المواطن «غير العقلاني» مذنب دائماً!
سمير علي سمير علي

المواطن «غير العقلاني» مذنب دائماً!

لا يكفي أن النمط السائد للحديث الرسمي بات يتضمن التهرب والتحلل من المسؤولية حيال واقع الكهرباء (وبقية حوامل الطاقة) السيء والمتردي، بل بات يتضمن أيضاً تكريس تجيير المسؤولية على المواطن «غير العقلاني» في استخدامه لها!

فقد بيّن معاون وزير الكهرباء في تصريح خاص لـ«تشرين» بتاريخ 27/11/2022 أن: «كمية توليد الكهرباء كانت قبل الحرب ما بين 8000 و8500 ميغاواط، وأصبحت الآن وسطياً بحدود 2000 ميغا، وتالياً: كمية النقص في التوليد وصلت لـ 80% تقريباً».
وأوضح أيضاً أن: «ترشيد الطاقة الكهربائية هو الاستخدام العقلاني والصحيح للشبكة الكهربائية، وفي ظل الظروف الصعبة، ولاسيما من ناحية وجود نقص في كميات الطاقة، ينبغي على أي شخص لديه الآن حوامل الطاقة من «كهرباء، مازوت، بنزين..» أن يستخدمها بالشكل الصحيح والعقلاني، وهذا الكلام لا يعني أننا ندعو من هو بحاجة لاستخدام حوامل الطاقة ألّا يستخدمها، فالجميع بحاجة للتدفئة والطهو والغسيل والاستحمام، ولكن بالشكل الصحيح والعقلاني، المطلوب، هو الترشيد بغض النظر عن كميات الطاقة المتاحة سواء في أوقات البحبوحة أو الضيق».
الحديث أعلاه (بغض النظر عما يُساق رسمياً من ذرائع ومسوغات الحجم المنخفض من التوليد) لا جديد بمضمونه، فهو من باب تكرار التبرير الذرائعي لحال التقنين الجائر ليس إلا، مع توقع المزيد منه!
أما القديم المستجد فهو الحديث عن «الاستخدام العقلاني للشبكة الكهربائية»، وعن «الترشيد» و«أوقات البحبوحة والضيق»!
فعن أي ترشيد أو عقلانية يجري الحديث هنا بظل واقع وَصْلٍ كهربائي قد لا يستمر لمدة ساعة واحدة، بأحسن الأحوال، بعد فترة قطع تستمر إلى 7 ساعات متواصلة، وأحياناً أكثر من ذلك بكثير، وهو واقع الحال المعمم حالياً؟!
وأية بحبوحة أصلاً مع حجم توليد معترف به بحدود 2000 ميغا فقط؟!
فواقع الضيق (بكل حوامل الطاقة) هو السائد والمستمر، بل مع مزيد من الضيق الذي لا يمكن معه الحديث عن الترشيد فيها إلا من باب التهكم، أو المزاودة على العباد!
تضاف إلى ذلك أساليب التضييق «المفتعل» على حوامل الطاقة، لمصلحة السوق السوداء، بما يخص المشتقات النفطية، ومزيد من الخصخصة في قطاع الكهرباء!
فخلاصة الحديث «العقلاني» الرسمي أعلاه، تعني أن المواطن هو المذنب الوحيد بحال ومآل الضيق بحوامل الطاقة، باعتباره «غير عقلاني»، وعليه تحمل جريرة لا عقلانيته في تبذيرها بمزيد من ساعات التقنين، والتضييق الإضافي عليه، وصولاً إلى تكريس اضطراره إلى اللجوء للسوق (الحرة والسوداء) والبدائل التي يتيحها، وهو ما يجري عملياً..
وبالتالي، فإن كل حديث آخر من المواطن، المتضرر والمنهوب والمسحوق، عن سياسات الحكومة ومسؤولياتها وواجباتها، بما يخص معاشه وخدماته، سيدخل ضمن سياق لا عقلانيته طبعاً، وذلك بحسب الاعتبارات الرسمية بمثالها الفاقع والفج أعلاه!
فهل من «عقلانية» رسمية في طرح المشكلات والأزمات، دون حلها طبعاً، أعمق من ذلك؟!
السؤال حكماً ليس برسم المواطن، باعتباره مشكوك بعقلانيته رسمياً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1099