قرار حداثي في بيئة تقنية متهالكة!
سوسن عجيب سوسن عجيب

قرار حداثي في بيئة تقنية متهالكة!

صدر عن الحكومة بتاريخ 9/7/2023 القرار رقم 1109 القاضي باستيفاء الرسوم الدراسية لطلاب التعليم العالي للجامعات العامة والخاصة، وكذلك أقساط تسجيل الطلاب لدى المؤسسات التربوية الخاصة، من خلال الحسابات المصرفية حصراً، ويعتبر القرار نافذاً من بداية العام الدراسي /2023-2024/.

فهل تتوفر الإمكانية التقنية لتنفيذ مضمون القرار أعلاه دون معيقات وصعوبات بالنسبة للطلاب وبالنسبة للمصارف؟!

وهل من الجائز قانوناً أن يتم الإلزام بطريقة دفع دون الأخرى، طالما كل طرق الدفع المعمول بها تعتبر قانونية؟

وماذا بشأن العمولات المصرفية التي لم يأت القرار على ذكرها؟!

مسوغات وتفاصيل!

يأتي القرار أعلاه تنفيذاً للتوجهات الحكومية حول تعزيز أدوات وآليات الدفع الإلكتروني وتوسيع استخداماتها، بالإضافة إلى أنه خطوة إضافية لتكريس ثقافة الدفع الإلكتروني والحد من التداول النقدي، وكذلك لضبط الحسابات المصرفية للمؤسسات التعليمية الخاضعة للضريبة على الأرباح!

وفي تفاصيل القرار، تلتزم كل من وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية بما يلي، استيفاء كافة الرسوم الدراسية لطلاب التعليم العالي للجامعات العامة والخاصة من خلال الحساب المصرفي الخاص بالطالب، ويُستثنى من ذلك الطالب الجامعي الذي لم يتم /18/ سنة من عمره- عدم قبول رسوم تسجيل الطلاب لدى الجامعات العامة والخاصة إلا من خلال الحسابات المصرفية حصراً- وجوب قيام كافة المؤسسات التربوية الخاصة (مدارس، معاهد، مخابر،... إلخ) بفتح حساب مصرفي عائد للمؤسسة لدى أحد المصارف العاملة، وذلك في حال عدم امتلاكها حساباً مصرفياً- استيفاء أقساط تسجيل الطلاب لدى المؤسسات التربوية الخاصة من خلال الحسابات المصرفية حصراً- تكلف وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي والتربية بمتابعة سلامة تطبيق هذا القرار كلٌ فيما يخصه.

تساؤل مشروع حول المشروعية القانونية!

من الواضح أن القرار ملزم لجميع الطلاب، حيث تقف عملية تسجيلهم على فتح حساب مصرفي لكل منهم يتم تسديد رسومهم السنوية من خلالها، وإلا فإن عملية تسجيلهم لن تستكمل، وبالتالي يصبح مستقبلهم وطموحهم العلمي رهناً بتنفيذ هذا الإلزام!

والسؤال الكبير على ألسنة غالبية الطلاب يدور حول مشروعية اتخاذ مثل هذا القرار الملزم من الناحية القانونية، وهو سؤال هام وجدي برسم القانونيين؟

فطرق الدفع المتعارف عليها والمعمول بها ما زالت بغالبيتها نقدية مباشرة، وكافة طرق الدفع المعمول بها تعتبر مشروعة ولا يوجد نص قانوني يلزم المواطنين بطريقة دون الأخرى، وبالتالي فإن مسوّغات التحول الإلكتروني في عمليات التسديد لا تبرر اتخاذ قرار بالإلزام بها بهذا الشكل الفج بالنسبة للطلاب، والذي من الممكن أن يشكل صعوبة أو يكون معيقاً أمام استكمال البعض لدراسته الجامعية!

معيقات وصعوبات من المفرق إلى الجملة!

وبعيداً عن الجانب القانوني يبدو القرار حداثياً وإيجابياً بحال توفر البنية التحتية والبيئة التقنية اللازمة لتطبيقه!

فقد أنهى القرار الأعباء التي كانت تتحملها الجامعات والكليات «بالمفرق» في عمليات استلام الرسوم السنوية للطلاب من خلال الصناديق المخصصة لهذه الغاية عبر أمناء ومعتمدي هذه الصناديق في كل منها، ومن ثم تسديدها في الحسابات المصرفية لكل كلية وجامعة حسب الحال، لكنه بآن جيّر هذه الأعباء كاملة «وبالجملة» على المصارف مباشرة!

فالحديث يدور عن فتح حسابات مصرفية لكافة طلاب الجامعات العامة والخاصة في البلاد، وهو عبارة عن رقم مليوني، يضاف إلى هؤلاء أعداد مقاربة من الراغبين بتسجيل أبنائهم في المؤسسات التربوية الخاصة، وكل ذلك خلال فترة التسجيل لأول مرة مع بداية العام الدراسي القادم، والتي بدأت الآن وقد تمتد إلى عدة أشهر قادمة (3 أو 4 أشهر على أبعد تقدير)!

