مشاهدات بوكمالية مؤلمة!
أكثر ما يلفت النظر خلال جولة في مدينة البوكمال، هي المشاهدات المؤلمة لخراب البيوت المتسع، ودمار الشوارع المعمم!
وفوق ذلك هناك أدوار رسمية مفقودة على مستوى الخدمات العامة، والمؤسف أن هناك أدواراً كرست ما فرضته «داعش الإرهابية» من تخريب متعمد خلال فترة سيطرتها على المدينة!
الساحة العامة ضحية!
على سبيل المثال: الساحة العامة التي تعتبر متنفس المدينة ورئتها، ومعلماً من أهم معالم المدينة وأجملها، كانت فيها بحرة الماء المحاطة بعشرات أشجار النخيل، وكانت تعكس منظراً خلاباً، وخاصة عندما تتدلي منها «عثوقها» المحملة بالبلح!
وقد قام تنظيم «داعش» باقتلاع هذه الأشجار، والتي عمرها أكثر من خمسين سنة، ليحولها إلى سوق خضار ولحوم وفواكه وسوق سمك!
ومع الأسف، فقد حافظت البلدية على هذا الخراب، بدلاً من مساعي إعادة الساحة لسابق عهدها وألقها وجمالها!
فمع أهمية الحفاظ على مصادر رزق البعض، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يتم إيجاد مكان آخر لمزاولة عمليات البيع والشراء، وإعادة تأهيل الساحة ببحرتها وبأشجار نخيلها!
القهوة ومساعي طمس التراث!
المثال التخريبي الآخر على أيدي «داعش» كان بتحويل «قهوة البلدية» والتي ناهز عمرها على المئة عام، والمطلة على الساحة العامة، إلى محلات بغية الاستفادة من عائدات تأجيرها!
والمؤسف هنا أيضاً، أن البلدية حافظت على ذلك كاستثمار يعود بالنفع عليها!
مع العلم أن لهذا المقهى تاريخ عريق في المدينة!
فكم من الندوات السياسية والثقافية والاجتماعية التي عقدت بها، وكم من رجالات الفكر والعلم والسياسة ارتادوها، سواء كانوا من أبناء المدينة، أو المحافظة أو من غيرها على مستوى البلاد، بل ومن خارج البلاد أيضاً، لكن مع الأسف تم طمس هذا التاريخ على يد «داعش»، وكرسته البلدية بدلاً من مساعي إعادة إحياء هذا التراث والتاريخ للمدينة!
خدمات متردية!
أوجه معاناة أهالي البوكمال كثيرة، وخاصة على مستوى الخدمات المتردية والمتراجعة فيها، دون بصيص أمل من أجل تحسينها، ويمكن تلخيص بعضها بالتالي:
رغم أن البوكمال تقع على نهر الفرات لكن العطش سيد الموقف فيها، عدا عن ذلك، فإن مياه الشرب الواصلة إلى المواطنين ملوثة وغير مصفاة على الشكل الأمثل! فقد أكد العديد من المواطنين شكواهم من المعاناة مع التهابات المجاري البولية، وخاصة لدى الأطفال، وهناك الكثير من المطالبات الأهلية بشأن تحسين واقع مياه الشرب، إلا أن ذلك دون جدوى!
أما عن الوضع الكهربائي في المدينة فهو كارثي، فعلى الرغم أن الوضع الكهربائي متردٍ عموماً على مستوى القطر، لكن في البوكمال مختلف بالمقارنة مع غيرها من المدن، فساعات التقنين طويلة وعشوائية، وفترات الوصل محدودة جداً ومتقطعة، ولا يعرف المواطن متى يبدأ القطع ومتى يحين موعد الوصل!
الخدمات الصحية العامة في المدينة شبه معدومة، فالمشافي الخاصة تصول وتجول في جيوب المواطنين، مقابل ذلك، تسجل وزارة الصحة عجزها عن تأهيل ولو الطابق السفلى من مشفى الباسل الحكومي لتنقذ المواطنين من جشع الاتجار والاستثمار بصحتهم!
في مدينة وصل عدد سكانها ما يزيد عن مائة وخمسين ألف نسمة، مع القرى العديدة المحيطة بها، فإن صلة الوصل بينها وبين القرى الواقعة على الضفة اليسرى للنهر هو الجسر الوحيد فيها، والذي دمر جزء منه وما يزال بلا فائدة منه، وكأن المعنيين من الرسميين على مستوى المحافظة لا يعرفون، أو لا يدركون أهمية هذا الجسر بالنسبة للمدينة وحركتها الاجتماعية والاقتصادية!
رغم أن المسافة بين البوكمال ومركز المحافظة 125 كم، إلا أنك تحتاج لخمس ساعات للوصول إلى دير الزور لكثرة الحواجز، فما بين الحاجز والحاجز حاجز كما يقال!
جملة المشاهدات المؤلمة أعلاه، والوقائع الملموسة على مستوى التردي الخدمي، وغيرها الكثير من السلبيات التي تنعكس على حياة الناس اليومية في المدينة، معروفة ومدركة من قبل المعنيين والمسؤولين عن المدينة، وكذلك من قبل الحكومة بوزاراتها المختلفة، ومع ذلك فإن الإهمال مستمر بكل صلف واستهتار، بالرغم من كثرة المطالبات وتكرارها، بما في ذلك مساعي تسليط الأضواء عليها عبر وسائل الإعلام!
فإلى متى ستبقى البوكمال خارج التغطية الحكومية بهذا الشكل الفج؟!
سؤال لم يعد نافع لتوجيهه إلى البلدية أو المحافظة، بل يجب توجيهه إلى الحكومة بكل وزاراتها المعنية لتتحمل مسؤولياتها وواجباتها، أو الحد الأدنى منها على أقل تقدير بدلاً من لا مبالاتها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153