الحكومة تستكمل مهمة تفلّت وارتفاع الأسعار بتفريغ الأسواق!

الحكومة تستكمل مهمة تفلّت وارتفاع الأسعار بتفريغ الأسواق!

تصدر اللجنة الاقتصادية بين الحين والآخر توصياتها المجيرة فقط لمصلحة كبار حيتان أصحاب الأرباح، والتي تحوز على موافقة الحكومة طبعاً، غير آبهة بانعكاساتها السلبية على الغالبية المفقرة واحتياجات السوق والإنتاج والاقتصاد الوطني!

فقد أصدرت اللجنة الاقتصادية عدداً من التوصيات مؤخراً تحت عنوان «مراجعة السياسة التصديرية وتقييمها» وحازت على موافقة رئيس مجلس الوزراء وهي،
-السماح بتصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي طوال العام باستثناء فترة التكاثر الممتدة من (1/12 ولغاية 31/3) من كل عام وذلك وفق الشروط الصحية والفنية المحددة من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
-السماح بتصدير المواد التالية: المعكرونة والشعيرية والبقوليات.
-السماح بتصدير مادة زيت الزيتون المفلترة والمعبأة بعبوات لا تزيد على حجم (5) ليترات أو كغ، وبكمية لا تزيد على /5000/ طن.

انخفاض معدلات الاستهلاك!

باتت اللحوم الحمراء كماليات ترفية بالنسبة للغالبية المفقرة من السوريين، إن لم تنقرض عن موائد الشريحة الأكبر منهم بسبب أسعارها اللاهبة بالمقارنة مع القدرة الشرائية المتدنية بسبب سياسة الأجور المجحفة والظالمة!
فلا يقل سعر كيلوغرام لحم الخروف عن 160 ألف ليرة لـ 200 ألف، أي راتب الموظف الشهري، ولحم البقر عن 100 ألف ليرة وبتصاعد، بل وحتى لحوم الدجاج صارت صعبة المنال بأسعارها المرتفعة!
فجميع المؤشرات تقول إن معدلات استهلاك اللحوم بكافة أنواعها بانخفاض مستمر وصولاً إلى حدود شبه صفرية، والأكثر من ذلك الإغلاقات المتزايدة لمحال بيع اللحوم، ليس بسبب تراجع معدلات الاستهلاك فقط، بل وبسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي يتسبب بفساد اللحوم في المحلات أيضاً!
فبدلاً من تعزيز القدرة الشرائية والسعي إلى تخفيض الأسعار من خلال تأمين مستلزمات المربين، من أعلاف وأدوية بأسعار معقولة، يتم تفريغ السوق مما تبقى فيه من لحوم أيضاً بذريعة الفائض وعوائد التصدير!
فهل لدينا فائض حقيقة من اللحوم، أم إن مصالح البعض من أصحاب الأرباح أهم من مصالح المربين والمستهلكين، بل وأهم من استمرار الإنتاج الحيواني نفسه!

قطعان الأغنام إما للتهريب أو للتصدير والاحتياج المحلي بخبر كان!

واقع الحال يقول إن تهريب الأغنام لم ينقطع بغض النظر عن موافقات التصدير الرسمية، وهذا ما سبق أن أكده رئيس لجنة مربي ومصدري الأغنام في اتحاد غرف الزراعة معتز السواح في حديث منقول عبر صحيفة الوطن خلال شهر أيار الماضي بقوله: «إن معدل التهريب من الأغنام يتجاوز 20 ألف رأس يومياً لأن تصدير الأغنام ممنوع، مطالباً وزارتي الاقتصاد والزراعة بالسماح بتصدير ذكور الماعز والأغنام بما لا يؤثر في حاجة السوق المحلية، مقدراً أنه يمكن تصدير 200 ألف رأس من دون أن يتأثر السوق المحلية، مما يحقق عائدات جيدة من القطع الأجنبي ويؤمن دخلاً جيداً للمربي يسهم في تحسين قدرته على الاستمرار في التربية».
على النقيض من ذلك فقد سبق خلال شهر أيار الماضي أيضاً أن نقل عن مصدر في وزارة الزراعة قوله: «إن قطيع الأغنام تعرض لحالة استنزاف خلال السنوات الماضية تبعاً لجملة من الأسباب أهمها تدهور المراعي ونقص كميات الأعلاف، وأنه وفق التقديرات الأخيرة لعدد قطيع الثروة الحيوانية يقترب العدد الإجمالي من 16 مليون رأس».
على ذلك فإن قرار السماح بتصدير الأغنام والماعز طيلة أشهر العام باستثناء فترة التكاثر، بالتوازي مع استمرار علميات التهريب الكبيرة وفي ظل واقع القطيع المستنزف، سيكون كارثياً على المدى القريب والبعيد!
فالتصدير نابع من قلة لا من وفرة، وسيحمل تأثيرات سلبية على ما تبقى من القطعان وعلى قطاع المنتجات الحيوانية أيضاً، وكذلك على الأسواق ومعدلات الاستهلاك المحلي!
فإثر الموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية بالسماح بتصدير الأغنام والماعز صرّح عبد الرزاق حبزة أمين سر جمعية حماية المستهلك لصحيفة الوطن إلى أن «هناك العديد من المطالب التي تؤكد شح أغنام العواس، والسماح بالتصدير سوف يكون له انعكاس سيئ على الأسواق مبيناً أن أي قرار له تأثير طردي على الأسواق ونقص في المادة بالأسواق وارتفاع سعرها».
فبدلاً من انتهاج سياسات تعويضية عن الخسائر المتزايدة في قطعان الثروة الحيوانية عبر أدوات الدعم الجدي، وخاصة الأعلاف والأدوية، وبما يحقق ضمان تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي منها بأسعار مقبولة ترفع من معدلات استهلاكها، يتم الاستمرار بسياسات قضم الدعم وإنهائه مع سياسات الإفقار المعمم، مع غض الطرف عن عمليات التهريب المستمرة، وتتويجاً بالسماح بالتصدير غالبية أشهر العام!
ولن يقف الأمر عند التضحية بما تبقى من قطعان الأغنام وانخفاض معدلات استهلاك اللحوم بسبب استمرار الارتفاعات السعرية عليها، فكل المنتجات الحيوانية (حليب وألبان وأجبان وسمن وزبدة و...) سترتفع أسعارها بالنتيجة، أي المزيد من تراجع معدلات الاستهلاك بالنسبة للغالبية المفقرة!

