خسارة إضافية لمزارعي القمح بسبب تأخر صرف المستحقات!
انتهت عمليات حصاد محصول القمح في جميع مناطق زراعته تقريباً، ومازالت مؤسسة الحبوب تستلم ما تبقى منه من المزارعين.
وخلال جلسة الحكومة بتاريخ 20/6/2023، وبعد اطلاعها على واقع عمليات استلام محصول القمح للموسم الحالي، تم «التأكيد على المحافظين والجهات المعنية المتابعة المباشرة وتذليل أي عقبات على أرض الواقع»، وكذلك تم «الطلب من وزارة المالية والمصرف المركزي تسليم المبالغ المستحقة للمزارعين بآلية ميسرة تضمن حصولهم على مستحقاتهم دون تأخير».
وبحسب بعض الفلاحين فإن تأخير عمليات صرف مستحقاتهم واستلامها تعتبر خسارة لهم تضاف إلى خسارتهم جرّاء تسعير المحصول غير المجزي!
فما هي هذه «الآلية الميسرة» المعتمدة التي انعكست على حسابات الفلاح بالمزيد من الخسارة بالنتيجة؟!
آليات صرف قيمة المحصول!
يستمر المصرف الزراعي التعاوني بصرف قيمة محصول القمح للمزارعين تباعاً، وذلك بحسب آليات العمل المتبعة من قبله والمبوّبة بموجب تعاميم صادرة بهذا الشأن، والتي تتضمن ما يلي:
يتم استلام جداول الحبوب وقوائم الشراء من مندوب مركز الحبوب، وتتم مطابقة قوائم الشراء مع جداول الحبوب وإدخالها إلى النظام الحاسوبي.
يتم تنظيم أوامر الدفع اللازمة ويرفق مع أمر الدفع نسختان من قائمة الشراء، إحداهما للمزارع والنسخة الأخرى للفرع.
عند التأكّد من وصول الاعتمادات المخصصة لصرف قيم الحاصلات الزراعية إلى حساب الفروع تم التوجيه بالإسراع في صرف قيم الحاصلات الزراعية خلال فترة لا تتجاوز 48 ساعة.
فتح حساب جارٍ لكل عضو تعاوني في الجمعية الفلاحية تتجاوز قيمة فاتورته من القمح مبلغ/50/ مليون ليرة سورية.
يتم صرف مبلغ /50/ مليون ليرة سورية لكل عضو تعاوني في الجمعية والباقي يتم إيداعه في حسابه الجاري.
طلب المصرف الزراعي من الفلاحين والجمعيات الفلاحية التي تتجاوز قيم فواتير محاصيلهم/ 50/ مليون ليرة سورية فتح حسابات جارية لدى فروع المصرف ليتم إيداع قيمة المحاصيل فيها وذلك قبل البدء بعمليات صرف قيم الحاصلات.
يحق للفلاح تحويل هذه المبالغ المودعة في حسابه أو سحبها وفقاً لسقف مبالغ السحب اليومية المحددة من قبل مصرف سورية المركزي.
التسليم لصاحب الاستحقاق شخصياً وبموجب بطاقته الشخصية، وأخذ توقيعه أو بصمته على أمر الدفع أو بموجب وكالة قانونية.
أما الأعضاء التعاونيون فيتم تسليم استحقاقهم إلى لجنة المادة /17/ في جمعياتهم الفلاحية، وتحصيل الديون المستحقة لصالح المصرف عند صرف قيم الحاصلات الزراعية، ويمكن فتح أكثر من كوة صندوق حسب الحاجة عند قيم الحاصلات الزراعية.
سرعة التسليم لا تعني سرعة الصرف!
لا شك أن الآلية المعتمدة أعلاه لصرف قيمة المحصول للفلاحين غايتها الافتراضية هي الدقة في عمليات الحساب والصرف، لكن الهامش الزمني فيها طويل، وسقوف الصرف النقدي المحددة تعتبر ضئيلة!
فسرعة تسليم المحصول من قبل الفلاحين لا تعني سرعة في عمليات استلام قيمته بالضرورة، بالمقابل فإن كل يوم تأخير في عمليات استلام القيمة يمثل خسارة بالنسبة إليهم!
فمدة 48 ساعة الواردة في التعليمات أعلاه هي الفترة المحددة لإنجاز المرحلة ما قبل الأخيرة من عمليات الصرف، ومع ذلك لا يتم التقيد بها، أما بقية المهام فلا مدة محددة لإنجازها، ليضاف بعدها التعليمات الخاصة بالمصرف المركزي حول سقف السحب اليومي!
