تعزيز الإنتاج الوطني.. شعار للتسويق الإعلامي فقط!
في حوار خاص على الفضائية السورية بتاريخ 17/8/2023 تحت عنوان: «تعزيز الإنتاج الوطني لمواجهة الحرب الاقتصادية المفروضة على سورية»، قال معاون وزير الصناعة ما يلي، نملك في القطاع العام 101 شركة، 42 منها تعمل بشكل كامل، و15 منها تعمل بشكل جزئي، مقابل 44 متوقفة!
وعن الشركات المتوقفة قال هناك خياران إما طرحها للاستثمار على مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص، أو طرحها للاستثمار بغير نشاط اقتصادي كلي!
وكذلك قال: «خطتنا اليوم الأمن الغذائي والدوائي والصناعات التي تدعم عملية إعادة الإعمار»!
بجرة قلم يتم التخلي عن 40% من الشركات العامة!
لن نتحدث عن واقع الشركات العامة، العاملة كلاً أو جزءاً، وما تعانيه من صعوبات ومعيقات في عملها، اعتباراً من السياسات الأجرية الطاردة للعمالة فيها، مروراً بتأمين مستلزمات إنتاجها، وليس انتهاءً بتسعير منتجاتها وتسويقها، بالإضافة إلى أوجه الفساد الغارقة فيه، لكن حديث معاون الوزير أعلاه حول الشركات المتوقفة، والتي تشكل نسبة 40% من الشركات العامة بحسب الأرقام الرسمية أعلاه، يسد كل إمكانات الحكومة، والدولة من خلفها، أمام إمكانية إعادة استثمار هذه الشركات من قبلها ولمصلحتها، وبحيث تبدو أن إمكانات القطاع الخاص أكبر من إمكانات الدولة بهذا المجال!
فالخيارات التي طرحها المعاون بما يخص الشركات المتوقفة محصورة بالاستثمار الخاص فقط لا غير، بل مع يأس من بعض الأنشطة التي كانت تعمل بها هذه الشركات، في تخلٍّ رسمي حتى عن هذه الأنشطة أيضاً!
مزيد من التخلي ومصالح المستثمرين أولاً!
لم يخف معاون الوزير أن هذا الشكل من التشاركية لمصلحة المستثمرين من القطاع الخاص على حساب المصلحة العامة، حيث قال: «مشاركة أي شريك للدولة هي نقطة قوة للشريك»!
فحديث المعاون ربما يكون فيه تعارض مع عنوان الحوار حول «تعزيز الإنتاج الوطني»، لكنه منسجم تماماً مع توجهات التخلي المتتابع عن دور الدولة ومهامها، بل وعن ممتلكاتها، لمصلحة القطاع الخاص والخصخصة المعلنة والمبطنة، تحت عناوين الاستثمار والتشاركية!
الأكثر فجاجة في حديث المعاون خلال الحوار كان عندما أشار إلى المحالج العامة، فقد قال: «في الماضي كنا نملك ٢٠ محلجاً، أما الآن لدينا محلجان طاقتهم تغطي كل الإنتاج المحلي للقطن، وبالتالي لدينا منشآت لديها عمالة لكن تعمل بدون مادة أولية، وبالتالي لا نأخذ نتيجة منها، وبالتالي كان لا بد من إعادة هيكلة القطاع العام الاقتصادي الصناعي».
ولا ندري كيف يستقيم حديث الوزير مع عنوان الحوار مجدداً حول تعزيز الإنتاج الوطني وفقاً لإعادة الهيكلة التي يتم الحديث عنها عبر التخلي عن بعض القطاعات المنتجة بكل سهولة؟!
فقد اكتفى الوزير ببقاء محلجين للقطن الآن، بكل رحابة صدر رسمية، ضارباً بعرض الحائط ما كانت تقدمه المحالج على مستوى قطاع الصناعات النسيجية وقطاع صناعة الألبسة، مع تكريس اليأس من تحسن الإنتاج الزراعي على مستوى محصول القطن الإستراتيجي افتراضاً!
