مخرجات ملتقى الحوار الاقتصادي أُجهضت قبل أن تولد!

مخرجات ملتقى الحوار الاقتصادي أُجهضت قبل أن تولد!

أقيم بتاريخ 21/12/2023 ملتقى الحوار الاقتصادي السوري الخامس، تحت عنوان: «الصناعات الغذائية طريق النهوض بالزراعة والاقتصاد»!

جرى الملتقى برعاية رئيس الحكومة، وبحضور وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية والزراعة والصناعة ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وغيرهم من المسؤولين على المستوى الرسمي، وقد كان بتنظيم مجموعة دلتا للاقتصاد والأعمال، بالتعاون مع اتحاد غرف الصناعة السورية.
وقد تناول المتحدثون في الملتقى من الفعاليات الاقتصادية الصناعية العديد من القضايا والصعوبات التي تعترض عملهم، وخاصة على مستوى مستلزمات الإنتاج وعمليات استيراد بعضها الضروري بأسعار مرتفعة، أو عمليات تصدير منتجاتها مع تراجع تنافسيتها لارتفاع تكاليفها، وارتباط كل ذلك بالقطع الأجنبي وبآليات التمويل، وكذلك ارتباطاً بالقدرة الشرائية للمواطنين وانخفاض معدلات استهلاكهم، بالإضافة إلى الإشارة إلى المواد المهربة، مع الإسهاب في بعضها، مع عرض الكثير من المطالب والتوصيات، والتي بغالبها مكررة ومعادة على مسامع الحكومة!
بالمقابل فقد تحدث الرسميون عن الكثير من «الإنجازات» الحكومية، مع قطع المزيد من الوعود الإضافية للفعاليات الاقتصادية المعنية من الملتقى، بما في ذلك قول رئيس الحكومة «إن الحكومة ستتعامل بكل جدية والتزام مع هذه التوصيات والمخرجات بما يخدم المصلحة الوطنية العليا»!
والسؤال الذي يطرح نفسه أين هي توصيات ومطالب ومقترحات الملتقيات الأربعة الماضية على أقل تقدير؟!

مؤتمرات وتوصيات بمهب الريح!

واقع الحال يقول إن الملتقى الحالي، بنسخته الخامسة، بأعماله وطروحات فعالياته ومطالبهم، برغم أهميتها وضرورتها، لن تكون أفضل حالاً من مخرجات الملتقيات بنسخها الأربعة الماضية، أو أفضل حالاً من مخرجات مؤتمرات الصناعة، أو غيرها من المنتديات واللقاءات التي تجريها الحكومة مع غرف الصناعة، أو اتحادات الزراعة والاتحاد العام لنقابات العمال والاتحاد العام للفلاحين، وغيرها من الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي العام، وخاصة ذات الطبيعة الإنتاجية، والتي تعيد طرح المشكلات والصعوبات التي تعاني منها الصناعة والزراعة (العام والخاص)، والإنتاج عموماً، على مسامع الحكومة مرراً وتكراراً دون جدوى!
فعلى سبيل المثال فقد تم تأجيل انعقاد المؤتمر الصناعي الرابع في دمشق، والذي كان من المقرر أن يتم انعقاده بتاريخ 23/11/2019 تحت عنوان «الإنتاج أولاً»، وذلك حسب ما تم الاتفاق عليه والإعلان عنه خلال اجتماع ضم وزير الصناعة وأعضاء مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها مطلع شهر تشرين الأول من نفس العام. وخبر التأجيل تم تداوله إعلامياً من خلال منشور لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية قي حينه على حسابه الشخصي «فيسبوك»، وذلك بسبب: «عدم تنفيذ معظم مقررات المؤتمر الثالث الذي عقد في حلب منذ عام»!
وللعلم حتى تاريخه لم يعقد المؤتمر الصناعي الرابع، كذلك لم يتم تنفيذ معظم قرارات وتوصيات مؤتمراته السابقة، بالرغم من حضور الحكومة لأعمالها، والوعود المقطوعة من قبلها من أجل تنفيذها!
فكل الملتقيات والمؤتمرات، وخاصة الصناعية والزراعية، تذهب مقرراتها وتوصياتها لتدفن في متاهات الحكومة، تسويفاً ومماطلة وتجاهلاً، مقابل استمرارها بنفس سياساتها التقويضية للإنتاج (الزراعي والصناعي، العام والخاص)، والدليل هو ما وصلنا إليه من تردٍّ على كافة المستويات، على عكس المؤتمرات والملتقيات الاستثمارية التي تترجم مقرراتها وتوصياتها مباشرة، وخاصة لتلك الأنشطة الاستثمارية غير المنتجة وسريعة الربح لمصلحة القلة من كبار أصحاب الأرباح، بل مع التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة من أجل وضعها بالتنفيذ وضمان زيادة أرباحها!

