«بابا نويل» الحطب.. جديد سياسات الاستيراد لينعم الشعب بالدفء!

«بابا نويل» الحطب.. جديد سياسات الاستيراد لينعم الشعب بالدفء!

تزامناً مع قدوم فصل الشتاء، ونتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية القاهرة التي يعاني منها السوريون، ومع قلة مصادر التدفئة المتاحة، خاصة بعد قرارات الحكومة تنفيذاً لسياسات تخفيض الدعم الجائرة التي قلصت كميات مازوت التدفئة لما يعادل 50 ليتراً لكل عائلة كدفعة أولى، والتي إلى الآن لم يستكمل توزيعها، إضافة إلى ارتفاع أسعار المازوت في السوق السوداء ليتجاوز 16 ألف ليرة لليتر الواحد، بات الحطب أحد خيارات السوريين للتدفئة، رغم ارتفاع فاتورة التدفئة بالحطب هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة!

في خضم هذه المعاناة يأتي قرار مجلس الوزراء بالموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية بالسماح باستيراد كمية 10 آلاف طن من حطب التدفئة الجاف منزوع القلف شريطة التأكد من خلوها من الآفات الحجرية. وتكليف وزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية (مديرية الجمارك العامة) ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ومصرف سورية المركزي للتنسيق المشترك لتحديد البند الجمركي الذي سيتم استيراد الأحطاب أعلاه عليه، ووضع الآلية اللازمة لذلك تمهيداً لإصدار القرار اللازم!
من الواضح أن كمية الحطب التي سمح باستيرادها الآن تعتبر ضئيلة، وهي على ذلك ستكون محصورة بأحد كبار المحظيين من المستوردين، بحيث يبدو أنه «بابا نويل» الحطب المستورد مع نهاية العام الحالي!

فرصة تربح جديدة!

بعد سد إمكانية التدفئة بالمازوت وفقاً لما ورد أعلاه كمصدر رئيسي لدرء برد الشتاء، ومع عدم جدوى الكهرباء التي باتت لا تكفي لشحن بطاريات الإنارة، فساعات القطع تجاوزت الـ9 ساعات في الكثير من المناطق، وبعد استنفاد إمكانية الاستعانة بالغاز لهذه الغاية أيضاً بسبب سياسات تخفيض الدعم وتقليص مخصصات الأسر، وبعد ارتفاع سعر الحطب كمصدر للتدفئة، يبدو أن أطماع أصحاب الأرباح تحركت لاستغلال حاجة المواطنين لهذا المصدر، ودخل الحطب على سلع الاستيراد كمادة استهلاكية تحقق المزيد من الأرباح في جيوب بعض المحظيين من كبار المستوردين!
ففي مثل هذه الفترة من العام الماضي لم يتجاوز سعر طن الحطب المليون ليرة سورية، في حين يتجاوز اليوم أربعة ملايين ليرة لبعض أنواعه، أي نسبة الزيادة عادلت 400٪، ما يعني أنه أصبح سلعة استهلاكية ضرورية ارتفعت معدلات استهلاكها، وهي فرصة لفرض المزيد من التحكم والسيطرة عليها من قبل بعض كبار الحيتان بالبلد، كحال كل المواد والسلع الأساسية المتحكم بها كماً وسعراً ونوعاً، سواء عبر الأسواق النظامية أو الأسواق السوداء!

ذرائع ومبررات!

قرار رئيس مجلس الوزراء بالموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية جاء بناءً على طلب وزارة الزراعة لتوفير الحطب المستورد في السوق المحلية والحد من استنزاف الحراج والتعدي عليه والحفاظ على الغابات الوطنية، ووفق قوانين الحجر الزراعي، حيث «تعتبر الفاتورة البيئية المدفوعة في حال قطع الأشجار أكبر من فاتورة استيراد حطب التدفئة»، بحسب ما قيل!
وحسب ما نشرته صحيفة تشرين عن لسان المدير العام للحراج في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي علي ثابت يوم الخميس الفائت «إن موافقة رئاسة مجلس الوزراء على استيراد 10 آلاف طن من حطب التدفئة جاءت بعد ملاحظة الحجم الكبير للتعديات على الثروة الحراجية، مع وجود مقترح للسماح باستيراد الفحم الطبيعي والمُصنّع”!
وحسب المدير العام للحراج فقد أرجع القرار لعدة أسباب منها تخفيف الاستنزاف الحاصل على الحراج وحمايتها بشكل رئيسي، وإيجاد مصدر بديل للحطب المستخدم لغرض التدفئة وفق شروط معينة، أبرزها أن يكون قطر الحطب أقل من سبع سنتمترات ومنزوع القلف_ القشرة الخارجية للجذع_ وذلك للتخفيف من احتمالية وجود الأمراض، لأن القلف يصاب وينقل الأمراض!
أما اللافت هنا فهو صحوة الحكومة المتأخرة بعد أن أصبحت حراجنا جرداء قاحلة نتيجة عمليات التحطيب الجائرة، وبعد أن أصبحت تجارة الحطب تجارة مربحة لها شبكاتها وحيتانها وداعموها من بعض الفاسدين والنافذين، وكل ذلك على مرأى من الجهات المعنية ومسمعها طيلة السنين الماضية وحتى الآن، علماً أن النسبة الأكبر من تجارة الحطب هي عمل غير منظم ولا يخضع للرقابة ولا للتسعير!
فهل هذا تبرير لقرار الاستيراد، أم اعتراف صريح بالكارثة التي وصلنا إليها بعد أن تحوّل التحطيب من غاية تدفئة منزلية محدودة ليصبح تجارة ربحية تديرها شبكات حيتان وناهبين، أغلب الظن أنهم وراء قرار الاستيراد هذا، فجيوبهم وجيوب داعميهم لم تملأ بعد على ما يبدو!

