رب ضارة على الأمن الغذائي نافعة في جيوب النهب والفساد
سمير علي سمير علي

رب ضارة على الأمن الغذائي نافعة في جيوب النهب والفساد

شملت العاصفة الهوائية بتاريخ 29/3/2023 المناطق الغربية والجنوبية والوسطى، وقد تجاوزت فيها الرياح سرعة 100 كم/ سا، ونجم عنها الكثير من الأضرار والخسائر، بما فيها البشرية بكل أسف!

ومن جملة الخسائر الناجمة عن العاصفة، الضرر الكبير الذي أصاب الإنتاج الزراعي في المناطق التي شملتها، وخاصة في بعض المحاصيل الهامة، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على المزارعين والمستهلكين واحتياجات الأمن الغذائي.

أضرار كبيرة وجسيمة!

بتاريخ 30/3/2023 وفي حديث عبر أحد المواقع الإعلامية كشف رئيس الاتحاد العام للفلاحين أحمد صالح الإبراهيم، أن «هناك أضراراً جسيمة سببتها العاصفة الهوائية التي تشهدها العديد من المحافظات السورية على الأشجار المثمرة والبيوت البلاستيكية وغيرها من المحاصيل الصيفية التي لم تنضج بعد، ووصف الإبراهيم تلك الأضرار بالجسيمة، منوهاً بأن الاتحاد يقوم اليوم عبر مكاتبه في المحافظات بإحصاء تلك الأضرار وتقدير حجمها».
وبحسب مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير سهل الغاب، في حديث عبر إذاعة المدينة اف ام، ان: «العاصفة الهوائية أثرت بشكل سلبي على محصول البقوليات في مرحلة الإزهار الحساسة بنسبة ضرر 85%، وتأثرت حقول القمح بنسبة 10-15%، والأشجار الحراجية خاصة أشجار الكينا بنسبة ضرر 60%».
وبحسب الخبير التنموي والزراعي أكرم عفيف في حديث لنفس الإذاعة: إن «أضرار العاصفة الهوائية التي ضربت البلاد تعادل 100 ضعف خسائر الزلزال ويضيف أن أزهار الحمضيات واللوزيات تضررت بشكل كبير، فضلاً عن تضرر محاصيل الفول، والقمح، والبازلاء، والمشاتل، والبيوت البلاستيكية بسبب سرعة الرياح الشديدة، وأشار إلى أن الخسائر الزراعية فوق الوصف، وخصوصاً مع وصول الأضرار إلى المداجن والحظائر الصغيرة التي تهدمت، داعياً لإعلان حالة الطوارئ لمساعدة الفلاحين وتعويضهم، ومنح إعفاءات على الديون بالرغم من أن المصرف الزراعي لم يدعم بالصورة الكافية، وأشار إلى أن الكـوارث تتالت على القطاع الزراعي بداية من العاصفة المطرية التي وقعت قبل الزلزال فضلاً عن الاحتباس المطري، وصولًا إلى هذه العاصفة التي فاقت أضرارها الوصف، إلى جانب نقص الأسمدة والمستلزمات الإنتاجية».
وبتاريخ 7/4/2023 قال مدير زراعة حماه المهندس أشرف باكير لصحيفة الفداء: «بالنسبة لأضرار العاصفة الهوائية التي ضربت محافظة حماة مؤخراً، التقييم قائم من قبل دائرة صندوق التخفيف من آثار الكوارث ففي سلمية 250 دونم لوزو 124 دونم قمح سقي و260 دونم قمح بعل و20 دونم شعير سقي و3581 دونم شعير بعل و277 دونم زيتون، وفي الصبورة 80 دونم لوز، وفي مصياف 5 دونم أجاص وأشجار متفرقة من المشمش والجانرك ومساحات صغيرة من البصل و٣ دونم فول».

الأمن الغذائي المتضرر الأكبر!

إن نسب الضرر المذكورة أعلاه ليست قليلة، والأضرار الكمية فيها على مستوى المحاصيل الزراعية تعتبر كبيرة، خاصة وإن الحديث يدور حول مساحات واسعة متضررة، وتحديداً في سهل الغاب الواسع، الذي يعتبر خزاناً هاماً للإنتاج الزراعي بتنوع محاصيله.
فماذا تعني خسارة 85% من محاصيل البقوليات في سهل الغاب، ومئات الدونمات من القمح والشعير واللوز والزيتون في بقية المناطق الزراعية، ليس على مستوى فقدان العائد المادي منها للمزارعين فقط، بل لعل الأهم على مستوى خسارة ما تؤمنه هذه المحاصيل من احتياجات الاستهلاك المحلي، وبالتالي تأثير ذلك السلبي على مستوى الأمن الغذائي؟
وهل مطلب إعلان حالة الطوارئ لمساعدة الفلاحين والتعويض عليهم يكفي؟ أم المطلوب إعلان حالة الطوارئ على مستوى الأمن الغذائي للمواطنين، باعتباره المتضرر الأكبر، ليس بسبب نتائج العاصفة الأخيرة فقط، بل بسبب التضحية به تباعاً لمصلحة قوى النهب والفساد في البلد؟!

تصريحات في وادٍ آخر!

