الجوع يجتاح الطلاب بنسب مرتفعة من سوء التغذية والإصابة بالجنف!
رصد واقع الجوع وسوء التغذية والأمراض يغيب عن الأرقام الرسمية غالباً، تهرباً من المسؤولية وصولاً إلى تكريس نتائجه الكارثية، فيما يرد عنها بعض الأرقام والنسب الإحصائية عبر بعض التقارير الدورية لبعض المنظمات الأممية!
أما المختلف مؤخراً فهو ورود بعض النسب والأرقام المخيفة التي نقلت عن «مصدر» صحي في حمص، حول انتشار مرض الجنف وسوء التغذية بين أوساط الطلاب، الأمر الذي يؤكد القاعدة أعلاه حول مصادر الأرقام والبيانات ولا ينفيها!
الإصابة بالجنف الخطير نسبتها 16%!
فقد بين مصدر في الصحة المدرسية بحمص، لشبكة «غلوبال» الإعلامية بتاريخ 8/1/2024، حول مجريات حملة المسح التي أُقيمت في المدارس لتقصي مرض الجنف «انحناء العامود الفقري» أن «هذا المرض خطر ويصيب الإنسان بعمر 8-18 سنة، ومن الضروري الكشف عنه في بدايته لمعالجته عبر بعض الإرشادات والعلاجات الفيزيائية بدلاً من تفاقمه وتسببه بأضرار صحية ونفسية للمصاب وأسرته، وخاصةً إذا وصلت إلى الحاجة لعمل جراحي».
وأوضح أن «عينة المسح شملت 2181 طالباً، وللأسف تبين إصابة 345 منهم بحالات الجنف، أي 16% من العينة، مبيناً أن أسباب المرض متعدّدة، بعضها وراثي وبعضها غير معروف وبعضها ناجم عن الجلوس بشكل غير صحي أو بسبب الجلوس الطويل على الأجهزة الإلكترونية، كما تجري دراسة أثر وزن الحقيبة المدرسية وشكلها وطريقة حملها على الأطفال، وفيما إذا كانت تسبب أو تفاقم حالات هذا المرض».
النسبة التي تبين أنها مصابة بالجنف من العينة الطلابية أعلاه، والبالغة 16%، تعتبر نسبة كبيرة جداً، وهي أعلى بكثير من معدلات الإصابة المتعارف عليها!
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المرض يعتبر خطيراً جداً، فمن مضاعفاته مثلاً الآلام المزمنة وصعوبة التنفس وصولاً إلى الإعاقة!
فهل هذه النسبة المرتفعة سببها محصور بما ورد أعلاه عن لسان المصدر، أم هناك أسباب أهم وأكبر ساهمت بهذه الزيادة؟!
سوء تغذية أيضاً!
وبحسب المصدر الصحي أيضاً «أقامت وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية مسحاً تغذوياً على تلاميذ المدارس، وتقصياً لحالات انتشار فقر الدم وتقزّم الأطفال الناجمين عن سوء التغذية، إضافةً إلى النحول والسمنة».
موضحاً أن «نسب الإصابة للأسف كانت عالية نتيجة سوء الأوضاع التي نمرّ بها اقتصادياً، وهناك مساعٍ لتحسين واقع تغذية الأطفال في المناطق الأكثر تضرّراً من خلال السعي إلى توزيع غذاء معين على الأطفال بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي».
وقد أغفل «المصدر» النسب التفصيلية لحالات فقر الدم والتقزّم والنحول والسمنة الناجمين عن سوء التغذية من العينة الطلابية الممسوحة، مكتفياً بقوله إنها «عالية»، وبأنها نتيجة «سوء الأوضاع التي نمرّ بها اقتصادياً»، وربما ذلك يعني أنها أعلى بكثير من المعدلات المتعارف عليها، أو ربما لا داعي لإعادة ذكرها!
فقد سبق أن ذكرت الكثير من التقارير الأممية أن معدلات فقر الدم تقارب 25% من السكان في سورية ممن هم دون الخامسة، ومعدل انتشار التقزم بين الأطفال يتجاوز 25% نتيجة سوء التغذية، بينما وصلت أعداد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 12 مليون سوري، بحسب بيانات الأمم المتحدة!
بعض التفاصيل عن مرض الجنف الخطير!
الجَنف، بحسب المراجع الطبية، هو انحناء جانبي للعمود الفقري يُشخَّص غالباً لدى المراهقين. ورغم أن الجَنف يمكن أن يحدث للمصابين بحالات مرَضية مثل الشلل الدماغي والحثل العضلي، فإن السبب وراء غالبية حالات الجَنف التي تصيب الأطفال غير معروف.
