بدعة تفريطية جديدة بالأملاك العامة في دمشق لمصلحة البعض المحظي!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

بدعة تفريطية جديدة بالأملاك العامة في دمشق لمصلحة البعض المحظي!

باتت كل الملكيات العامة في دمشق مستباحة باسم الاستثمار ولمصلحة أصحاب الأرباح على يد المحافظة، وربما لن يبقى للمواطنين لاحقاً لا رصيف ولا شارع ولا حديقة ولا وجيبة كملكية عامة لهم فيها حقوق!

فقد وافق المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق بتاريخ 2/8/2023 على شروط منح رخص إشغال سيارات تخصص لبيع الأطعمة ضمن ساحات محددة ووفقاً لشروط ومعايير فنية.
وبحسب مدير الأملاك العامة في محافظة دمشق حسام الدين سفور، نقلاً عن صحيفة الوطن، أن «الهدف من قرار منح الرخص لسيارات بيع الأطعمة هو تنظيم عمل السيارات واختيار عدد من الساحات ومنع أي إشغال عشوائي غير منظم ضمن اشتراطات لعدد من الطلبات للحصول على التراخيص».
فمن المستفيد الفعلي من هذه البدعة الاستثمارية الجديدة؟!
وهل ستكون المحافظة، التي عجزت عن حل مشكلة الأكشاك والبسطات حتى تاريخه، قادرة على ضبط عربات الأطعمة لاحقاً بعد تزايد أعدادها وانتشارها، أم سنكون أمام مشكلة متشعبة جديدة وعصية عن الحل على حساب الملكيات العامة وقلة النظافة، بالإضافة إلى زيادة الاكتظاظ والتشوه البصري والسمعي؟!

اكتظاظ على حساب الملكية العامة!

حدد قرار المحافظة الأماكن وأعداد عربات الإطعام حسب التالي، في الساحة الكائنة أمام مدرسة بسام حمشو 11 عربة، والساحة الكائنة ضمن مرآب ماروتا سيتي 11 عربة، والساحة الكائنة ضمن مرآب حديقة الجاحظ 5 عربات، والساحة الكائنة ضمن الصوفانية 12 عربة، والساحة المواجهة لحديقة تشرين 16 عربة، والساحة الكائنة ضمن مدينة المعارض 18 عربة.
وبحسب ما سبق فمن الواضح أن الأماكن الستة المحددة من قبل المحافظة حالياً ستكتظ فيها 73 عربة طعام مع زبائنها وروادها ومخلفاتها، وربما تتزايد أعداد عربات بيع الأطعمة، المرخصة وغير المرخصة، أكثر من ذلك بحكم المحسوبيات والوساطات وعوامل الفساد وغض الطرف، مع إمكانية زيادة عدد الساحات المستهدفة لاحقاً لزج أعداد إضافية من عربات الأطعمة فيها بشكل رسمي، وربما تنتقل عدوى إشغال واستثمار الأملاك العامة من قبل عربات الأطعمة لتصل إلى داخل حدائق العاصمة، وأمام مدارس إضافية فيها!
فمعايير اختيار المواقع بحسب قرار المحافظة عائمة وفضفاضة: أن تخدم المواطنين رواد الحدائق العامة في الساحات القريبة منها- أن تخدم زوار الفعاليات والمهرجانات التي تقيمها المحافظة- أن تخدم المواطنين بقرب محطات النقل التبادلية.
ولكم أن تتخيلوا حمى الاكتظاظ الاستثماري الجديدة مع تداعياتها ونتائجها، التي فتحت المحافظة بوابتها الآن، وربما ستكون عاجزة عن إغلاقها لاحقاً!
فالمحافظة التي ستفتح بوابة جديدة للتعدي على الأملاك العامة باسم عربات الإطعام لن تستطيع بعد ذلك إغلاقها أو ضبطها، كحال فشلها في معالجة مشكلة الأكشاك والبسطات المستمرة بين صد ورد بين الحين والآخر، مع بقية أشكال التعديات والمخالفات الكثيرة والمنتشرة في العاصمة، ليس عجزاً بقدر ما هو فساد ونفوذ!

معايير واشتراطات مكلفة!

من المعايير العامة بحسب قرار المحافظة، تخصيص السيارات أو العربات المعدة لبيع المأكولات لأصحاب متوسطي الدخل وفئات الشباب من عمر 18-35 سنة مع السماح بالمشاركة بين أكثر من شخص من ضمن الفئات الشبابية- يمكن للمحافظة تقديم المساعدة لغير القادرين على التنفيذ من خلال إبرام عقد شراكة مع صاحب الفكرة بنسبة ربح كمشغل وصاحب الفكرة، واعتبارها استثماراً خاصاً للمحافظة- أن تكون الأسعار متناسبة مع نوعية الخدمة والمنطقة، وبنسبة أقل من أسعار المطاعم والمحلات النظامية- المحافظة على المعايير الفنية والبيئية ومعايير السلامة الغذائية- خضوع العربة أو السيارة المرخصة لتقييم دوري كل 6 أشهر.
ومن المعايير الفنية، مراعاة الحداثة والابتكار والجمال والجودة في التصاميم المقدمة على أن تكون المواد المستخدمة من مادة الكروم- يمكن تقديم الخدمة من خلال عربة متحركة على عجلات أو سيارة تقديم طعام..
وهناك الكثير من الشروط واجبة التوفر في عربات الإطعام المتنقلة، وكذلك وضعت العديد من المعايير للمفاضلة بالنقاط بين المستثمرين الشباب، ومع تحديد مواعيد للتقدم بالطلبات، وقد تم تحديد الرسم الواجب استيفاؤه بمبلغ 3000 ليرة للمتر المربع الواحد يومياً.

