وزارة التخلي عن المهام والظهور الإعلامي
سمير علي سمير علي

وزارة التخلي عن المهام والظهور الإعلامي

هناك مقولة رائجة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومنذ أن كان اسمها «وزارة التموين» في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكانت متداولة في أوساط العاملين في هذه الوزارة بمختلف مستويات مسؤولياتهم، عندما كانت هناك مسؤوليات ومتابعة جادة بها، ولو نسبياً، بأنها: «وزارة مصلحة المواطن»!

أما الآن فلم يعد يعلم المواطن ما هي مهمة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالضبط، ولماذا هي موجودة أصلاً بعد تغييب مصلحته، بل إن الكثير من العاملين في هذه الوزارة وجهاتها التابعة لا يعلمون ما هي المهام والواجبات المتبقية بعهدتها؟!

المهام المفترضة!

فمسؤوليات هذه الوزارة، وواجباتها ومهامها الكثيرة والكبيرة، تبدأ مع استيقاظ المواطن، ولا تنتهي عند نومه!
فهذه الوزارة، كما هو مفترض وباختصار، معنية مباشرة بالأسواق والمحال (ترخيصاً وفتحاً وإغلاقاً)، وبالسلع والمواد (نوعاً وتنوعاً وكماً وسعراً ومواصفةً وجودةً)، وبرغيف الخبز (توفراً وكفاية، وبمواصفة وجودة جيدة)، وتدخلاً إيجابياً لتوفير الكثير من السلع والمواد (استقراراً للأسعار، مع الحفاظ على الجودة، ومنعاً للاحتكار)، ولها الصلاحيات الكافية قانوناً لتنفيذ هذه المهام، مع الكثير من المهام الأخرى التي تعني المواطن بشكل مباشر، وبكل لحظة من يومه، بما يخص احتياجاته ومستلزماته وخدماته!
فماذا بقي من كل هذه المهام المفترضة؟!

مهام تمّ التخلي عنها تباعاً!

الوزارة تخلت عن الكثير من مهامها ومسؤولياتها تجاه المواطنين ومصالحهم تباعاً، خلال العقود والسنين الماضية، توافقاً مع سياسات اللبرلة المعتمدة، والمتمثلة بتحرير الأسعار والأسواق!
فعلى مستوى توفير المواد والسلع في الأسواق فإن هذه المهمة أصبحت محصورة بشريحة كبار التجار والمستوردين، بما في ذلك التشكيلة السلعية المتوفرة في السورية للتجارة، مؤسسة التدخل الإيجابي افتراضاً!
وعلى مستوى التسعير تعتمد الوزارة على ما يتم تقديمه لها من تكاليف من قبل الفعاليات الاقتصادية (أصحاب الأرباح)، لتضيف إليها هوامش الربح لحلقات التجارة فقط لا غير!
وعلى مستوى الرقابة على الأسواق، فقد سبق أن اعترفت بضعف قدرتها على ذلك، نتيجة قلة عدد المراقبين وتوسع الأسواق وزيادة أعداد المحال، مع تجيير هذه المهمة على المواطنين عبر الشكاوى!
وعلى مستوى التدخل الإيجابي، بما يخص توفير بعض المواد والسلع، فهي غالباً ما تستيقظ متأخرة على هذه المهمة، ومع ذلك تعتمد بتنفيذها على المستوردين، وفي بعض الأحيان على المنتجين!
وعلى مستوى تخفيض الأسعار فقد أقرت بأن هذه ليست من مهامها بموجب القانون، بحسب تصريح الوزير نفسه!
وعلى مستوى ما تبقى من مواد «مدعومة» (سكر- رز) فقد أصبح عملها موسمياً، حيث يتم فتح باب توزيع المخصصات عبر السورية للتجارة كل 4 أشهر في أحسن الأحوال، تكريساً لسياسات تخفيض الدعم، كماً وسعراً!
وعلى مستوى رغيف الخبز، وبالإضافة لما أصابه من تخفيض للدعم، فقد تردى حاله وساء، مع تكالب شبكات السوق السوداء عليه، بالضد من مصلحة المواطن!
فماذا بقي من مهام وواجبات بمسؤولية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بعد كل هذا التخلي الرسمي عن مهامها وواجباتها تباعاً؟ وأين مصلحة المواطن بعد كل ذلك؟!

تناقض رسمي وعلني!