بالمقابل، وعلى العكس من كل ما ورد أعلاه، فقد ذكر مدير زراعة حمص المهندس يونس حمدان في تصريح لسانا بتاريخ 2/4/2023 ما يلي: «لحقت أضرار بسيطة بمحصول اللوز في حمص لا تتجاوز 5%، جراء العاصفة الهوائية التي أصابت المحافظة الأسبوع الفائت.. الأضرار التي تسببت بها العاصفة الهوائية على محصول اللوز بسيطة، تمثلت في تساقط بالثمار، وهي في مرحلة العقد، نتيجة هبوب الرياح في قرى ريف حمص الشرقي، ولفت إلى أن الرياح القوية تسببت أيضاً بأضرار بسيطة في البيوت البلاستيكية المحمية والمزروعة بالفريز، واقتصرت على بعض الشرائح البلاستيكية، حيث تم تفاديها ومعالجتها من قبل المزارعين للحيلولة دون وقوع ضرر كبير».
وبحسب صحيفة تشرين، مطلع الشهر الحالي، كشف مدير المؤسسة العامة السورية للتأمين أحمد ملحم بأنه: «لم يتقدّم أيّ مزارع من أصحاب البيوت البلاستيكية المؤمّن عليها في المحافظات التي شهدت العاصفة الهوائية الأخيرة بأيّة طلبات للحصول على التعويضات المالية، لغاية تاريخه.
التصريحات أعلاه، ربما تعكس في أحد أوجهها نمط التعامل الحكومي الرسمي مع العاصفة وأضرارها، تقليلاً من حجم خسائرها واستكانة اللامبالي بنتائجها السلبية!

رسمياً.. تعويضات غير مجزية فقط!

على الرغم من فداحة النتائج السلبية على مستوى الضرر بالأمن الغذائي، إلا أن جل ما ستقوم به الحكومة سيقتصر على بعض التعويضات للمزارعين فقط لا غير!
حتى أنها لم تكلف نفسها عناء عقد اجتماع استثنائي لبحث هذه النتائج السلبية وتجميعها لمعرفة حجم الضرر الفعلي، بانعكاساته السلبية على مستوى احتياجات السوق المحلي من بعض المحاصيل بالحد الأدنى!
فبحسب مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير سهل الغاب: أنه «بتوجيه حكومي نقوم بإحصاء الخسائر لرفعها إلى صندوق الجفاف والكوارث لتعويض قيمة الأضرار للمزارعين».
فالحكومة «الحريصة» وجهت فقط بالتعويض للمزارعين، على الرغم من معرفتها المسبقة أن التعويضات، وبأحسن أحوالها، لا تغطي من الجمل أذنه بالنسبة للمتضررين، وبأن عوامل المحسوبية والفساد تطغى على هذه التعويضات برغم قِلّتها!

أصحاب الأرباح بالانتظار!

من المفروغ منه، أن نقص احتياجات السوق المحلي من المنتجات الزراعية، أو غيرها من السلع والمواد، وبغض النظر عن أسبابها، تعتبر فرصة مناسبة للتكسب والتربح من خلال عمليات الاستيراد التي تتم بذريعتها على أيادي بعض كبار الحيتان المحظيين، مع تمرير ذلك بكل رحابة صدر من قبل الحكومة، وربما هذا سيجري قريباً عند موعد حصاد المحاصيل المتضررة المذكورة أعلاه!
فكبار حيتان البلد من أصحاب الأرباح أصبحوا متحكمين في بعض أسباب نقص الاحتياجات، بل وفي خلق الأزمات عليها لاستثمارها بشكل أفضل، ولعل عمليات التصدير والتهريب التي تتم على بعض المحاصيل في مواعيد إنتاجها، وبغض النظر عن حاجة السوق منها، ثم خلق فجوة في الطلب عليها، ليتم تمرير وفرض استيرادها لسد هذه الفجوة مع تحكم أعلى بالسعر والمواصفة والكم، بات من منسيات آليات عمل هؤلاء الحيتان!
فلم ننسَ أزمة البصل بعد، وكذلك لم ننسَ تبرير تصدير بعض البقوليات ثم تبريرات استيرادها، وغيرها الكثير من المحاصيل والمنتجات الزراعية الأخرى، التي يتم من خلالها استغلال حاجة المواطنين والتضحية بأمنهم الغذائي!
فمن مصلحة هؤلاء الحيتان الإضرار بكل ما هو منتج في البلاد، ليس على مستوى الإنتاج الزراعي فقط.. بل وعلى مستوى الإنتاج الصناعي والحرفي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المصلحة مرعية ومحمية رسمياً، وبقوة السياسات المطبقة التي تديرها الحكومة بكل إجحاف وصلف على حساب الناس والبلد، لذلك ليس من المستغرب ألّا تعير الحكومة أي اهتمام بالمزيد من الأضرار بالإنتاج، فسياساتها أصلاً تعمل على تقويضه بما يحقق مصالح كبار أصحاب الأرباح، وصولاً إلى اللامبالاة بالأمن الغذائي، بل والتضحية به!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118
آخر تعديل على الأحد, 16 نيسان/أبريل 2023 22:57