آليات عمل مستقبلية لضمان استمرار الأرباح!

وفق ما جاء بالموافقة الحكومية أعلاه «تكليف وزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية (مديرية الجمارك العامة) ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ومصرف سورية المركزي للتنسيق المشترك لتحديد البند الجمركي الذي سيتم استيراد الأحطاب أعلاه عليه، ووضع الآلية اللازمة لذلك تمهيداً لإصدار القرار اللازم”!
العبارة والتكليف أعلاه تؤكد أن الحطب لم يكن في يوم من الأيام من المواد المستوردة سابقاً، فلا بند جمركياً له، ما يعني أن احتياجاتنا المحلية من هذه المادة كانت محدودة وتتم تغطيتها مما هو متاح ومتوفر منها، سواء من خلال آليات عمل وزارة الزراعة والجهات المسؤولة عن الحراج، أو من خلال شبكات السوق السوداء، التي استعر نشاطها وصولاً إلى التحطيب الجائر بغاية تحقيق أكبر ربح، وخاصة خلال السنوات الماضية، على حساب الحراج والغابات والبيئة والمصلحة الوطنية، بكل أسف!
فمن يحتاج الحطب للتدفئة خلال الموسم الشتوي الحالي سبق أن أمن الكميات اللازمة منه لهذه الغاية، وهذا ربما يبرر انخفاض الكمية التي سمح باستيرادها الآن!
لكن الموافقة الحكومية على فتح باب استيراد الحطب بالكمية المحدودة أعلاه حالياً هي بوابة لاستمرار عمليات الاستيراد خلال الفترات القادمة، وبكميات يتم تحديدها مع كل قرار جديد لاحق، كآلية بدأت وسيتم وضع أساسات استمرارها، بما يحقق مصالح حيتان الاستيراد!
فإذا كانت كمية 10 آلاف طن محدودة بحيث بالكاد يستفيد من استيرادها وهوامش أرباحها بابا نويل واحد من كبار المحظيين حالياً، فإن البوابة ستفتح ليدخل إليها «بابا نويلات» جدد من المحظيين بدون أدنى شك خلال السنوات القادمة، طبعاً مع عدم اليقين أن ذلك سيمنع أو يحد من أنشطة شبكات التحطيب الجائر والتعدي على ما تبقى من حراج وغابات، ولتصبح بالتالي خسارتنا مضاعفة!

توقعات وتساؤلات!

من المتوقع أنه بمجرد البدء بتطبيق قرار الاستيراد سيرتفع سعر طن الحطب في السوق المحلي أكثر مما هو عليه الآن!
فكمية 10 آلاف طن حطب مستورد لن تحقق ذاك الفرق الملموس في السوق المحلي لتسد جزءاً من احتياجات التدفئة المتزايدة، وبالتالي فلن يكون سعر الحطب المستورد أقل من سعره الحالي في السوق، بل سيكون مبرراً لزيادة السعر، وهو ما بدأ تسجيله عملياً قبل صدور القرار وحيثياته!
فشبكات التحطيب لن ينخفض عملها، ما يعني أن غاباتنا وحراجنا ستبقى عرضة للاستنزاف عبر عمليات التحطيب الجائر، ولن تقل نسبة أرباحها فكمية الحطب المستوردة الآن لن تؤثر على حركة السوق، وربما ما سيتم هو تزاوج مصالح شبكات التحطيب الجائر مع حيتان الاستيراد لاحقاً، إن لم تكن هذه العملية قد تمت سلفاً وتوجت بالموافقة الحكومية أعلاه!
والنتيجة هي مزيد من عوامل استغلال المواطنين والاستنزاف لاقتصاد البلد، على سلعة جديدة سيتم استكمال التحكم بها والسيطرة عليها!
أما الأسئلة واجبة الطرح، مع الآلية التنفيذية التي سيتم وضعها لاستيراد الحطب من الآن فصاعداً، طالما بقي مازوت التدفئة على حاله من إجراءات تخفيض الدعم نحو إنهائه، وطالما بقي وضع الكهرباء على حاله من التردي، فهي كثيرة
هل عمليات استيراد الحطب لا تحتاج للقطع الأجنبي الذي طنبت الحكومة مسامعنا بضرورة الترشيد به، وخاصة على الأساسيات مثل المشتقات النفطية والسكر والرز و..؟!
وهل استيراد الحطب بغاية التدفئة، وترك المواطنين تحت رحمة المستوردين، أقل تكلفة من استيراد مازوت التدفئة؟
وهل استيراد الحطب أقل تكلفة من استيراد المشتقات النفطية لتشغيل محطات التوليد (غاز- فيول)، سواء كان ذلك بغاية التدفئة، أو بغاية تأمين كل احتياجات الفعاليات الاقتصادية في البلاد؟!
أم إن مصالح حيتان التحطيب وشبكاتها العاملة، ومصالح المحظيين الجدد من مستوردي الحطب كمادة استهلاكية جديدة، أهم من مصلحة المواطنين ومن المصالح الاقتصادية والمصلحة الوطنية؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1154