التحول للري الحديث ومصالح أصحاب الأرباح!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

التحول للري الحديث ومصالح أصحاب الأرباح!

ناقش مجلس الشعب خلال جلسة بتاريخ 29/3/2023 مشروع قانون إحداث صندوق تمويل المشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث، ليحل محل الصندوق المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 91 لعام 2005.

فهل سيتمكن مشروع القانون الجديد من حل مشكلة عدم التمكن من تحقيق الغاية المرجوة من الصندوق المحدث سابقاً، والمتمثلة بتعميم التحول للري الحديث، وتذليل الصعوبات والمعيقات أمام المزارعين للاستفادة من ميزاته؟!

لا جديد واضحاً!

بحسب وكالة سانا، حول ما تم النقاش به في مجلس الشعب من حيثيات بعض المواد، فقد ورد التالي: «تشكل لجنة عليا للتحول إلى الري الحديث، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء الزراعة والإصلاح الزراعي والموارد المائية والمالية والصناعة والاقتصاد والتجارة الخارجية، ورئيسي هيئة التخطيط والتعاون الدولي والاتحاد العام للفلاحين، ومعاون وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، ومدير الصندوق المحدث.. وتتولى اللجنة وفقاً للمواد، إقرار الخطة السنوية للمشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث، وتتبع تنفيذها، واتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة صعوبات التنفيذ، وإقرار المناطق المطلوب تحويل المساحات المروية فيها إلزامياً إلى الري الحديث، وتعديل رأس مال الصندوق، ومدة التسديد وشروط المنح».
ما سبق أعلاه لا جديد فيه بالمقارنة مع حيثيات الصندوق المعمول به بموجب المرسوم 91 لعام 2005!
فاللجنة العليا للتحول للري الحديث مشكّلة مسبقاً بموجب المرسوم التشريعي، وكذلك مهامها المبوبة في متنه، بما في ذلك «إقرار المناطق المطلوب تحويل المساحات المروية فيها إلزامياً إلى الري الحديث»!
ليبقى الجديد المعلن من المشروع المزمع يتمثل بتعديل رأس مال الصندوق، ومقدار القرض، ومدة التسديد، وشروط المنح، وهو ما لم يتم توضيح تفاصيله بعد!

تفاصيل سارية المفعول

يشار بهذا الصدد إلى أن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي أعادت العمل بالمشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث في عام 2021 بعد أن توقف لأكثر من 8 سنوات.
وعن آلية الإقراض من الصندوق المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 91 لعام 2005 فهناك قروض يتحمل المستفيد منها 60% من قيمة شبكة الري ويسددها على أقساط لمدة 5 سنوات، بينما يتحمل صندوق الري الحديث الـ 40% المتبقية من القرض، كما توجد قروض نقدية يتحمل المزارع المستفيد منها 50% والصندوق 50%.
ومن ضمن الوثائق المطلوبة للحصول على قرض التحول إلى الري الحديث من المصرف الزراعي التعاوني ما يلي:
مستند حيازة لمكان المشروع- استمارة القرض مستكملة البيانات مرفقة بالكشف المسبق (من المصرف) - بيان بالملاءة المالية من الأموال المنقولة وغير المنقولة تغطي قيمة القرض (ترفق ببطاقة الاستعلامات) - رخصة نصب جهاز نضح المياه سارية المفعول التي لم يمض عليها أكثر من عام- دراسة فنية للشبكة من قبل الشركة ومعتمدة من إدارة المشروع- الضمانة المناسبة.
وبالتالي فإن الصندوق المحدث بالمرسوم التشريعي رقم 91 لعام 2005 ما زال ساري المفعل ويتم العمل به، لكن لم تتحقق الغاية منه على ما يبدو لتعميم التحول إلى الري الحديث وذلك لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال بعض الاشتراطات المطلوبة من أجل الحصول على القرض كما هو مبين أعلاه، وخاصة موضوع الآبار وترخيصها، بالإضافة إلى بعض المشكلات المرتبطة بالشركات المعتمدة من قبل المصرف الزراعي، وهو ما سنأتي على بعض تفاصيله!

الخطط المتفائلة والتنفيذ المتواضع!

