حوامل الطاقة ومسلسل زيادة أسعارها رسمياً!
صدرت خلال الفترة القريبة الماضية زيادة رسمية على سعر المازوت الصناعي، وكذلك زيادة رسمية على سعر البنزين أوكتان 95، في حلقات جديدة متتابعة ومتتالية في مسلسل زيادة أسعار المشتقات النفطية رسمياً، وعلى ما يبدو إن هذه الحلقات ستُستكمل على بقية هذه المشتقات، بل وعلى كل حوامل الطاقة، كما عودتنا الحكومة في سيناريوهاتها!
فبالتوازي مع نقص مادة البنزين والمازوت في الكازيات مؤخراً، وزيادة المدة الفاصلة بين موعدي استلام المخصصات للسيارات الخاصة والتكاسي وللسرافيس، فقد أعلن وزير الكهرباء عن وجود دراسة لزيادة أسعار الكهرباء على الشرائح التجارية والصناعية!
ما يجري هو جزء جديد من مسلسل رفع أسعار كافة حوامل الطاقة بحلقاته المعادة والمكررة، وبمبرراته وذرائعه الممجوجة والمستهلكة، والذي بات مسلسلاً رسمياً مقيتاً، يحمل في طياته المزيد من الظلم والجور للمواطنين، بالإضافة إلى نتائجه الكارثية على الإنتاج والعملية الإنتاجية، وعلى الاقتصاد الوطني عموماً!
بين النفي والوقائع!
فعلى الرغم من النفي الذي صدر عن «مصدر مطلع في وزارة النفط» بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 9/3/2023، أنه: «ليس هناك أية دراسة أو نية لرفع أسعار البنزين المدعوم على الإطلاق»، إلا أن واقع نقص المادة في الكازيات واضح، وهو ما أكده «المصدر المطلع» حيث قال: «إن النقص الحاصل في بعض المحطات يعود إلى واقع توافر المادة حالياً، وليس له أية علاقة بالسعر»!
فواقع الحال يقول إن انتظام توزيع مادة البنزين اختلف على مستوى زيادة المدة الفاصلة بين توزيعين للمخصصات بالنسبة للسيارات العامة والخاصة، وهذا الأمر لم يقتصر على مخصصات مادة البنزين، بل شمل أيضاً مخصصات المازوت للسرافيس ووسائل النقل والمواصلات!
فبعد شكاوى سائقي السرافيس في دمشق حول عدم توفر مادة المازوت المخصصة للمواصلات، أكد مدير شركة محروقات، بحسب أحد المواقع الإعلامية، أن «هناك قلة في التوريدات، وهي مشكلة آنية ستحل خلال فترة قريبة».
ما سبق أعلاه يعني أن مشكلة التوافر معممة على المشتقات النفطية (بنزين- مازوت)، على العكس من بعض التصريحات الرسمية التي تقول إن التوريدات منتظمة، وعلى العكس مما يتم الإعلان عنه بين الحين والآخر عن وصول النواقل المحملة بهذه المشتقات على اختلاف أنواعها!
التمهيد الذي يسبق الزيادة السعرية!
بات من الواضح بالنسبة للمواطنين أن عمليات التمهيد لزيادة أسعار المشتقات النفطية (بنزين- مازوت) تسير على قدم وساق كالعادة، ووفقاً لنفس السيناريو الحكومي الممجوج المعاد والمكرر في كل مرة، بداية من نقص المادة، مروراً بنفي زيادة السعر عليها، ثم تفاقم أزمة توفرها، وصولاً إلى اتخاذ قرار زيادة السعر رسمياً، الذي يقترن بالمبررات والذرائع المكررة، مع الوعود بحل مشكلة الوفرة.. وهكذا في مسلسل ممل بحلقاته، كارثي بنتائجه!
أسعار الطاقة الكهربائية تسير على التوازي أيضاً!
خلال حديث لوزير الكهرباء، في لقاء عبر إذاعة المدينة إف إم بتاريخ 8/3/2023، أشار إلى: «وجود دراسة حالياً لرفع أسعار الكهرباء وتعديلها للشرائح التجارية والصناعية، لكنها لا تشمل الشرائح الدنيا من المستهلكين».
حديث الوزير أعلاه ليس تمهيداً، بل هو إعلان رسمي عن النية في زيادة أسعار الطاقة الكهربائية في القريب العاجل، أما الفرز بين التجاري والصناعي، وبين شرائح الاستهلاك الدنيا فهو لذر الرماد في العيون..
فحتى لو لم يتم زيادة أسعار الكهرباء بالنسبة للشرائح الدنيا بشكل مباشر فإن الزيادة التي ستتم على الصناعي والتجاري ستُجبى بالمحصلة من جيوب المواطنين!