بعد كل ما سبق تتناقض الوزارة مع ذاتها علناً، أمام المواطنين وعبر وسائل الإعلام، لتظهر وكأنها صاحبة مهام وواجبات، وتقوم بما عليها!
فمثلاً، وحول نشرة الأسعار الصادرة مؤخراً للكعك والصمون، وضحت الوزارة عبر صفحتها بتاريخ 11/3/2023، ما يلي: «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم تقم برفع أسعار الكعك والصمون، وإنما خفضتها من خلال تحديد سعر المبيع.. وعلية فإن القرار الصادر عن الوزارة يعتبر مخفضاً للسعر، وليس رفع أسعار، مع العلم أن السعر وضع بالتوافق مع جمعية الخبازة، وعدد من أصحاب المخابز، وبناء على دراسة الكلفة الحقيقية مع هامش الأرباح»!
بالمقابل، وخلال اجتماع موسع لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع جميع المدراء في المحافظات (السورية للتجارة، المخابز، التجارة الداخلية) بتاريخ 6/3/2023، وبحضور بعض وسائل الإعلام، قال الوزير: «وزارة التجارة الداخلية تقوم بالتسعير بناء على الكلف الحقيقية، وبالقانون هي مسؤولة عن توافر المواد في الأسواق، وليس خفض الأسعار»!
فالوزارة التي تعتبر أن تخفيض الأسعار ليس من مهامها قانوناً، تزاود على المواطنين بنفس الوقت، بأنها خفضت سعر الكعك والصمون، وهي لم تقم بذلك عملياً، ولا تخفي بآن بأن الأسعار المعتمدة من قبلها تتم بالتوافق مع أصحاب الفعاليات المعنيين (أصحاب الأرباح)، واستناداً إلى تكاليفهم!
فهل من تناقضٍ علني ومفضوح أكثر من ذلك؟!

المشكلة ليست بتوفر المواد بل بأسعارها ومواصفاتها!

حديث الحكومة والوزارة عن مهام توفير المواد والسلع في الأسواق، وكأنها من المهام الكبيرة، ليس جديداً، فهي تعيد وتكرر ذلك، مع العلم أنه لا مشكلة جدية في التشكيلة السلعية المتوفرة في الأسواق، ناحية التنوع والكم!
فالأسواق مغرقة بالسلع والمواد من قبل كبار الحيتان المتحكمين فيها، وليس للوزارة وجهاتها التابعة أي دور يذكر بهذا الصدد، ولا مشكلة في كمّها وتوسع تشكيلتها، بل المشكلة الفعلية في أسعارها المرتفعة، ومواصفتها وجودتها المتدنية!
فالأسعار متحكم بها من قبل كبار أصحاب الأرباح، مع التخلي الرسمي عن هذه المهمة «التسعير»، حيث أصبحت بأيديهم ولمصلحتهم، كما ورد أعلاه!
فأصحاب الأرباح هم من يقومون بتسعير المواد والسلع والخدمات في الأسواق، وبأحسن الأحوال يقدم هؤلاء ما يسمى «التكاليف» للوزارة كي تعتمدها مع هوامش ربحها المقرة، والنتيجة، هي حال الفلتان السعري القائم في الأسواق، مع كل عوامل النهب والاستغلال فيه!
أما الجانب الآخر، وهو الأخطر، متعلق بالمواصفة والجودة، فعلى الرغم من أن التشكيلة السلعية المتوفرة في الأسواق كثيرة ومتنوعة، لكن ما يغلب عليها أنها سيئة ناحية الجودة والمواصفة، والمتحكمون بالأسواق من أصحاب الأرباح هم من يزودون الأسواق بهذه السلع المتدنية بالمواصفة والجودة، كي يزيدوا من معدلات أرباحهم الاستغلالية!
فالسلع الغذائية تتراوح جودتها ومواصفاتها من الجيدة وصولاً إلى عدم صلاحيتها للاستهلاك، مع ما يترتب على ذلك بالنسبة للمواطن، إما تحمّل عبء السعر الأعلى المقترن بالجودة «غير المضمونة»، أو تحمل نتائج السعر الأدنى على حساب صحته، وربما حياته!
والسلع غير الغذائية كذلك الأمر، وخاصة ما يسمى بالسلع المعمرة، التي لم تعد كذلك، فمواصفتها وجودتها أصبحت متدنية إلى درجة خروجها من هذا التصنيف، ومن يدفع ضريبة ذلك هو المواطن طبعاً، خاصة مع انعدام الرقابة الجدية، وزيادة معدلات الفساد والاستغلال!

سكروها أحسن!

والنتيجة، أن الوزارة تحللت من مسؤولياتها ووجباتها تجاه المواطنين، وخاصة المفقرين، وتركت هؤلاء تحت رحمة السوق والمتحكمين فيه من كبار أصحاب الأرباح، على مستوى تحكمهم بالأسعار وصولاً لانفلاتها، وعلى مستوى المواصفة والجودة، التي وصلت إلى مستوى بعض الغذائيات لأن تكون غير صالحة للاستهلاك!
ونختم بما قاله أحد المواطنين عن الوزارة: «سكروها ووفروا مصاريفها.. لأنها صارت وزارة التجار ونهب المستهلك مو حمايته»...!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1113
آخر تعديل على الإثنين, 13 آذار/مارس 2023 10:53