مفارقة تفقأ العين!

تحدث رئيس الحكومة خلال افتتاح الملتقى، بعنوانه العريض أعلاه «الصناعات الغذائية طريق النهوض بالزراعة والاقتصاد»، عن «أهمية قطاع الصناعات الغذائية الذي يشكل أحد أهم أولويات العمل الحكومي لدوره الأساسي في التنمية الاقتصادية، وتوفير متطلبات الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وتصدير الفائض وتشغيل المزيد من اليد العاملة وتوفير القطع الأجنبي، مؤكداً حرص الحكومة على اتخاذ كل الإجراءات والقرارات التي من شأنها تسهيل عمل الفعاليات الاقتصادية وتوسيع نطاق التصنيع الزراعي وتأمين مستلزماته، مشيراً إلى أن الحكومة تتبنى خيار دعم الإنتاج والعملية الإنتاجية وتلتزم باعتماد السياسات الاقتصادية الداعمة للإنتاج لا سيما في القطاعين الزراعي والصناعي»!
على ذلك كان يبدو أن حديث رئيس الحكومة خلال افتتاح الملتقى واعد وجدّي، بل وعميق بما فيه الكفاية بحيث شمل الكثير من المفاصل التي توجب الدعم الحكومي للإنتاج الزراعي والصناعي!
لكن بالمقابل، وللمفارقة بنفس تاريخ عقد الملتقى أعلاه، أصدر المصرف الزراعي التعاوني تعميماً يتضمن زيادة على أسعار الأسمدة (يوريا 46% وسوبر فوسفات 46%) المخصصة لمحصول القمح فقط، ما يعني أن أسعار الأسمدة في السوق ستستعر مجدداً بمزيد من الارتفاعات السعرية التي سيتحملها الفلاحون!
فسماد يوريا 46% كان سعره في المصرف الزراعي بتاريخ 23/11/2023 بمبلغ 8 ملايين ليرة/طن، وأصبح الآن بموجب التعميم الأخير بمبلغ 8,900,000 ليرة/طن، أي بزيادة 900 ألف ليرة/طن بأقل من شهر، وبنسبة زيادة 10% تقريباً، علماً أن سعره في بداية العام كان 3 ملايين ليرة/طن، ما يعني أن نسبة الزيادة على هذا النوع من السماد منذ بداية العام وحتى الآن بلغت بحدود 197%، مع العلم أن سعره في السوق أعلى من ذلك!
وكأن لسان حال السياسات الحكومية يقول «يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب»!
فقرار زيادة أسعار الأسمدة، كغيرها من الزيادات السعرية الرسمية التي تطرأ على مستلزمات الإنتاج الزراعي، كالمشتقات النفطية والطاقة الكهربائية، يمثل عامل ضغط إضافي على الفلاحين، ويؤدي إلى زيادة تكاليف إنتاجهم، ما يعني تأثر الصناعات الغذائية بشكل مباشر أيضاً على مستوى زيادة تكاليفها هي الأخرى!
فتعميم المصرف الزراعي، الذي تضمن زيادة جديدة على أسعار الأسمدة، أجهض سلفاً وبشكل مسبق كل ما طرح من توصيات ومطالب خلال أعمال الملتقى الاقتصادي، وأسقط بالواقع الملموس حديث رئيس الحكومة أعلاه عن القرارات التي من شأنها «تسهيل عمل الفعاليات الاقتصادية وتوسيع نطاق التصنيع الزراعي وتأمين مستلزماته»!
فعن أي دعم للزراعة والصناعات الغذائية يتحدث رئيس الحكومة إذا كانت مستلزمات الإنتاج (الأسمدة- المشتقات النفطية- الكهرباء..) ترتفع أسعارها رسمياً وبشكل متتابع بين الحين والآخر، وبنسب كبيرة؟!
وعن أي دعم للصناعة عموماً يتم الحديث وواقع أسعار مدخلاتها تتزايد، وصعوبات العملية الإنتاجية والتسويقية فيها تتعمق وتتوسع؟!
فالأولوية بالنسبة للحكومة، وبحسب سياساتها التنفيذية، تقول إنه لا ضمان لما في جعبتها من آليات إجهاض إضافية تستكمل تقويض الإنتاج، فهذا هو نهجها وتلك هي سياستها!
فهوى السياسات الحكومية، والشرائح المستفيدة منها من كبار أصحاب الأرباح، يتعارض مع كل ما هو منتج في البلاد، مقابل المزيد من عمليات الاستيراد التي تضمن المزيد من الأرباح في جيوب هؤلاء، على حساب انحسار الإنتاج وزيادة الإفقار وتراجع معدلات الاستهلاك، وعلى حساب الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1154