ذلك يعني ضغطاً وازدحاماً بشرياً كبيراً من الطلاب وذويهم على المصارف وفروعها خلال هذا الهامش الزمني الضيق من أجل فتح حسابات مصرفية جديدة تؤمن تنفيذ المطلوب من القرار، بالإضافة إلى الضغط على البنية التحتية والتقنية المتوفرة بكل مصرف، وعلى كادراته وعامليه!

أما المشكلة الأكبر فهي في البنية التحتية العامة المتهالكة، وخاصة الكهرباء وشبكة النت، كمعيق إضافي يستهلك عامل الزمن وجهد الطلاب، انتظاراً وتعباً من أجل تنفيذ أول مهمة، والمتمثلة بفتح الحساب المصرفي لكل منهم من أجل استخدامه لتسديد الرسوم السنوية، مباشرة أو من خلال تطبيقات الدفع الإلكتروني التي تتيحها المصارف!

تعهدات رسمية بتبسيط الإجراءات!

مقابل ذلك هناك تعهدات رسمية من أجل تبسيط الإجراءات والمعاملات، اعتباراً مما ورد على الموقع الحكومي الرسمي بهذا الشأن عند صدور القرار، وليس انتهاء بالمصرف المركزي وبقية المصارف العاملة!

فمدير الدفع الإلكتروني في مصرف سورية المركزي قال عبر الفضائية السورية «إن المركزي سيعمل على تبسيط الإجراءات وتسهيل فتح الحسابات المصرفية كمرحلة أولى من خلال المواقع الإلكترونية أو تطبيقات الهاتف أو المصارف وسيكون هناك وحدات متنقلة متواجدة في الجامعات للمساعدة بذلك وستغذى الحوالات إما من شركة حوالات متعاملة مع المصرف أو المصرف نفسه أو من خلال مؤسسة البريد، مشيراً إلى أن البنية التحتية قادرة على تطبيق هذا القرار ويمكن لأي طالب أو مواطن فتح حساب مصرفي خلال فترة زمنية لا تتجاوز خمس دقائق».

وكذلك صرح مدير عام المصرف العقاري لصحيفة الثورة بأن «المصرف يقوم بفتح حسابات لكل من يرغب إضافة إلى توطين الرواتب وفتح الحسابات والخدمات المصرفية الأخرى بصورة ميسرة وهناك توجيه شديد بهذا الإطار من أجل تبسيط الإجراءات وتسهيل عملية فتح الحسابات التي تشكل قاعدة أساسية لتفعيل الدفع الإلكتروني، وبالنسبة للازدحام المتوقع بالمصرف بمعنى نقل المشكلة من الجامعة إلى المصرف بعد تطبيق القرار، رأى أنه لن يحصل، خاصة وأن المصرف سيقوم بجدولة لتبسيط الإجراءات وهناك كوادر متخصصة بذلك».

فهل ستنفذ التعهدات أعلاه أم سنشهد خلال الأشهر القادمة ازدحاماً على المصارف يدفع ضريبته الطلاب على حساب وقتهم وجهدهم؟!

ماذا بشأن العمولات المصرفية؟!

الأمر الإضافي الذي توقف عنده بعض الطلاب، وخاصة طلاب الجامعات الحكومية بغالبيتهم المفقرة (وهؤلاء بمئات الآلاف)، هو ما غاب عن القرار الحكومي وعن التعهدات الرسمية أعلاه حول الرسوم والعمولات الإضافية التي من الممكن أن يتم تقاضيها عبر الحسابات المصرفية المفتوحة لهذه الغاية على حساب الطلاب ولمصلحة المصارف عند فتح الحساب المصرفي أو عند عمليات التحويل المباشر أو الإلكتروني، هل هي نسبة أو مبلغ مقطوع أو سيتم إعفاء الطلاب منها؟!

فمن المعروف أن لكل مصرف تعليماته الخاصة بشأن فتح الحسابات وعمليات التحويل، مع عمولات ذلك المتباينة بين مصرف وآخر!

وبحسب هؤلاء فقد كان من الأولى مقابل إلزامهم بفتح الحسابات المصرفية وعدم قبول تسجيلهم إلا من خلال تسديد الرسوم عبرها اعتباراً من العام الدراسي القادم، أن يتم إعفاؤهم من أية إضافات أو رسوم أو عمولات وبشكل واضح وصريح رسمياً!

فكل مبلغ إضافي مقتطع أو مفروض، مهما قل، بالنسبة للغالبية المفقرة من طلاب الجامعات الحكومية تحديداً، يعتبر عبئاً إضافياً عليهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، فكيف بحال الإلزام بهذه المبالغ ورهن عملية التسجيل بها، أي رهن مستقبلهم بذلك!

ولعل ما سبق بهذا الشأن يعتبر مطلباً محقاً للطلاب، من المفترض معالجته واتخاذ ما يلزم بشأنه من قرار على المستوى الرسمي منعاً لأي لبس أو غبن!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1136