فالآلية المعتمدة أعلاه لم تكن ميسرة على الإطلاق، فبسببها تزايدت خسارات الفلاح عملياً!
فمقابل المدد الزمنية، المفتوحة أو المسقوفة أعلاه، فإن أسعار السلع والمواد في الأسواق ترتفع لحظياً، وكذلك مستلزمات الإنتاج التي ترتفع أسعارها بنسب كبيرة، وذلك تبعاً لتذبذب سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي، وبالتالي يكون الفلاح قد خسر جزءاً من مستحقاته بسبب فروقات الأسعار الناجمة عن متغيرات سعر الصرف كنتيجة!
الهامش الزمني ومتغيرات سعر الصرف!
حددت اللجنة الاقتصادية بتاريخ 4/5/2023 سعر شراء القمح للموسم الحالي بـ ٢٥٠٠ ليرة/كغ ويضاف إليها مبلغ قدره ٣٠٠ ليرة/كغ كحوافز تشجيعية لزراعة وتسليم القمح بحيث يصبح السعر النهائي ٢٨٠٠ ليرة/كغ.
تكاليف الموسم الحالي بحسابات الفلاح كانت بحدود 1 مليون ليرة/دونم، وهي ما شكلت خسارة بالنسبة إليه بحسب التسعير الرسمي للقمح بواقع 2000 ليرة/كغ تقريباً بعد حسم نسب التجريم، وبواقع إنتاج وسطي يقارب 400 كغ/دونم، أي بوسطي خسارة 200 ألف ليرة/دونم، وهو ما سبق أن تم التنويه له بمواد سابقة لقاسيون!
سعر الدولار الرسمي بتاريخ تسعير المحصول أعلاه كان 7500 ليرة، وسعر السوق الموازي أعلى من ذلك طبعاً، مع العلم أن تكاليف مستلزمات الإنتاج تسعر في السوق بسعر دولار أعلى من السعرين، كما جرت العادة تحوّطاً، وقد كان بوقتها بعتبة 10 آلاف ليرة تقريباً!
50 مليون ليرة كسقف للصرف النقدي المباشر من الناحية العملية تقابل كمية مسلمة تقريبية تعادل 25000 كغ، بواقع سعر 2000 ليرة/كغ بعد التجريم، وبوسطي إنتاج 400 كغ/دونم، وهذا يعني مساحة مزروعة لا تقل عن 62 دونماً!
من سلّم كميات أقل من ذلك سينتظر عمليات استكمال البيانات والحساب وصولاً إلى صرف قيمة مستحقاته، وهي مدة طويلة نسبياً!
كل من سلم كمية تتجاوز الكمية أعلاه، فهو لن يستلم بقية مستحقاته نقداً، بل سيضطر لسحبها على أقساط تباعاً وفقاً لتعليمات المركزي، أي سينتظر مدة إضافية تطول وتقصر بحسب إجمالي المبلغ المستحق بالمقارنة مع سقف السحب اليومي المحدد من المركزي!
سعر الدولار الرسمي استمر بالارتفاع طيلة الفترة الماضية ووصل إلى عتبة 9900 ليرة الآن، وسعره في السوق الموازي تجاوز هذه العتبة بنسبة كبيرة، وقد تجاوز التسعير المدولر للسلع والمواد في الأسواق عتبة 15000 ليرة، بما في ذلك مستلزمات الإنتاج التي تهم الفلاحين!
تكاليف مستلزمات الإنتاج التي كانت محسوبة على دولار يعادل 10 آلاف ليرة مع بدء عمليات تسليم المحصول أصبحت الآن تحسب على دولار يتجاوز 15 ألف ليرة، أي بزيادة تتجاوز 50%، وهي مقاربة لنسبة الارتفاع بسعر الصرف، سواء الرسمي أو في السوق الموازي، حتى الآن فقط!
والجدول التالي يوضح خسارة الفلاح بحساب سعر كيلو القمح مقابل الدولار الرسمي من تاريخ التسعير وحتى الآن:
أي كل كيلو قمح مسلّم للحبوب خسر ما يعادل 0,091 دولار من تاريخ التسعير وحتى الآن، وكل 1 دونم، بواقع إنتاج 400 كغ/دونم، تعني خسارة تقريبية تعادل 36,4 دولاراً، أي ما يعادل 360 ألف ليرة بواقع سعر الدولار الرسمي البالغ 9900 ليرة الآن، وبما يعادل 456 ألف ليرة بسعر الدولار التحوطي للسلع ومستلزمات الإنتاج المقدر بـ15 ألف ليرة الآن!