وتكون أغلب حالات الجَنف بسيطة، ولكن تزداد بعض الانحناءات سوءاً مع نمو الطفل. ويمكن أن تؤدي الانحناءات الشديدة إلى الإعاقة. يمكن أن يقلل انحناء العمود الفقري الشديد من مقدار المساحة الموجودة داخل الصدر؛ ما يجعل من الصعب على الرئتين العمل كما ينبغي.
أما عن المضاعفات فرغم أن معظم المصابين بالجنف يشكون من انحراف بسيط في شكل العمود الفقري لديهم، إلا أن الجنف قد يُسبب أحياناً مضاعفات مثل:
المظهر، مع تفاقُم الجنف، يُمكن أن يتسبَّب في تغيرات أكثر وضوحاً، منها عدم استواء الوركين والكتفين، وبروز الأضلاع، وإزاحة منطقة الخصر والجذع إلى أحد الجانبين. ويصبح الأشخاص المصابون بالجنف في أغلب الأحيان خجولين من مظهرهم.
مشكلات الظهر، الأشخاص الذين أصيبوا بالجنف في مرحلة الطفولة أكثر عرضةً للإصابة بآلام الظهر المزمنة عند بلوغهم، خصوصاً إذا كانت الانحناءات لديهم كبيرة وتُركت دون علاج.
صعوبات التنفس، في حالات الجنف الحادة، قد يضغط القفص الصدري على الرئتين؛ مما يجعل التنفُّس أكثر صعوبة.
معدلات الإصابة المتعارف عليها!
حول معدل الإصابة بالجنف ننقل ما أورده أحد المواقع الطبية عن ذلك،.. عند حدوث الجنف، يصيب العمود الفقري إنحناء لا يقل عن 10°، ويصيب 1,5٪ إلى 3٪ من السكان، وتقسم نسب الإصابة بالجنف كما يلي:
الإنحناءات التي تتجاوز الـ20° تصيب 0,3٪ إلى 0,5٪ من السكان.
الإنحناءات التي تتجاوز الـ30° تصيب 0,2٪ إلى 0,3٪ من السكان.
على ذلك فإن نسبة الإصابة بالجنف التي ظهرت في العينة الطلابية بحمص البالغة 16% تعتبر نسبة كبيرة جداً بالمقارنة مع النسب المبينة أعلاه بحسب الموقع الطبي، والمسقوفة بنسبة 3% كحد أعلى، أي بزيادة شاذة جداً عن المعدل المتعارف عليه طبياً بقدر 13%!
وبحال عممنا النسبة أعلاه (16%) على تعداد طلاب مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، والمقدر عددهم بـ3704890 طالباً وطالبة تقدموا للامتحانات النصفية مؤخراً بحسب تصريحات وزارة التربية، فإن عدد المصابين المحتملين بالجنف من بين هؤلاء يتجاوز 590 ألف طالب وطالبة!
ومن المفروغ منه أنه لا يمكن التأكد من دقة النسب والأرقام إلا من خلال مسح شامل لمرض الجنف بين الطلاب على مستوى كافة المحافظات!
فهل ستقوم مديرية الصحة المدرسية بهذه المهمة بالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة التربية؟!
يشك بذلك طبعاً!
النظام الغذائي غير الصحي والجنف!
بحسب أحد المواقع الطبية المتخصصة بمرض الجنف، ورد التالي: «اعتقد الخبراء والأطباء لفترة طويلة أن النظام الغذائي غير الصحي ليس له علاقة بالجنف وتقوس العمود الفقري بشكل مباشر، ولكن في الأعوام الأخيرة أشارت أبحاث كثيرة إلى أن الغذاء غير الصحي يعدُّ عاملاً مساهماً في ظهور تقوّس العمود الفقري، أو ما يسمى بـ(الجنف)، بالإضافة إلى العوامل الجينية التي تشجع على حدوثه».
ويضيف الموقع: «على الرغم من جهلنا بالسبب المباشر الذي يحفِّز تلك الجينات، فقد عدَّت العديد من الدراسات نقص التغذية واحداً من العوامل البيئية المرتبطة بتطور الجنف وتفاقمه، وذلك ضمن عوامل بيئية أخرى محتملة تشمل: الهرمونات، وبعض الإصابات، أو حتى وجود بعض الميكروبات.. بغض النظر عن الأسباب والعوامل المسببة للجنف، فعندما ننظر إلى الخطط العلاجية للمرض نجد أن النظام الغذائي يسهم بدور كبير في التعافي وتقليل تقدُّم المرض».
فقد أشار أحد الأبحاث مؤخراً إلى أن «تعويض نقص معدن السيلينيوم قد يلعب دوراً رئيساً في الجانب الغذائي من علاج تقوس العمود الفقري (الجنف). كما ذكرت دراسات أخرى وجود ارتفاع غريب في مستويات النحاس والزنك لدى مرضى الجنف مقارنة بالأصحاء، وما زالت هذه الملاحظة قيد البحث. ويبدو أيضاً أن لمستويات فيتامين K نوعاً من الارتباط بتقوّس العمود الفقري (الجنف)، لكن العلاقة بينهما ما زالت غير واضحة حتى يومنا هذا. لذلك ينصح الخبراء باتباع حمية غذائية متوازنة غنية بالعناصر التالية: الكالسيوم- فيتامين D- فيتامين E.