للبعض المحظي من كل بد!

الشروط المفروضة بموجب قرار المحافظة ناحية المعايير الفنية لعربة الإطعام هامة وضرورية، وكذلك الشروط التثقيلية المرتبطة بالعلامات، والتي من المفترض أنها بغاية تحقيق العدالة بين المتقدمين من الشباب للحصول على الموافقة والترخيص اللازم!
فالشريحة المستهدفة من القرار شكلاً هي الفئة الشبابية، لكنها بالمضمون هي شريحة أصحاب الأرباح!
فالتكاليف اللازمة لتجهيز عربة الإطعام وفقاً للاشتراطات الفنية المحددة من قبل المحافظة، بالإضافة إلى قيمتها ورأس مال التشغيل الأولي لها، ستكون كبيرة جداً، بضع مئات الملايين من الليرات السورية، وبالتالي فإن الشريحة المستهدفة (الشباب) ستكون عاجزة عن تأمين مثل هذا المبلغ الكبير!
فأمام هذا المبلغ المرقوم يبدو من الواضح أن من سيمول الفئة الشبابية المستهدفة به (جرحى- مسرحين- أبناء شهداء- من ذوي الهمم- معيل- خريج غير عامل- طالب...) بحسب مضمون القرار، هو المستثمر الحقيقي من الناحية العملية، وسيكون من باسمهم الترخيص من هؤلاء مجرد عاملين لديه، أو واجهة للحصول على الترخيص مقابل منفعة مادية محدودة وآنية لهم ليس إلا!
تماماً كما جرى برخص بعض الأكشاك المخصصة للجرحى ولذوي الشهداء وغيرهم، والتي انتقلت بقدرة قادر لمصلحة البعض المحظي من المستثمرين بالباطن بالنتيجة!

تفريط مقابل عائدات هزيلة للمحافظة!

لا شك أن الجدوى الاستثمارية التي يسعى إليها بعض أصحاب الأرباح المحظيين، من خلال استحواذهم على أجزاء إضافية من الأملاك العامة لوضع عربات الإطعام عليها، كبيرة جداً، ومع ذلك فهي غير كافية لسد شراهتهم!
فماذا عن الجدوى بالنسبة للمحافظة كمصدر إيراد وفقاً للبدعة المستجدة؟!
فحديث المحافظة الحالي يدور حول الترخيص لـ73 عربة إطعام، وبحال شغلت كل منها مساحة 8 أمتار مربعة، فإن الرسم اليومي الذي ستتقاضاه المحافظة لقاء هذا الاشغال (بواقع 3000 ليرة عن كل متر) سيكون بمبلغ إجمالي وقدره 1,752,000 ليرة، وبمبلغ سنوي وقدره 639,480,000 ليرة!
فالمحافظة ومقابل هذا المبلغ الهزيل سنوياً ستكون قد فرّطت بمساحات إضافية من الأملاك العامة، لكنها ضمنت المزيد من الأرباح للبعض المحظي، والواجهة الذرائعية بذلك هم فئة الشباب من الجرحى وذوي الشهداء والمسرحين!
ولا يغيب عن الذهن طبعاً تداعيات هذا التفريط ونتائجه، التي تبدأ بالازدحام والاكتظاظ والتشوه البصري والسمعي، ولا تنتهي بالتأذي من المخلفات والقمامة والروائح والحشرات والقوارض والكلاب والقطط الشاردة!

مزيد من التفريط وانتهاك الحقوق!

التعدي الجديد على الملكيات العامة باسم الاستثمار وبذريعة البحث عن الموارد، وبما يحقق ويضمن الأرباح السهلة والسريعة لأصحاب الأرباح والفاسدين، لم يكن الأول ولن يكون الأخير على ما يبدو!
فقد سبق لمحافظة دمشق أن فرّطت بجزء من حقوق المواطنين بشوارع العاصمة الرئيسية من خلال وضعها بالاستثمار لمصلحة شركة مصفّات، وكذلك فسحت المجال لاستثمار جزء من الأرصفة (طاولات وكراسي بالمتر المربع) من قبل المطاعم والكافيهات على حساب حقوق المواطنين بهذه الأرصفة، وكذلك منحت الكثير من الاستثمارات داخل الحدائق العامة وعلى حساب متنفسات المواطنين كمطاعم وكافيهات وأكشاك، بالإضافة إلى منح تراخيص لمولدات الأمبير على حساب الملكيات العامة في بعض المناطق مؤخراً، ناهيك عن نمط الشراكة الاستثمارية مع القطاع الخاص ببعض المناطق التنظيمية، لمصلحة المستثمرين وعلى حساب المواطنين، ويضاف إلى كل ما سبق ما يجري من تعديات إضافية على الأملاك العامة كمخالفات مستمرة، والتي تبدأ بانتهاك السيارات للأرصفة، ولا تنتهي بسيطرة مكاتب بيع السيارات على حارات وشوارع بأكملها لأساطيل سياراتها الحديثة المعروضة للبيع!
ووفقاً لهذا النمط من التفريط المتزايد بالحقوق وبالملكيات العامة، ولمصلحة المحظيين من أصحاب الأرباح دائماً وأبداً، لا ندري ما في جعبة المحافظة من إبداعات تفريطية لاحقة مع ذرائعها وواجهاتها؟!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدوى هذا الشكل التفريطي الجديد ستنتقل إلى بقية المحافظات والمدن كما جرت العادة!
فالمواطن المنتهك بمعاشه وخدماته وحقوقه وحياته يتم تعميم بدع انتهاكه المستجدة على أيدي الرسميين ولمصلحة أصحاب الأرباح تباعاً وبشكل سريع!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1134