تجريف الأسواق!

من المعروف أن تصدير أي مادة سينعكس بالتأكيد على أسعارها في السوق ارتفاعاً، وهذا ما سيجري على مستوى المواد التي تم السماح بتصديرها وفقاً لتوصية اللجنة الاقتصادية والموافقة الحكومية عليها، بل بدأنا نلمس التأثيرات السلبية لهذه الموافقة قبل تنفيذها!
فمن حوّل اللحوم الحمراء والبيضاء إلى كماليات ترفيّة بالنسبة للغالبية المفقرة، وجرف قطعان الثروة الحيوانية تهريباً وتصديراً، ورفع أسعار بقية المنتجات الحيوانية، يدفع باتجاه تجريف الأسواق مما تبقى فيها من سلع استهلاك غذائي أيضاً من خلال السماح بتصدير زيت الزيتون والبقوليات، طبعاً مع فتح بوابات تصدير الخضار والفواكه، ومع استمرار عمليات التهريب التي تطال كل السلع الغذائية!
وتعقيباً على ذلك فقد صرح أمين سر جمعية حماية المستهلك لصحيفة الوطن بما يلي: ««إن ما يقال من الجهات الحكومية بأن عمليات التصدير لا علاقة لها بارتفاع أسعار المواد وانسيابية المواد في الأسواق غير صحيح»!
فقد قارب سعر كيلو اللحمة في الأسواق ربع مليون ليرة كما سبق أعلاه، و»بيدون» زيت الزيتون تجاوز المليون ليرة للنوعية الوسط وغير المضمونة، والخضار والفواكه البقوليات وغيرها حدّث ولا حرج بالنسبة لأسعارها ومواصفاتها وكمياتها في الأسواق!
فكيف ستصبح عليه الأسعار في الأسواق مع الاستمرار بذات النهج والسياسات، وماذا سيبقى من منتجات سلعية للاستهلاك الغذائي للمفقرين؟!

قرارات بلا دراسات ولا أرقام!

حتى تاريخه لم يصدر عن الحكومة أية دراسة عن انعكاسات قراراتها بما يخص السياسة التصديرية التي تنتهجها، أو غيرها من السياسات الاقتصادية المجحفة!
فعن أية مراجعة وتقييم يتم الحديث الحكومي أعلاه؟!
فجميع الأرقام التي يتم تداولها تسويقاً وترويجاً لاستمرار السياسات الحكومية الظالمة هي أرقام تقريبية وتقديرية لا يعوّل عليها، ومع ذلك يتم اتخاذ قرارات رسمية تمس المواطن بلقمة عيشه والإنتاج بمدى إمكانية استمراره، والاقتصاد الوطني بمقتل!
فما سبق أعلاه يبين بوضوح أن اللجنة الاقتصادية والحكومة من خلفها، وبذريعة «مراجعة السياسة التصديرية وتقييمها» كعنوان ترويجي عريض عاجز عن تغطية موبقات السياسات الحكومية، مستمرة بتقديم المزيد من فرص التربح السهلة والسريعة لمصلحة البعض المحظي من كبار حيتان الأرباح والفاسدين والناهبين على أطباق من ذهب، ضاربة بعرض الحائط بالثروة الحيوانية وبالإنتاج الزراعي وباحتياجات السوق المحلي وبمعدلات الاستهلاك وبالاقتصاد الوطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1152
آخر تعديل على الإثنين, 11 كانون1/ديسمبر 2023 09:39