثمر عن أي قرار!

مجريات الزيارة!

شهدت الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 16 كانون الثاني من العام الحالي نقاشات مستفيضة، حسب ما وُصفت، تناولت العديد من الملفات الآنية والاستراتيجية المتعلقة بتطوير آليات العمل الحكومي، وواقع الخدمات والمشتقات النفطية، والإجراءات المطلوب اتخاذها لتنشيط القطاع الصناعي وزيادة الإنتاج، وناقش المجلس الواقع الإنتاجي والصناعي في محافظة حلب والدور المنوط بالوزارات المعنية لإعادة حلب إلى ألقها الصناعي، حيث تم تكليف وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية والصناعة القيام بزيارة ميدانية إلى حلب، ولقاء الفعاليات الصناعية والتجارية فيها، وإعداد رؤية متكاملة تتضمن الإجراءات والخطوات المطلوب القيام بها لتعود حلب مركزاً متميزاً للصناعة الوطنية.
وفعلاً، في 17 كانون الثاني 2024 التقى الوفد الوزاري مع صناعي وحرفيي حلب الذين طالبوا بضرورة معالجة الأعطال الكهربائية المتكررة، وزيادة ساعات التغذية الكهربائية مع تحقيق العدالة وزيادة عدد المحولات!
كما طالبوا بتأمين شبكة الاتصالات للمناطق الصناعية من أجل الربط الإلكتروني، والإسراع بإصدار التعليمات التنفيذية لمنطقة الليرمون التنموية!
في حين دعا رئيس غرفة صناعة حلب- فارس الشهابي- إلى تشكيل هيئة للرقابة على المستوردات والصادرات، وهيئة عامة لدعم المناطق الصناعية، وإحداث مدينة معارض في حلب!
بينما دعا رئيس فرع اتحاد الحرفيين- حسام حلاق- إلى ضرورة تأمين الغاز والمازوت لتشغيل الحرف الصغيرة والمتوسطة، وتأمين القروض الميسرة للطاقة المتجددة، واعتماد الشهادة الحرفية بدلاً من الترخيص الإداري، واستكمال تنفيذ البنى التحتية في المناطق الحرفية والصناعية!
وكذلك تم عرض العديد من المطالبات من خلال بعض المداخلات التي تركزت حول تأمين احتياجات عمل الحرفيين، وتخفيض رسم الإنفاق الاستهلاكي لبعض المواد، وتأمين حوامل الطاقة بقروض ميسرة!
والملفت خلال جلسة لقاء الوفد الحكومي مع الصناعيين والحرفيين، مطالبة رئيس غرفة الصناعة بحلب فارس الشهابي بالإسراع بتنفيذ مطالب ومقترحات المؤتمر الصناعي الثالث المنعقد عام 2018 والتي لم ينفذ الجزء الأكبر منها حتى الآن!
في اليوم التالي 19 كانون الثاني 2024 استكمل الوفد الوزاري لقاءاته مع غرفتي تجارة وسياحة حلب والفعاليات التجارية والسياحية، وتركزت المطالب حول زيادة كمية الطاقة الكهربائية إلى 600 ميغا واط وتوزيعها بعدالة، وتعاون المديرين المعنيين في المؤسسات الحكومية مع المواطنين، وإلغاء ربط التأمينات الاجتماعية بالسجل التجاري، والاكتفاء برسمٍ لمصلحة التأمينات عن كل درجة، إضافة لتخفيف دوريات الجمارك على محلات المفرق!
من جانبه بيّن رئيس اتحاد غرف السياحة- طلال خضير- ضرورة تشميل المنشآت السياحية ضمن المدينة ببرنامج دعم الفوائد على القروض!
كما دعت المطالب إلى تعديل عدد من مواد المرسوم رقم 8 وتعليماته التنفيذية، وإعادة دراسة بعض القرارات الاقتصادية لتحقيق المرونة للجميع، وتقديم الدعم الحقيقي لأصحاب المصالح، وتذليل الصعوبات، وإبعاد الروتين عن الحياة الاقتصادية العملية!
بدوره بيّن وزير المالية كنان ياغي: أنه تمت مناقشة كل الاقتراحات والاتفاق على رفعها أصولاً إلى اللجان المعنية في الحكومة، بهدف إيجاد الحلول المناسبة لها!
بينما أكد وزير الصناعة عبد القادر جوخدار: أن الحكومة تولي اهتماماً خاصاً لمحافظة حلب، وتسعى بشكل دائم لتأمين كافة مستلزمات الإنتاج للحرفيين والصناعيين، والعمل على اتخاذ كافة التوصيات لاستمرار عجلة الإنتاج، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل على دراسة مقترح إنشاء مدينة معارض، وتطوير المناطق الصناعية، وتأمين التمويل اللازم!

السيناريو المكرر ذاته.. حوار الطرشان!

من الملاحظ.. تكرار المطالب الأساسية للصناعيين والحرفيين والفعاليات التجارية والسياحية، طيلة السنين الماضية وحتى الآن، وخاصة ما يتعلق بمستلزمات الإنتاج وحوامل الطاقة، وبعض أوجه وأشكال الدعم!
فقضايا كثيرة عالقة يتكرّر الحديث عنها مرة بعد مرة، وبوجود ذات الأشخاص، دون أية نتائج تذكر، بل مع تزايد حدة الصعوبات والأزمات التي تعاني منها هذه الفعاليات، وخاصة القطاع الإنتاجي!
فكيف لم تجد الحكومة وفريقها الاقتصادي سبل تحقيق هذه المطالب، أو البعض منها بالحد الأدنى، برغم درايتها التامة بها، وبرغم كل وعودها بشأنها؟!
فجلسات الحوار التي أقيمت في حلب تنفيذاً للقرار الحكومي خلت نتائجها من أي قرار تنفيذي يلبي بعض المطالب مما طرح وعرض فيها، علماً أن الحاضرين وزراء معنيون بما طرح، وأصحاب قرار كما يفترض!
ولعل التذكير بمؤتمرات الصناعة وتوصياتها غير المنفذة لوحده كافٍ لإدراك أن اللقاء والحوار مع الحكومة كلأ أو جزءاً، تحت أي مسمى، وبأي مكان، ومن قبل أي فعالية اقتصادية، وبظل استمرارها بنفس النهج والسياسات، هو تماماً كحوار الطرشان، فمطالب الصناعيين المكررة في وادٍ، وآليات العمل الحكومي التنفيذية في وادٍ آخر تماماً، لتصب بالنتيجة بالضد من الصناعة والانتاج!
فكل هذه الحوارات مع الحكومة، والفعاليات التي تقام تحت رعاية الرسميين، هي مجرد فقاعات إعلامية فارغة لا قيمة لها، ولا مستقبل ولا أمل يرجى منها، بل هي مجرد ذر للرماد في العيون، طالما بقيت سياسات الإفقار وتقويض الإنتاج على حالها!
فقد بات من الواضح، أن جملة السياسات الحكومية تهدف إلى عرقلة الإنتاج، وخلق المزيد من الصعوبات أمامه، وصولاً إلى تقويضه وإنهائه، وهو ما نعيشه ونلمسه بشكل شبه يومي، من خلال الانعكاسات السلبية للقرارات الحكومية وإجراءاتها المتتابعة، ولعل قرار زيادة تعرفة الطاقة الكهربائية الأخير مثال جديد على ذلك، ولن يكون الأخير من كل بد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158
آخر تعديل على الإثنين, 22 كانون2/يناير 2024 09:39