الدواء.. أزمة مستعصية دون حلول!
رند الحسين رند الحسين

الدواء.. أزمة مستعصية دون حلول!

تعود أزمة الدواء المستعصية للظهور مجدداً على السطح، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، ومطالبة العديد من المعامل وزارة الصحة برفع أسعار الأدوية وفقاً لنشرة أسعار الصرف الجديدة وانعكاساتها على تكاليفها.

وقد ورد ذلك على لسان عضو مجلس نقابة الصيادلة محمد نبيل القصير في حديث عبر صحيفة الوطن بتاريخ 10/5/2023، والذي أكّد مطالبة المعامل بتعديل الأسعار، محذّراً من أنّ عدم الامتثال قد يؤدي إلى فقدان في بعض الزمر الدوائية، والذي بدأنا نشهده بالفعل!

تعديل الأسعار مستمر بالارتفاع!

الجدير بالذكر بأنّه منذ صدور نشرة أسعار الأدوية السابقة في الشهر الأول من هذه السنة (ارتفعت أسعار الأدوية آنذاك بنسبة تتراوح بين 50–80% وقد وصل بعضها إلى 100%) لم يمض يوم من دون أن يستلم الصيادلة على مجموعاتهم رسائل تتضمن تعديلات لأسعار الأدوية، ولا سيّما المتمّمات الغذائية التي ترتفع أسعارها بمعزلٍ عن قرارات وزارة الصحة!
فقد شهد الأسبوع الماضي سلسلة تعديلات سعرية كبيرة على مجموعة من المتمّمات الغذائية (على سبيل المثال ارتفع سعر دواء أدالفيت الأمومة من 15000 إلى 20000 ليرة، وهذا النوع من المتمّمات تحتاجه المرأة تقريباً بشكل شهري خلال فترة حملها).
كذلك ارتفعت أسعار حليب الأطفال، حيث وصل سعر حليب نان 1و2 إلى 46900 ليرة، وحليب كيكوز 1 و2 إلى 38400 ليرة.

أزمة الحليب القديمة الجديدة

وبالحديث عن أسعار الحليب لا بدّ من الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار نوعي نان وكيكوز لم يؤدِّ بعد إلى توافرهما، فما زال الناس يجوبون الصيدليات بحثاً عن هذين النوعين ولكن من دون أي جدوى تذكر!
علماً أنّ هذه الأصناف متوفرة وبقوة في الأسواق السوداء، وبأسعار خيالية تصل إلى حوالي الـ100 ألف ليرة للعلبة الواحدة.
أما بدائل الحليب المتوافرة جزئياً حالياً فهما صنفان بشكل أساسي (نيتروبيبي وسويس لاك بسعر 42500 و 43000 ليرة على التوالي) ونقول جزئياً لأنها محصّصة، حيث كما العادة يصل إلى كلّ صيدلية عدد محدّد وقليل جداً من العلب فقط، وقد يمرّ أسبوع أو أسبوعان تنقطع به هذه الأصناف ثم تعود إلى التوفّر، ما يؤدي إلى تعمّق معاناة الأهالي في البحث عن حليب لأطفالهم، وما يرافق ذلك من اضطرابات هضمية ناجمة عن تغيير أنواع كثيرة للحليب للطفل الواحد!

أدوية مقطوعة وأخرى على الطريق!

