كارثية مسلسل أزمة الدواء المستمرة وجحيم التكاليف!
سمير علي سمير علي

كارثية مسلسل أزمة الدواء المستمرة وجحيم التكاليف!

ما زالت أزمة الدواء مستمرة، فالكثير من الأدوية ارتفعت أسعارها في الصيدليات بنسب متفاوتة، دون الإعلان عن ذلك رسمياً، والكثير من الأصناف الدوائية فقدت، أو تم اللجوء لتقليص كميات توزيعها وبيعها، وطبعاً المتضرر هو المريض كما جرت العادة!

فلا جديد فيما جرى ويجري بما يخص أزمة الدواء المستمرة دون انقطاع طيلة السنوات الماضية وحتى الآن، وكذلك لا جديد في الحديث عن نية وزارة الصحة إجراء تعديل على أسعار الأدوية في القريب العاجل تجاوباً مع مطالب أصحاب معامل ومستودعات الأدوية!
فالسبب «الذريعة» المتمثل بمتغيرات سعر الصرف حاضر دائماً وأبداً، لتبرير استمرار الأزمة، ولتسويغ رفع الأسعار بين الحين والآخر، مع غض الطرف عن تفلتها!

تأكيد رسمي!

أكد رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور حسن ديروان، انقطاع بعض أصناف الأدوية، مشيراً إلى مخاطبة النقابة المركزية ووزارة الصحة بذلك لتدارك حدوث أي أزمة دوائية في الفترة القادمة، وذلك بحسب صحيفة الوطن.
وكذلك أكد أن وزارة الصحة تدرس تعديل أسعار بعض أصناف الأدوية حتى لا يكون هناك انقطاع لهذه الأصناف وفي الوقت ذاته لا يكون هناك إرهاق للمواطنين في تأمين هذه الأدوية، وخصوصاً بعد ارتفاع سعر الصرف أمام الليرة وفق نشرة المصارف الرسمية الصادرة عن مصرف سورية المركزي!

ذرائع تقنين الأدوية!

وحول إجراءات التقنين بتوزيع الأدوية قال رئيس فرع نقابة الصيادلة بدمشق أن هناك تقنيناً في بيع بعض الأدوية، من المعامل للمستودعات ومن ثم للصيدليات، حتى لا ينفد مخزون تلك المعامل بسرعة، وبالتالي هذا يؤدي إلى أزمة دوائية!
والأكثر من ذلك أن رئيس النقابة أشاد بالدور الذي تقوم به المعامل لتأمين السوق المحلية بالدواء لأطول فترة ممكنة، وعدم توقف إنتاجها!
مع العلم أن أزمة الدواء موجودة ومستمرة، وإجراءات تقنين التوزيع لم تقف، وعدم نفاد المخزون في المعامل والمستودعات لبعض الأصناف الدوائية لا يعني عدم نفادها من الصيدليات، وبالتالي تضرر المرضى واستغلالهم!

الاستغلال المنفلت!

إن الارتفاعات السعرية على الأصناف والزمر الدوائية قائمة ومستمرة، وبنسب مرتفعة تصل إلى 100% لبعض الأدوية، وهي لا تنتظر صدور النشرات السعرية الرسمية لها من قبل وزارة الصحة، مع جرعات إضافية من الاستغلال السعري لبعض الأصناف والزمر ارتباطاً بآليات تقنين التوزيع المتحكم بها من قبل المعامل والمستودعات (نوعاً وكماً وسعراً)!
والأمر بهذا السياق لم يعد يقتصر على أدوية الأمراض المزمنة أو على حليب الأطفال أو بعض الأدوية النوعية!
فغالبية الأصناف والزمر الدوائية تجري عليها عمليات التقنين في التوزيع والبيع، مع الكثير من عوامل الاستغلال المصاحبة لذلك على حساب صحة المريض، وربما على حساب بقائه على قيد الحياة!
فسوق الدواء أصبح منفلتاً ومتفلتاً كغيره من أسواق السلع الأخرى، مع فارق نوعي طبعاً أن الدواء اضطراري، ومعدلات استهلاكه أو تقليصها رهن بالمرض والجرعة المخصصة للعلاج من قبل الطبيب، ولا مجال للتخلي عنها أو تخفيضها كما يجري مع بعض السلع الأخرى اضطراراً!

فاتورة المرض المكلفة!

إن تكاليف علاج الإصابة بأي مرض أصبحت كارثية على المريض وذويه أكثر من المرض نفسه!
فالاتكاء على التأمين الصحي أو اللجوء إلى المستوصفات والمشافي العامة، على أهمية ذلك، أصبحت نتائجه التوفيرية محدودة بالمقارنة مع مجمل التكاليف الباهظة التي يتكبدها المرضى!
فالتأمين الصحي جزئي، ويتم تسديد فروقاته السعرية من قبل المريض، والمشافي والمستوصفات العامة أصبحت تفتقر إلى الكثير من المستلزمات الطبية والعلاجية، والتي يتم طلب تأمينها من المريض من خارج هذه المشافي والمستوصفات، بما في ذلك الأدوية طبعاً!
فكشفية الطبيب بعشرات الآلاف، وأجور التحاليل والتصوير تصل إلى مئات الآلاف في بعض الأحيان، وصولاً إلى أسعار الأدوية المنفلتة وعوامل الاستغلال الكثيرة فيها!
فأبسط الأمراض وأقلها خطراً أصبحت تكاليف علاجه والتداوي منه لا تقل عن 100 ألف ليرة، وتكاليف الأمراض المزمنة تفوق هذا المبلغ بكثير، وهي فاتورة شهرية اضطرارية لا بد منها للاستمرار على قيد الحياة!
أما فاتورة بعض الأمراض النوعية والخطرة، القابلة للعلاج أو العصية عليه، فهي تتجاوز الملايين، يضاف إليها تكاليف المشافي في الكثير من الأحيان، وهي فواتير مستمرة وغير منتهية طالما بقي المريض على قيد الحياة، وأية حياة جحيمية يعيشها هذا المريض مع ذويه!

من الكارثة إلى الجحيم!

هذا الواقع الكارثي والجحيمي الذي يعيشه المرضى وذووهم، وعموم المفقرين في البلاد، بما يخص الدواء والاستشفاء، ليس وليد اللحظة، أو بسبب ظروف الحرب والأزمة والعقوبات والحصار كما يدعي الرسميون، بل هو نتاج لجملة السياسات الليبرالية الظالمة المتبعة والتي أدت إلى قضم دور الدولة وتراجعها على مستوى المسؤوليات والواجبات والمهام تباعاً، اعتباراً من السياسات النقدية وسعر الصرف، وما نجم وينجم عنها من كوارث على مستوى تراجع الإنتاج وتخفيض معدلات الاستهلاك وارتفاع في مستويات التضخم، مروراً بسياسات تخفيض الإنفاق العام بآثاره ونتائجه الكارثية على كل الخدمات العامة وبكافة القطاعات، وليس انتهاءً بسياسات تجميد الأجور وسياسات تخفيض الدعم والسير نحو إنهائه، والتي أوصلت العاملين بأجر والمفقرين إلى ما دون حافة العوز الغذائي والجوع، وبالتالي تناقص مناعتهم والتعرض للمزيد من الأمراض، وبين كل ذلك هناك طبعاً وقبل كل شيء المصالح المرعية والمضمونة رسمياً لكبار أصحاب الأرباح والناهبين والفاسدين!
فأبسط الأمراض قد تصبح مهددة للحياة في ظل هذا الواقع الجحيمي الذي تعيشه الغالبية المفقرة، فكيف مع الأمراض المزمنة والخطرة؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1133