لنصل لنتيجة مفادها بعد ما سبق من عرض طبي أنه إن لم يكن النظام الغذائي غير الصحي متسبباً مباشراً بالمرض، فبالحد الأدنى فإنه يساهم في علاجه أو الحد من تفاقمه!
والحال كذلك، فإن الواقع يقول إنه باستمرار سياسات الإفقار والتجويع فمن المستحيل الوصول إلى نظام غذائي صحي، ما يعني أن المرض سيزداد انتشاراً مع كل تداعياته الكارثية على صحة أبنائنا!
تساؤلات مشروعة وحكومة متجاهلة ودولة مغيبة!
هل يمكن اعتبار نتائج المسح الرقمية أعلاه بمثابة جرس إنذار لوزارة الصحة ووزارة التربية وللحكومة؟!
أم إن نتيجة المسح، بنسبها المرتفعة والمخيفة، لن تتجاوز حدود الدراسة النظرية محدودة المكان والجغرافيا، دون أي إجراء تغذوي وصحي ورسمي، استمراراً لتكريس التجاهل والتعامي الحكومي، ولتكريس تغييب الدولة عن دورها وواجباتها ومسؤولياتها!
فبحسب المصدر الصحي نفسه «تعمل دائرة الصحة المدرسية في حمص على عدد من الخطط لتعزيز الحالة الصحية لدى أجيالنا الفتية، واتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بالوقاية من الأمراض، فضلاً عن النشاطات التوعوية والتثقيفية.. ويتم التركيز على الجانب النفسي بالقدر ذاته الذي يتم التركيز فيه على الجانب الصحي؛ فالمجتمع ما زال يعاني من آثار وسلبيات الأزمة والحرب، ولدينا إستراتيجية جديدة وطويلة الأمد تم تحديدها من قبل وزارة التربية، وإدخال برامج متعددة ضمن خطط الصحة المدرسية على رأسها الصحة النفسية، ومواضيع الإدمان، والعنف وانتشاره في المدارس، والحوادث والإصابات ضمن المدارس والصحة الإنجابية». وأضاف المصدر «إن واقع أطفالنا أصبح يعجّ بظواهر غير مسبوقة كإدمان وسائل التواصل الاجتماعي، وتحول نسبة كبيرة من أطفالنا إلى استقاء ثقافتهم ومفاهيمهم وقيمهم من تلك الوسائل، والتي قد تحمل لهم قيماً سلبية أو مشوهة، مؤكداً على ضرورة تعاون جميع الجهات المعنية والأهل للحدّ من التأثيرات السلبية لهذا الموضوع».
لا شك أن «المصدر» لا يمكن أن يحمل ما لا يمكن حمله من مسؤوليات وواجبات تجاه الأرقام والنسب المخيفة أعلاه التي تم رصدها عن سوء التغذية وانتشار الأمراض، بما في ذلك مرض الجنف الخطر، وما تعنيه على مستوى المستقبل الكارثي الذي ينتظر الطلاب خصوصاً والمجتمع عموماً، بل ومستقبل البلاد!
فما سبق أعلاه عن لسان المصدر الصحي محدود وقاصر وهزيل، ولا يمكن التعويل عليه لا على مستوى معالجة واقع سوء التغذية المعمم، ولا على مستوى درء أخطار الأمراض التي يتزايد انتشارها!
والأكثر من ذلك أن بعض المسؤوليات والواجبات بهذا المجال أكبر من إمكانات مديرية الصحة المدرسية في حمص أو في غيرها من المحافظات، بل وأكبر من إمكانات وزارة الصحة ووزارة التربية مجتمعتين، بحال توفر النية لتحمل المسؤوليات طبعاً!
فما ورد من أرقام ونسب مستجدة عن مرض الجنف، أو ما ورد عن واقع سوء التغذية، بالإضافة إلى ما يتم تداوله من بيانات وإحصاءات من واقع بعض التقارير الأممية، ما هي إلا مؤشرات لواقع يومي ملموس أكثر تردياً وقتامة على كافة المستويات، كنتيجة طبيعية لكل سياسات الإفقار والتجويع الممنهجة المتبعة رسمياً، اعتباراً من سياسات تخفيض الإنفاق العام الظالمة، مروراً بسياسات تخفيض الدعم المجحفة، وليس انتهاء بالأجور الهزيلة، شبه الصفرية، بالمقارنة مع مسلسل الارتفاعات السعرية المستمر ومتطلبات المعيشة والخدمات!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1157