ورد عبر وكالة سانا بتاريخ 22/12/2022، وفقاً لمدير الصندوق المهندس هاني حمادة، ما يلي: «بلغت المساحة التي تم تحويلها للري الحديث نحو 2205 هكتارات وبميزانية تبلغ 22 ملياراً و50 مليون ليرة ضمن الخطة الإنتاجية لصندوق تمويل المشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث لهذا العام».
وأوضح مدير الصندوق أنه «تم تنفيذ 279 شبكة ري حديث هذا العام وبمساحة إجمالية حوالي 600 هكتار بمبلغ قدره 8,1 مليارات ليرة، منوهاً إلى أنه تم تكليف فروع الصندوق في المحافظات للقيام بندوات بالتعاون مع دوائر الإرشاد الزراعي في مديريات الزراعة لتعريف الفلاحين بمزايا التحول إلى الري الحديث والميزات التي يقدمها الصندوق في هذا المجال».
الأرقام أعلاه تعني أن نسبة المساحة المنفذة من الخطة لعام 2022 تبلغ 27% تقريباً، والكلفة التقريبية للشبكة المنفذة كانت بحدود 29 مليون ليرة، وتغطي مساحة بحدود 2 هكتار وسطياً، بينما في المخطط كان من المفترض أن تكون تكلفة الشبكة التي تغطي نفس المساحة بحدود 20 مليون ليرة، بزيادة وقدرها 9 ملايين ليرة لكل شبكة!
فهل الفارق بين المخطط والمنفذ أعلاه، مساحة وتكلفة، مرتبط بتعريف الفلاحين بمزايا التحول إلى الري الحديث والميزات التي يقدمها الصندوق فقط، أم بقضايا أخرى أهم؟!

فرصة للمزارعين.. ولكن!

بحسب بعض المزارعين فإن التحول للري الحديث هام وضروري، وخاصة في ظل متغيرات الظروف المناخية وعوامل الجفاف وقلة المياه، المترافقة مع عدم توفر حوامل الطاقة (الكهرباء- المازوت) اللازمة لضخها من الآبار أو من المصادر الأخرى، وتكاليفها المرتفعة!
وبالنسبة للغالبية من هؤلاء فإن الاستفادة من الصندوق وميزاته يعتبر فرصة، خاصة بعد تذليل بعض الصعوبات مؤخراً بما يخص الملكيات، من خلال السماح بقبول كفالة الاتحاد العام للفلاحين في حال عدم قدرة المستفيد على تقديم الكفالة العقارية التي كان يطلبها المصرف الزراعي التعاوني.
لكن المشكلة الهامة المستمرة بالنسبة إليهم تتمثل بشقين، الأول له علاقة بمصادر المياه والآبار، والثاني له علاقة بالشركات المصنعة لشبكات الري التي يتم التعاقد معها من قبل المصرف الزراعي التعاوني!
ولعل ذلك من أسباب عدم توافق المخطط مع المنفذ بحسب المعطيات الرسمية المذكورة أعلاه عن عام 2022!

شركات محظوظة ومحظية!

تراجع عدد الشركات المصنعة لشبكات الري الحديث خلال سنوات الحرب والأزمة وبسببها، بحيث أصبحت لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بعد أن كانت أكثر من 50 شركة!
فعلى الرغم من الامتيازات التي حصلت عليها الشركات المتبقية بما يخص تأمين بعض مستلزماتها، وخاصة المحروقات، وعلى الرغم من اعتماد دراساتها من ضمن الشروط لمنح القروض للمزارعين، وعلى الرغم من ضمانها لأرباحها «من رأس الكوم» كما يقال من هذه القروض، إلا أن مشكلاتها تنعكس على المزارعين، وعلى الخطط الموضوعة لتوسيع مساحات الأراضي المستهدفة بالري الحديث اعتماداً على شبكاتها!
ولعل المشكلة الأهم بالنسبة للمزارعين تتمثل بمدة الكفالة للشبكة التي يتم التعاقد على الاقتراض من أجل تركيبها مقابل تكلفتها!
فالعمر الافتراضي للشبكة هو 7 سنوات ومن المفترض أن ضمان الكفالة يشملها، بينما في واقع الحال فإن سوء المواصفة والجودة يجعل العمر الواقعي للشبكات المنفذة لا يتجاوز 4-5 سنوات على أبعد الحدود، بحسب بعض المزارعين، ما يعني أن الجدوى الاقتصادية منها تصبح غير مشجعة لهم!
والنقطة الأخرى هي ذريعة متغيرات أسعار الصرف بالنسبة للشركات المنفذة، والتي تنعكس على الدراسة التي يتم التقدم بها، إعاقة أو زيادة في تكاليفها، أو اختلاف هذه التكاليف بين وقت تقديمها بموجب الدراسة ووقت الحصول على القرض!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الشركات المتبقية تعتبر محظوظة من قلة المنافسة، وبالتالي فإن تدني الجودة والمواصفة مقابل تخفيض التكاليف يضمن لها الحصول على المزيد من الأرباح، وهو ما يجري، وهي محظية أيضاً باعتبارها معتمدة لتسويق إنتاجها عبر القروض الممنوحة للمزارعين، تحت عنوان تشجيع التحول للري الحديث، مع ضمان حصتها من الأرباح طبعاً، وخاصة مع إجراءات الإلزام المعمول بها في بعض المناطق والأراضي، وبحسب نوع المحاصيل المستهدفة!