فالتكاليف التي ستزيد على القطاعات التجارية والصناعية من خلال زيادة أسعار الطاقة الكهربائية عليها سيتم تحمليها على السلع والمواد المنتجة، كما على الخدمات المقدمة، ما يعني أننا مقدمين على مسلسل لزيادة أسعار السلع والمواد والخدمات في الأسواق!
بل لقد بدأت هذه الزيادات فعلاً منذ الإعلان الرسمي عن نية الزيادة من قبل الوزير، وقبل صدورها رسمياً!
وقد سبق ذلك زيادات سعرية بسبب رفع سعر المازوت الصناعي، مع الأخذ بعين الاعتبار كثرة مبررات وذرائع الزيادات السعرية، والفوضى السوقية السائدة، والتي يتم حصاد نتائجها من جيوب المواطنين وإلى جيوب كبار أصحاب الأرباح دائماً وأبداً!
مزيد من النتائج الكارثية!
من المعلوم أن زيادة أسعار المشتقات النفطية، وحوامل الطاقة عموماً، تعني مزيداً من تخفيض الدعم عليها عملياً، وهي تنعكس مباشرة وبشكل رئيسي على الإنتاج، كما على الأسعار في الأسواق، للسلع والمواد والخدمات!
ومن المعلوم كذلك أن هذه الزيادات سيتم تحميلها بالنتيجة للمواطنين، بشكل مباشر وغير مباشر، أي المزيد من الضغوط عليهم!
فرفع أسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة بالنسبة للصناعيين، وبالنسبة للإنتاج عموماً، وبالنسبة للقطاعات التجارية والخدمية، تعني زيادة التكاليف التي تزيد وتعمق مشكلاته العملية الإنتاجية، وصولاً إلى زيادة في أسعار المنتجات التي تتم جبايتها من جيوب المستهلكين، والتي تؤدي إلى مزيد من تراجع معدلات الاستهلاك من قبلهم، الضعيفة مسبقاً، والمزيد من ضعف الطلب بالمحصلة، ما ينعكس سلباً على دورة الإنتاج، والتي تؤدي بالتالي إلى مزيد من تراجع العملية الإنتاجية أو توقفها، وخروج بعض المعامل أو القطاعات من العملية الإنتاجية، وهذا ينطبق على القطاع الصناعي والزراعي والحرفي، وبكافة فروع الإنتاج.. وهو ما جرى ويجري تباعاً حتى الآن!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن زيادة الأسعار لا تقف عند حدود المنتجات (سلع ومواد) فقط، بل تمتد إلى كافة الخدمات، اعتباراً من النقل والمواصلات، وصولاً إلى الصحة والطبابة والتعليم و..
فعملية الاستنزاف، من خلال حوامل الطاقة فقط، مستمرة على كافة المستويات، والمتضرر منها، بالإضافة إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية هو المواطن المنهك سلفاً بمعيشته وخدماته!
كبار حيتان الاستفادة!
إن المسلسل الخاص بتوفر حوامل الطاقة وبأسعارها، بحلقاته المتتابعة وأجزائه غير المنتهية، لا يخرج عن سياق سيناريوهات السياسات الليبرالية المتبعة رسمياً منذ عقود وحتى الآن، وبإخراج حكومي فاشل بانحيازه المفضوح لمصلحة كبار أصحاب الأرباح على طول الخط، نهباً وفساداً واستغلالاً ونفوذاً، واستنزافاً للعباد والبلاد..
فأطراف الاستفادة من هذا المسلسل الرسمي، المقيت بحلقاته وأجزائه، وبغض النظر عن كل مبرراته وذرائعه المَسُوقة، هم كبار أصحاب الأرباح، المتمثلين اختصاراً بشريحتين أساسيتين، متداخلتين ومتكاملتين في عملهما:
الأولى شريحة القائمين على السوق السوداء للمشتقات النفطية وحوامل الطاقة، الذين يقومون بسد العجز الرسمي عن توفير حوامل الطاقة، مع فرض أسعارهم ونسب أرباحهم الكبيرة، ومع مقدرتهم على توفير كل ما يلزم من كميات وأنواع منها!
والثانية شريحة القائمين على عمليات الاستيراد، الذين من مصلحتهم ضرب وتقويض الإنتاج بكل قطاعاته وفروعه، كي تتاح لهم الإمكانية لزيادة حصتهم السوقية من مواد وسلع الاستهلاك، مع فرض هوامش ربحهم الإضافية بمبرراتها وذرائعها المتكاثرة!
ومن المفروغ منه أن طموح هؤلاء لا يقف عند حدود سد النقص في بعض المواد والسلع، بل استكمال سيطرتهم الكاملة على السوق (توريداً وتوزيعاً وبيعاً- كماً وسعراً ونوعاً ومواصفة) وخاصة على حساب وقف الإنتاج، الصناعي أو الزراعي، مع كل الرعاية الحكومية طبعاً، وبغض النظر عن مصلحة المنتج والمستهلك، والاقتصاد الوطني، والمصلحة الوطنية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1113