لعبة الدواء والدولار... هل من نهاية؟!
في ظل الأزمات المتتالية التي يعيشها المواطن السوري، لم يعد مستغرباً الحديث عن أزمة جديدة للأدوية، حالها حال كافة السلع الأخرى التي يرتبط تسعيرها بسعر الصرف، ولكن الجديد في كلّ مرة هو ازدياد حدّة هذه الأزمة وشدّتها، والمخارج المؤقتة التي غالباً ما تكون على حساب الناس.
عانى سوق الدواء السوري خلال الفترة الماضية من مشكلات بالجملة أدّت إلى توقّف بعض المستودعات عن البيع، وبالتالي توقّف بعض الصيدليات عن البيع أيضاً، وتقليص بعضها الآخر ساعات الدوام، والاقتصار في البيع على قطع الإكسسوار (شامبوهات، غسولات، مزيلات تعرق...إلخ) أو بيع أدوية ولكن بأسعار أعلى من التسعيرة النظامية تجنّباً للخسائر المحتملة جرّاء ارتفاع الأسعار المنتظر من قبل الصيادلة بعد وعود من وزارة الصحة بإصدار نشرة تعديل أسعار تتماشى مع سعر الصرف الجديد.
تعديلات متتالية ومتسارعة
على اعتبار أن بعض الأصناف المتواجدة في الصيدليات لا تخضع لتسعيرة وزارة الصحة، كالمتممات الغذائية مثلاً فقد جرى تعديل على أسعارها ليصل بعضها إلى 24 ألف ليرة بعدما كان 18 ألف، أي بنسبة 33% كذلك قامت بعض شركات التجميل بتعديل أسعار منتجاتها مرتين خلال أقل من أسبوع، وعلى الرغم من أن الأهمية النوعية لهذه المنتجات أقل من أهمية الأدوية الأساسية إلا أن المتممات الغذائية مثلاً تعتبر رافداً أساسياً للعديد من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة تتطلب وجود فيتامينات ومعادن داعمة لصحتهم ومناعتهم، والتي تعجز جيوبهم عن تأمينها وتوفيرها من الغذاء لوحده. كذلك الأمر بالنسبة لأسعار لاصق الجروح والشاش والقطن والمعقمات والسرنغات وماء حلّ الشرابات التي تعتبر من قطع الإكسسوار أيضاً والتي طالتها سياط تعديلات الأسعار بنسب تصل إلى حوالي 100%!
الحليب في مرمى نيران الأسعار أيضاً
تعديل أسعار الحليب كذلك الأمر جرى بصورة متسارعة، فقد ارتفع سعر حليب نوتري بيبي من 42000 إلى 50500 ثمّ إلى 65300 ليرة، الفارق بين السعر الأول والثاني هو حوالي ثلاثة أشهر، والفارق بين السعر الثاني والثالث أسبوع واحد فقط! ورغم ذلك فلا يزال حليب الأطفال مقنّناً ويوزّع بشكل حصص على الصيدليات ويعد نيوتري بيبي النوع الأكثر توافراً في الصيدليات، في الوقت الذي تتوافر الأنواع الأخرى كـ نان وكيكوز في الأسواق السوداء وبأسعار خيالية تصل إلى 100 ألف أو 150 ألف للعلبة الواحدة.
انقطاع أصناف نوعية من الدواء
لم يشهد سوق الدواء أزمة مماثلة كهذه من قبل، ولا شكّ أن الكارثة ستزداد عمقاً إذا استمرت السياسات نفسها، ففي هذه المرة توقفت كبرى الشركات عن بيع أدويتها وتوزيعها للمستودعات، وحينما نتحدث عن كبرى الشركات فنحن نقصد بذلك تحديداً شركات مثل «يونيفارما، وألتراميدكا، وابن زهر» والتي تعرف بإنتاجها لأصناف نوعية للسكري والضغط والشحوم والبروستات وغيرها، حيث يعتمد الكثير من الأطباء على وصف أدوية هذه الشركات، كما يعتمد الكثير من المرضى المزمنين على العلاج بأدويتها.