حسابات الخسارة مقابل كل مليون ليرة تأخر تسليمها!
بناء على ما سبق من أسباب تأخيريّة في عمليات الصرف بحسب التعليمات، فإن تأخر صرف مليون ليرة مستحقة فقط تعني خسارة كبيرة للفلاحين يمكن تفصيلها بحسبة بسيطة على الشكل التالي:
كل مليون ليرة عند تسعير القمح رسمياً بواقع 7500 ليرة كانت تعادل 133 دولاراً بالسعر الرسمي للصرف مقابل الليرة، وتعادل 100 دولار بتقييم السلع والمواد المدولرة بالسوق تحوطاً بواقع 10 آلاف ليرة.
كل مليون ليرة الآن، بواقع 9900 ليرة/دولار رسمياً، أصبحت تعادل 101 دولار، وتعادل 66 دولاراً بأسعار السوق المدولرة تحوطاً بسعر 15 ألف ليرة.
كل مليون ليرة تأخر صرفها خلال الفترة الماضية خسرت ما يعادل 32 دولاراً بحسابات فرق سعر الدولار الرسمي، أي ما يعادل 316 ألف ليرة تقريباً!
والجدول التالي يوضح خسارة المليون ليرة مقابل تغير سعر الصرف الرسمي:
وبحسابات السلع المدولرة فإن كل مليون ليرة خسرت ما يعادل 44 دولاراً، أي 660 ألف ليرة تقريباً حتى الآن!
والجدول التالي يوضح خسارة المليون ليرة مقابل تغيّر السعر التحوطي للسلع ومستلزمات الإنتاج:
الخسارة المحسوبة أعلاه عن كل مليون ليرة مستحقة وتأخر صرفها تضاف طبعاً إلى الخسارة التقريبية بكل دونم بواقع 200 ألف ليرة/دونم!
والنتيجة أن البعض من أصحاب الحيازات الواسعة الذين سلموا كميات محصول كبيرة، وتأخر صرف مستحقاتهم وفقاً للآليات المتبعة أعلاه، فإن الخسارة المركبة بالنسبة إليهم أصبحت تعادل 860 ألف ليرة/دونم تقريباً!
أسئلة هامة ومشروعة معروفة الإجابة سلفاً!
الحسابات أعلاه تعني افتراضاً أن تكاليف زراعة الدونم للموسم القادم من القمح لن تقل عن 1,660,000 ليرة بالحد الأدنى، هذا طبعاً بحال ثبات واستقرار سعر الصرف، الرسمي والموازي والتحوطي، على حاله دون ارتفاع!
وعلى اعتبار أن مستحقات الفلاحين الذين سلموا محصولهم لمؤسسة الحبوب لم تصرف كاملة لجميعهم بعد، فهذا يعني تزايد خسارة بعضهم بحال طرأ ارتفاع جديد على سعر الصرف في الأيام القادمة، وهو أمر متوقع!
فهل سيتمكن الفلاحون من إعادة زراعة أرضهم بمحصول القمح للموسم القادم في ظل تكبدهم هذا الحجم من الخسارة المتراكبة الآن، وفي ظل الاستمرار بسياسات قضم الدعم الجائرة، ومع الاستمرار بنمط التسعير غير المجزي لمحصولهم، والأهم في ظل استمرار تراجع قيمة الليرة أمام الدولار، رسمياً أو في السوق الموازي، مع سيطرة أنماط التسعير التحوطي لمستلزمات إنتاجهم المتحكم بها من قبل كبار حيتان السوق والاستيراد؟!
ولمصلحة من يتم الاستمرار بتكريس هذه السياسات الظالمة، وهذا النمط الجائر من التسعير، مع التدهور المستمر والمتسارع على قيمة الليرة مقابل الدولار؟!
الإجابة واضحة وصريحة ونعيد تكرارها مجدداً وباختصار!
فكل ما جرى ويجري يصب بمصلحة القلة القليلة من كبار أصحاب الأرباح فقط لا غير، الذين من مصلحتهم الاستمرار بتقويض الإنتاج وصولاً إلى إنهائه، ولو كان ذلك بالضد من مصلحة المنتجين والمستهلكين والأمن الغذائي والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1132