يجري الحديث عن انقطاع الدواء بصورة مستمرة لا تتعلق فقط بارتفاع سعر الصرف، فبعض الأدوية النوعية مفقودة منذ زمن من دون توافر بدائل لها، والدواء الأشهر هو «مولسيكور» والذي يعدّ هامّاً جدّاً لمرضى خنّاق الصدر الشديد.
ولكن الأزمة تحتّد أكثر لدى كلّ ارتفاع جديد لسعر الصرف ومطالبات المعامل بتعديل الأسعار، بحيث إن الأدوية المتوافرة عادةً تبدأ بالانقطاع، أو بالتقنين من وصولها إلى الصيدليات، وقد طالت هذه الانقطاعات زمراً نوعية، كأدوية القلب والضغط والسكري والصرع.
وقد أكّد عضو مجلس نقابة الصيادلة إقبالنا على أزمة انقطاع دواء جديدة بقوله: «أرسلَت معامل الأدوية مقترحاً للوزارة بتعديل الأسعار، وفي حال لم يتم رفع الأسعار فنحن مقبلون على أزمة جديدة في الدواء، حيث 70% من الأدوية لا تغطي نفقات كلفتها، وبدأ فقدان بعض الزمر الدوائية مثل مضادات الصرع».
كذلك كان رأي لجنة الأدوية في غرفة صناعة دمشق، والتي أشارت إلى تداعيات ارتفاع سعر الدولار في مصرف سورية المركزي وانعكاسه على سعر الدواء، حيث طالبوا بتعديل سعر الدواء بناءً على تعديل سعر الدولار حسب توصية اللجنة الاقتصادية سابقاً.

الأزمة مستمرة على حساب سلامة المرضى!

من المفروغ منه أن وزارة الصحة ستتجاوب مع مطالب معامل الأدوية، وسيتم إصدار نشرات سعرية جديدة تتضمن زيادة في الأسعار استناداً للتكاليف التي تقدمها المعامل، كما هو الحال في كل مرة، فلا جديدَ إيجابياً بهذا الشأن يمكن أن يعول عليه!
لكن وبغض النظر عن ذرائع ومبررات المطالبة بزيادة أسعار الأدوية ومشروعيتها، فإن الوقائع تشير إلى أن أزمة الدواء مستمرة، فالارتفاعات السعرية عليه قائمة سواء صدرت نشرات سعرية رسمية أو لم تصدر، والمتوفر من الزمر الدوائية متحكم به كماً وسعراً من قبل المعامل والمستودعات عبر آليات التوزيع المطبقة من قبلهم على الصيدليات وفق نموذج الحصص المقننة، مع تفاقم نقص بعض أصناف الأدوية بين الحين والآخر، وصولاً إلى فقدان بعضها بشكل شبه تام في كثير من الأحيان، وبالتالي الاضطرار للجوء إلى السوق السوداء أو التهريب لتأمينها، بأسعارها ونوعها ومصدرها، مع عدم ضمان سلامة مواصفتها وفاعليتها طبعاً!
فالحديث الرسمي يقول إن الإنتاج المحلي من الأدوية يغطي نسبة تتجاوز 90% من الاحتياجات، لكن الوقائع تقول عكس ذلك في ظل استمرار أزمة الدواء وفقاً للسياق أعلاه!
والنتيجة أن كل ما سبق أعلاه يدفع ضريبته المريض، من جيبه وعلى حساب ضروراته المعيشية، والأهم والأكثر سوءاً على حساب المزيد من تدهور وضعه الصحي، والأكثر تضرراً من هؤلاء هم الأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة (الضغط- القلب- السكري- المناعة- الصرع- الربو...)!

الحل باستعادة الدولة لمهامها!

بكل اختصار يمكن القول إنه لا حل لأزمة الدواء المستعصية والمستمرة دون استعادة الدولة لدورها ومهامها، وخاصة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، بعيداً عن النموذج الليبرالي المشوه المطبق من قبلها، اعتباراً من دورها على مستوى تأمين مستلزمات الإنتاج في المعامل القائمة بأقل التكاليف الممكنة، مروراً بدعم هذه المستلزمات والصناعة الدوائية عموماً، مع تذليل الصعوبات والمعيقات التي تحول دون تطورها وتوسعها، وليس انتهاءً بالدعم الجدي لمعامل القطاع الدوائي الحكومي، ليضاف بعد ذلك قيام الجهات المسؤولة عن هذا القطاع بدورها ومهامها على أتم وجه (وزارة الصحة- المجلس العلمي للصناعات الدوائية- نقابة الأطباء والصيادلة..).
لكن ذلك غير ممكن بكل أسف في ظل استمرار النهج الحكومي والسياسات المتبعة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1123