الآبار غير المرخصة!

من المعروف أن غالبية الآبار التي يعتمد عليها المزارعون لسقاية مزروعاتهم غير مرخصة، وعددها بالآلاف في مختلف المناطق والأراضي الزراعية، ومن الصعوبة الحصول على تراخيص لها لأسباب كثيرة وعديدة، وهي لا تخلو من عوامل المحسوبية والفساد، وبالتالي فإن الشرط المرتبط بها يحول دون تمكن هذه الغالبية من الحصول على القرض اللازم للتحول للري الحديث!
بالمقابل تجدر الإشارة إلى أن مشكلة هدر المياه الجوفية وكثرة الآبار المخالفة وغير المرخصة، كذريعة مساقة، أو كمبرر مشروع، لا تقتصر على المزارعين ومتطلبات ري أراضيهم الزراعية، بل الأهم هي كثرة الآبار التي يتم غض الطرف عنها، والمنتشرة في كل المزارع والفلل الخاصة بأصحاب الثروة والمحسوبيات والنفوذ في البلاد، وهي ما يمكن اعتباره هدراً حقيقياً للمياه!
وبالحديث عن الآبار تجدر الإشارة إلى أن تشغيلها بات مكلفاً بالنسبة للمزارعين بسبب ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة، وخاصة المازوت، فهذه الآبار غير مخصصة بالمازوت، ما يعني تكاليف إضافية يتحملها المزارع من أجل عمليات الري، سواء كان بالأسلوب القديم أو الحديث!
أما الكارثة بالنسبة للمزارعين فهي موضوعة الإلزام بالري الحديث في بعض المناطق، ما يعني دفع البعض للتخلي عن الزراعة وهجرة الأرض، بسبب عدم التمكن من ترخيص الآبار التي يعتمدون عليها في عمليات السقاية، ولأسباب أخرى تتعلق بمصادر المياه الأخرى البديلة، المتحكم بها نفوذاً وفساداً في كثير من الأحيان، مع كل ما يعنيه ذلك من سلبيات على مستوى المزيد من تراجع الإنتاج الزراعي (نباتي- حيواني)، والمزيد من ارتفاع أسعار هذا الإنتاج، والضغط لترميم نقص حاجة السوق عبر عمليات الاستيراد، أي المزيد من الإفقار والجوع كنتيجة حتمية، في حلقة مفرغة تبدأ ولا تنتهي بكوارثها المتراكبة على المزارعين والمستهلكين والاقتصاد الوطني عموماً!
فمع أهمية مشاريع التحول للري الحديث، وضرورة توسيعها وتذليل صعوباتها من أجل تعميمها (إرادياً ودون إلزام بها طبعاً) لكن بحال لم يتمكن مشروع القانون الجديد المزمع من تلافي المشكلات أعلاه وحلها من جذورها فإن التحول للري الحديث لن يحقق الغاية المرجوة منه، ولو تضمن الإلزام فيه!

لا تناقض.. فالهدف مصالح أصحاب الأرباح فقط لا غير!

إن مشروع التحول للري الحديث وفقاً لما هو معمول فيه يبدو وكأنه يتضمن شكلاً من أشكال الدعم المباشر للمزارعين، على العكس من كل إجراءات تخفيض الدعم الجارية والجائرة بحق المزارعين والإنتاج الزراعي عموماً، وخاصة ما يتعلق بالأسمدة والمحروقات وبقية مستلزمات الإنتاج الزراعي، حيث تبدو هذه الإجراءات متناقضة مع التسهيلات والامتيازات والإعفاءات الممنوحة من الصندوق (القديم أو المزمع)!
لكن لا تناقض من كل بد، فما هو واضح، وكما هو مبين أعلاه، فإن المستفيد من الصندوق، ومن مشروع التحول للري الحديث، هي شريحة أصحاب الأرباح (الشركات المصنعة لشبكات الري الحديث- أو المتبقي منها) على حساب المزارعين والإنتاج الزراعي، وعلى حساب خزينة الدولة والاقتصاد الوطني، تماماً كما هو حال المستفيدين من كل إجراءات تخفيض الدعم الجارية والمستمرة على قدم وساق، بل من كل السياسات المنحازة لمصالح كبار أصحاب الأرباح، المتحكمين بحركة أسواق السلع والخدمات (نوعاً وكماً وسعراً ومواصفة)، والمهيمنين على الاقتصاد بما يحقق مصالحهم فقط لا غير، برعاية وتغطية الحكومة!
وبكل اختصار إن لم يتم تغيير جملة السياسات المحابية لأصحاب الأرباح، والضامنة لمصالحهم على حساب مصالح الغالبية المفقرة والمصلحة الوطنية، فلا زراعة ولا إنتاج ولا اقتصاد وطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1116
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 12:10