جامعة حلب.. نزف في الكوادر ومزيد من التراجع!
تدفع جامعة حلب، كما باقي الجامعات السوريّة، ثمن الأزمة اليوم نقصاً هائلاً في الكوادر التدريسيّة انعكس جليّاً على جودة العمليّة التعليميّة فيها، وعلى ترتيبها بعد أن باتت تتذيّل الترتيب العالميّ تقريباً، ومردّ ذلك إلى أسبابٍ عديدة، لعلّ أهمّها السياسات الأجرية المتّبعة، والمراسيم التشريعيّة والقرارات التي تستنزف الكوادر التدريسيّة!
ولا يمكن القول إنّ هذه المشكلات بصورة عامّة هي وليدة مرحلةٍ آنيّةٍ، بل هي وليدة مرحلةٍ مستمرّة منذ عقود، وخاصة خلال سني الأزمة، إلا أنّها في الأعوام القليلة الماضية بدأت تأخذ منحى متصاعداً يتمثل في نزيفٍ مضطردٍ للكوادر التدريسيّة المؤهّلة في جامعة حلب، في ظلّ العجز عن سدّ هذه الشواغر بما يضمن استمراريّة التعليم في الحدّ الأدنى، وإن كان لا يلبي الجودة التعليميّة المرجوّة!
فأحد الأسباب الرئيسيّة لهذا النزيف هو تدهور الوضع الاقتصاديّ بشكلٍ عام، والسياسات الأجريّة غير الدستوريّة بشكلٍ خاص، ودعمها بمراسيم تشريعيّةٍ وقرارات مجالس تعليم عالٍ تعترف بفداحة هذا النزيف، وتصرّ على المضي في السياسات المتبعة، وتُمعن في استنزاف الكوادر التدريسيّة، لتتهرب من الأسباب الحقيقيّة وإمكانات حلّها بشكلٍ نهائي بحلولٍ ترقيعيّة تزيد من عمق المشكلة!
إذ اضطر العديد من الأساتذة الجامعيين من أعضاء الهيئة التدريسيّة والفنيّة لتقديم استقالاتهم أو ترك أماكن عملهم ومغادرة البلاد بحثاً عن فرصٍ أفضل لعملهم الأكاديميّ في الخارج، أما من بقي فيها فقد ذهب باتجاه العمل في القطاع التعليميّ الخاص وفق نظام الإعارة، أو بأسوأ الأحوال كعمل إضافيٍّ لساعات عملهم في الجامعات الحكوميّة، وذلك نظراً لاختلاف الأجور الكبير بين الحكوميّ والخاصّ، مع مفارقة بأنّ غالبية الكادر التدريسيّ في الجامعات الخاصّة هم من كادر الجامعات الحكوميّة، الأمر الذي يعني دفع الكادر وبشكلٍ واضحٍ خارج القطاع الجامعيّ الحكوميّ وإضعافه، مقابل المزيد من التسهيلات لنظيره في الخاصّ، بغض النظر عن مستوى ما يقدمه من علم، وما يكسبه طلابه من معارف وخبراتٍ علميّة وعمليّة!
ومع رفع سن التقاعد، وإلزام أعضاء الهيئة التدريسيّة والفنيّة بخدمة وقدرها 25 سنة كحد أدنى ليتم قبول استقالتهم من العمل، والكثير من القرارات الوزاريّة التي تُمعن في التضييق عليهم في ظل هذه الظروف، إلا أنّ النزيف مازال مستمراً تحت مسمى ترك العمل بحكم المستقيل، والمجازفة بسنوات الخدمة ومالهم من تعويضات، فضلاً عن الملاحقة القانونيّة، ما عمّق الهوّة بين الحاجة والمتوفر من الكوادر- مع التذكير بوجود الكثير من حملة الدرجات العلميّة العُليا محسوبين على طوابير البطالة والتهميش رغماً عنهم- والذي بدوره انعكس سلباً على سير العمليّة التعليميّة في الجامعة وتصنيفها، والذي يعد نسبة الكادر التدريسيّ إلى عدد الطلاب وجودة التعليم ومستوى أعضاء الهيئة التدريسيّة أحد أهمّ معايير التصنيف للجامعات عالمياً!
وللتذكير فجامعة حلب هي ثاني جامعة يتم تأسيسها في سورية بعد جامعة دمشق، وكانت تعتبر من المؤسسات العلمية الرائدة والمرموقة على مستوى الجامعات العربية والعالمية، وما زالت تستقطب عشرات الآلاف من الطلاب سنوياً في كلياتها وفروعها ومعاهدها، ومن المؤسف أن تصل إلى ما وصلت إليه من تراجع وترهل!
فهذا الواقع سيستمر في الانحدار والترهل أكثر فأكثر، حتى يتمّ إنهاء كامل السياسات الليبراليّة المتوحشة المتبعة، الساعية نحو إنهاء دور الدولة الاجتماعي في القطاع الجامعيّ الحكوميّ أو خصخصته!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153