بل يبدو من الواضح أنه لا نوايا رسمية لإعادة هذا الإنتاج إلى ألقه وإلى دوره الهام على مستوى الصناعات المرتبطة به، وعلى المستوى الاقتصادي الوطني العام!
فحديث المعاون يؤكد المؤكَّد عن التوجهات الرسمية المعمول بها حول الإنتاج (العام أو الخاص- الزراعي أو الصناعي)، وبأنه خارج الاهتمام الرسمي تماماً، مع فتح البوابات للاستثمار الخاص بالممتلكات العامة وبالقطاع العام المنتج، بغض النظر عن كون منشآته عاملة أم متوقفة كلاً أو جزءاً!
فبحسب حديث المعاون فإن معمل الإسمنت وضع بالاستثمار الخاص، وكذلك معمل السكر، وهي من المعامل غير المتوقفة، وليست أصلاً ضمن خارطة الاستهداف المعلن عنها أعلاه كخيارات في بداية حديثه!
الأمن الغذائي والدوائي بيد أصحاب الأرباح!
وحتى الحديث الرسمي للمعاون عن الأمن الغذائي والدوائي يسقط أمام مفرزات الواقع اليومي بنتيجة السياسات المعمول بها!
فمحصول القمح الذي يعتبر من المحاصيل الإستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي للمواطن يتم التضحية به موسماً بعد آخر، بسبب سياسات تخفيض الدعم الجائرة والمستمرة على مستلزمات إنتاجه، وبسبب سياسات التسعير المطبقة على محصوله، لترتفع مقابل ذلك فاتورة استيراد القمح سنوياً، مع حصاد أرباحها في جيوب القلة الناهبة والفاسدة!
وكذلك الحال مع محصول الشوندر السكري وتراجع إنتاجه عاماً بعد آخر لعزوف الفلاحين عن إنتاجه، وبالتالي توقف بعض معامل السكر عن العمل، والتي لا يقتصر إنتاجها على السكر فقط، بل والخميرة والمولاس وغيرها من المنتجات الأخرى، التي تم التضحية بها بسبب عدم دعم إنتاج محصول الشوندر وصولاً إلى إنهائه، ولدرجة بيع ما تبقى من كميات إنتاج سنوي محدودة كعلف، وأيضاً مقابل ارتفاع فاتورة استيراد هذه المنتجات ليستفيد منها القلة من كبار أصحاب الأرباح!
وقطاع الدواجن، مثال آخر، لا يقل أهمية على مستوى الأمن الغذائي للمواطن، ونحن نرى ونشهد كيف يتم تقويضه وتوجيه الضربات المتتالية إليه للإجهاز عليه، ووفقاً لنفس السياسات وبسبها!
وكذلك نرى ونشهد كيف يتم خلق الصعوبات أمام الصناعات الدوائية المحلية، سواء عبر عمليات تمويل مستلزماتها المستوردة وارتفاع تكاليفها بناء على ذلك، ومن خلال التضييق عليها بالبدائل المستوردة أو المهربة، ومن خلال عمليات التسعير لمنتجاتها، بالإضافة إلى المعاناة من تذبذب سعر الصرف كحال أي نشاط اقتصادي منتج في البلاد!
التسويق المفضوح لموبقات السياسات!
شعار تعزيز الإنتاج الوطني يتم طرحه للتداول الإعلامي فقط لا غير، بينما واقع الحال يقول إن ما جرى ويجري هو الاستمرار في نهج تقويض كل ما هو منتج في البلاد لمصلحة القلة من كبار أصحاب الأرباح فقط لا غير، وهؤلاء غير معنيين بالإنتاج، فبأحسن أحوالهم يستثمرون بالقطاعات ذات الربحية السريعة والمضمونة!
وما يفقأ العين بعد كل ما سبق هو هذا الشكل من التسويق الإعلامي الفج والمفضوح لموبقات السياسات الحكومية ونتائجها الكارثية، التي يتم حصاد سلبياتها على حساب مصلحة العباد والبلاد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1138