أجواء امتحانية باردة وحكومة أبرد!

أجواء امتحانية باردة وحكومة أبرد!

ككل عام، ودون حلول، تلقي أزمة المحروقات بظلالها على كاهل السوريين لتستهدف هذه المرة الطلاب بمختلف مراحلهم الدراسية (الابتدائي، الإعدادي والثانوي) خلال فترة تقديمهم للامتحانات النصفية!

فقد توجه ملايين الطلاب إلى امتحاناتهم النصفية هذا العام، كما كل عام، بأكوام من الملابس الثقيلة التي تعجزهم عن الحركة، بينما لا تهتم الجهات المعنية بتحسين البنية التحتية لمدارسهم، أو حتى توفير ما يلزم من وقود التدفئة خلال فترة الامتحانات على أقل تقدير، وليترك ملايين الطلاب يعانون من البرد خلال تقديمهم لامتحانات الفصل الدراسي الأول، فضلاً عن العتمة نتيجة غياب الكهرباء!
فبأيدي مجمدة وأجساد مقشعرة توجه 3704890 طالباً وطالبة في المحافظات كافة لتقديم امتحاناتهم، التي تستمر حتى الـ11 من كانون الثاني الجاري حسب التصريحات الرسمية لوزارة التربية.

تحضيرات منقوصة!

أكد مدير الامتحانات في وزارة التربية يونس فاتي أن الوزارة ومديريات التربية اتخذت جميع التحضيرات اللازمة للامتحان المتعلقة بالتنظيم وتأمين أوراق الإجابة وتوزيعها لتوفير الأجواء الامتحانية الملائمة للطلاب.
التحضيرات الضرورية التي ذكرها مدير الامتحانات غاب عنها موضوع التدفئة، علماً أنها تندرج ضمن عبارة «الأجواء الامتحانية الملائمة للطلاب»، لكنه تناساها، مغيباً ضرورتها وأهميتها!
فسياسات تخفيض الدعم الجائرة وصولاً إلى إلغائه كلياً، خفضت نسبة توزيع مازوت التدفئة، سواء المخصص للمدارس أو المنازل، تحت ذرائع نقص التوريدات والعقوبات، لأقل من الحد الأدنى، والنتيجة هي حرمان آلاف الأسر من الحصول على الدفء خلال فصل الشتاء، وحولت ملايين الطلاب إلى ضحايا الصقيع والبرد في مدارسهم!
فالطالب يذهب الى مدرسته مشبعاً بالبرد من منزله ومن الطريق، ليتوج ذلك ببرد أشد في شعبته الصفية، وما عليه خلال العملية الامتحانية إلا التلحّف بحرارة الأسئلة على ما يبدو!
فهل هذه هي الأجواء الامتحانية الملائمة التي تم توفيرها للطلاب؟!

اعتراف بالتقصير أم تعامٍ عن الواقع!

تُعاني جميع مدارس سورية من نقص وانعدام مادة المازوت المخصصة للتدفئة، وأخرى تُعاني التقنين الإضافي من قِبل بعض الإدارات فساداً، لِتضيف إلى مشكلات التعليم العديدة والمديدة مشكلة جديدة مع بداية فصل الشتاء، بتداعياتها الكثيرة على صحة الطلاب وعلى حسن سير العملية التعليمية!
في ظل هذا الواقع المؤسف من الحرمان يخرج عضو المكتب التنفيذي لقطاع التربية نديم دحدل بتصريح عبر صحيفة الوطن يؤكد فيه «أنه تم الانتهاء من توزيع الدفعة الأولى من المازوت بواقع 400 ألف ليتر لـ420 مدرسة في العاصمة دمشق».
فهل تكفي هذه الكمية من المخصصات الموزعة لتدفئة الطلاب البالغ عددهم في الشعبة الصفية الواحدة ما يقارب الـ 50 طالباً، وهم يعانون برد الشتاء داخل شعبهم الصفية خلال دوامهم المدرسي، الذي يبدأ من الساعة 7,30 صباحاً وحتى الواحدة ظهراً؟
فمخصصات المدرسة الواحدة استناداً إلى الأرقام أعلاه بلغت 952 ليتراً تقريباً من كامل الدفعة الموزعة، وفي حال قسمنا هذه الحصة على أيام الشتاء المتبقية، والتي تعادل 60 يوماً، وبحال أن المدرسة فيها 20 غرفة صفية فقط، مع استبعاد غرف الإداريين (غرفة المعلمين والموجهين والمخبر والمكتبة والإدارة طبعاً) تغدو حصة الشعبة الصفية باليوم أقل من لتر واحد، ما يعادل 0,79 لتر، وهي كمية غير كافية لنشر الدفء بالشعبة الصفية خلال حصة درسية واحدة، فماذا عن بقية الحصص الدرسية؟!
وهل هذه هي البيئة والأجواء المناسبة للعملية التعليمية والاستيعاب المطلوب من الطلاب؟!
ومن المسؤول عن هذا الخلل المزمن الذي يتم تناسيه وتغييبه، حتى خلال العمليات الامتحانية؟؟

شتاء قارس وحكومة باردة!

أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية بدء التسجيل على مازوت التدفئة لفصل الشتاء الحالي ابتداء من1 أيلول.
وبحسب بيان للوزارة نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) في 31 آب: سيبدأ التسجيل غداً على كمية تبلغ 50 ليتراً كدفعة أولى فقط لكل عائلة، دون أن تعلن كمية الدفعات المخصصة لموسم الشتاء المقبل!
وأضاف البيان أن أولوية التسليم بعد التسجيل ستكون للعائلات التي لم تحصل على مخصصاتها خلال الموسم الماضي، ويحدد ذلك بناء على آخر عملية شراء سابقة لمادة مازوت التدفئة.
وعندها وعدت الحكومة بأن عمليات التوزيع ستستكمل مع نهاية عام 2023، إلا أن أياً من ذلك لم يحدث، والدليل ما صرح به عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات بدمشق قيس رمضان لصحفية الوطن الأسبوع الماضي بقوله «إن نسبة توزيع الدفعة الأولى من مازوت التدفئة وصلت إلى56%، علماً أن عدد البطاقات الذكية في العاصمة يصل إلى 550 ألف بطاقة»!
أي إن نصف العائلات لم تستلم مخصصاتها من الدفعة الأولى برغم محدوديتها، ما يعني سقوط الوعود الحكومية أعلاه وتهاويها، وستقضي هذه العائلات شتائها تعاني البرد والصقيع نتيجة الإهمال والتقاعس الحكومي المتعمد!
كما وبين رمضان أن هناك متابعة لاستكمال توزيع المادة، مع ورود كميات منها من خارج الخطة، على أن يذهب أي وفر محقق من المادة لغاية التدفئة، ليصار إلى استكمال التوزيع خلال الفترة القادمة قبل انتهاء الموسم!
فإذا كانت الفترة من بداية أيلول 2023 وحتى مطلع العام الحالي، أي 4 أشهر، لم يتم خلالها استكمال التوزيع إلا لنسبة 56% من المستحقين، فهل ستتمكن شركة محروقات من استكمال توزيع الدفعة الأولى قبل انتهاء الموسم بحسب التصريح أعلاه، وماذا عن الدفعة الثانية بعد ذلك؟
وربما الميزة التي تسجل لمصلحة المدارس بهذا الصدد أن مخصصاتها من الدفعة الأولى تم استكمال توزيعها، بحسب التصريح أعلاه، أو على الأقل جرى ذلك على مستوى مدارس العاصمة فقط!
لكن مما لا شك فيه أن هذه الميزة غير كافية لنشر الدفء في الشعب الصفية؟!

تقاعس مزمن!

الواجب ذكره هنا أنه خلال فصل الشتاء الماضي، تأخرت شركة المحروقات في توزيع المخصصات من مازوت التدفئة على مناطق واسعة في المحافظات السورية، وخاصة المناطق الباردة، مما اضطر الأهالي إلى شراء المازوت من السوق السوداء بأسعار استغلالية مضاعفة مرات!
وهذا ما أكدته التصريحات الحكومية حيث أكد وزير النفط فراس قدور في مقابلة بثت على القناة السورية الرسمية، في 17 من آب 2023، أن نسبة توزيع مازوت التدفئة للموسم الماضي كانت 91%، فيما كان النقص في محافظتي دمشق وريف دمشق لأسباب لوجستية!
التصريح أعلاه، وبغض النظر عن الذرائع اللوجستية، يؤكد أن الدفعة الأولى من مازوت التدفئة لم يتم استكمال توزيعها على جميع المستحقين، ومع استمرار آليات التوزيع المتبعة على حالها، وفي ظل نسب التوزيع المحققة حتى تاريخه، يُشك أن شركة محروقات ستستكمل مهمتها بتوزيع مخصصات الدفعة الأولى لهذا الموسم الشتائي، ما يعني من كل بد خسارة الدفعة الثانية، التي لم يعد أحد من المسؤولين يذكرها!
أي إن سيناريو العام الماضي سيتكرر هذا العام، ولتدخل الوعود الخلبية والتصريحات الحكومية بهذا الصدد حيز زراعة الأوهام مجدداً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1156