والمشكلة لا تكمن فقط بانقطاع هذه الأدوية، بل وفي صعوبة تأمين بدائلها أيضاً للشركات الأخرى التي قنّنت مبيعاتها أيضاً، وهو ما يجعل المريض يمشي عشرات الكيلومترات بحثاً عن صيدلية تبيعه دواءه الذي شارف على الانتهاء ولا يمكنه التخلي عنه.
يجدر بالذكر أيضاً أن بعض الأصناف التي لا يتوقع أحد انقطاعها قد انقطعت أيضاً كاليونادول بأنواعه مثلاً، والذي يعتمده الكثير من الناس لتسكين آلامهم التي يبدو أنّ حتى تسكينها بات يؤلم أكثر!
«حلول ترقيعية» على حساب الناس!
لجأت بعض الصيدليات إلى «حلول» مؤقتة لأزمتها اضطرت على أساسها إلى رفع الأسعار من تلقاء نفسها دون انتظار نشرة الأسعار المعتمدة من وزارة الصحة، حيث وصل سعر علبة اليونادول جوينت المخصص لآلام المفاصل والعضلات إلى 10 آلاف ليرة في الوقت الذي تسعيرته الرسمية الحالية هي 3400 ليرة، أي 3 أضعاف سعره الحالي، كما لجأت بعض الصيدليات إلى الالتفاف على رفع أسعار الأدوية بشكل مباشر عن طريق زيادة سعر الوصفات الدوائية بنسبة تصل إلى 50% من قيمة الوصفة، ليشهد سوق الدواء اضطراباً وفلتاناً في الأسعار حاله حال باقي أسواق السلع الأخرى.
ورغم الصورة القاتمة لحال الدواء، قامت بعض الصيدليات بعرض الأدوية المجانية المتوافرة لديها سواء من خلال العينات الدوائية التي تصلها من مندوبي الدعاية الطبية، أو من خلال الأدوية التي يتبرع بها الناس للصيدليات بعد انتهاء حاجتهم لها، حيث تقوم هذه الصيدليات بتوزيع هذه الأدوية مجاناً على الأشخاص الذين يحتاجون لها في محاولة لتقليص حجم الكارثة ولو بمقدار سنتيمتر واحد.
«نشرة تعديل الأسعار» الحل المنتظر!
ينتظر الكثير من الصيادلة نشرة تعديل الأسعار ليشعروا بالانتعاش من جديد، ويغالي البعض منهم في طموحاته الشخصية ليطالب بتحرير أسعار الدواء بشكل كامل، الأمر الذي قد يحدث فعلاً في ظل سياسات تملّص الدولة بشكل مستمر ومتسارع من أدوارها والمتمثل بشكل واضح في سياسات رفع الدعم، ولكن حلولاً كهذه لا تشبه شيئاً سوى إشعال كبريتة في كومة قش، وازدياد فرق الكمون والاستقطاب الطبقي الموجود أصلاً بصورة كارثية، ستزداد كارثيتها أكثر في حال تحرير سعر الدواء!
فالصيدليات ذات رأس المال البسيط لن تستطيع مجاراة الأسعار غير المضبوطة، والمرضى الذين يعانون حالياً أصلاً من أسعار الدواء لن يكونوا قادرين على شراء الدواء المحرّر.
لذلك وإن كان ذلك يبدو حلماً إلا أن الحلّ الوحيد والواقعي لإنهاء كارثة الدواء يبدأ من إنهاء المسببات الأساسية لها والتي تتمحور حول السياسات الاقتصادية التي تربط أسعار السلع بسعر الصرف وتربط حياة الناس بحبال شديدة الوثاق تلتف حول أعناقهم وتخنقهم يوماً بعد يوم، لا بل ساعةً بعد ساعة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1134