لقمة عيش السوريين في بطون الحيتان
مسلسلات رفع الأسعار لم تعد مرتبطة بذريعة أو مبرر، بل أصبحت حالة دائمة ومستمرة ويومية، فمع كل صباح هناك أسعار جديدة للسلع والمواد في الأسواق، فكيف عندما تكون هناك شماعة تعلق عليها مبررات الرفع السعري؟!
فرفع سعر الصرف رسمياً خلال الأسبوع الماضي تبعه مباشرة سلسلة رفع لأسعار السلع والمواد والخدمات في الأسواق، وبما يتجاوز نسبة رفع سعر الصرف، وبالضد من كل الحديث الرسمي عن أن هذا المتغير على سعر الصرف لن يؤثر على أسعار السلع في الأسواق، مع الوعيد بالعقوبات في حال تم تجاوز ذلك!
بمبرر وبدون النتيجة واحدة
مع كل رفع سعري لأية مادة أو سلعة، بشكل رسمي مباشر أو غير مباشر، يتم على التوازي وبسرعة البرق رفع بقية أسعار السلع والمواد في الأسواق، وخاصة في حال كان ذلك على مستوى المشتقات النفطية، ومع كل متغير اقتصادي محلي أو دولي، صغير أو كبير، هناك موجة ارتفاعات سعرية تلحقه، بل أحياناً تسبقه، ومع كل متغير ضريبي أو على رسم ما هناك رفع سعري، وكل ذلك يضاف إلى مبررات العقوبات والحصار، ومبررات متغيرات سعر الصرف المستمرة طبعاً، وهذا ينطبق على أسعار السوق السوداء أيضاً!
وبهذا الصدد، بات الحديث عن الرقابة على الأسواق يُطرق من باب التهكم والسخرية، فلا رقابة ولا من يحزنون!
فكل الحديث الرسمي عن العقوبات عبارة عن كلام إعلامي يفتقد مصداقيته بالواقع العملي، ليبقى المستهلك رهينة عوامل النهب والفساد والاستغلال المنفلتة.
فأسعار السوق لم ولن تتقيد بأية نشرة أسعار رسمية، وكبار الحيتان المتحكمين بالسلع والمواد في الأسواق، كماً وسعراً ونوعاً ومواصفة، بعيدون كل البعد عن أعين الرقابة وأدواتها، فالحملات الرقابية، بحال نفذت، لا تطال إلا صغار بائعي المفرق بالغالب، دوناً عن حيتان الجملة والمستوردين الكبار.
والنتيجة واحدة ومستمرة على مستوى مسلسلات ارتفاعات الأسعار، فهؤلاء الحيتان الكبار الذين ابتعلوا السوق وأرباحه، هم الوحيدون المتحكمون به أولاً وآخراً، مع المزيد من جني هوامش الربح كلما أتيح لهم ذلك!
ماذا تبقّى للبطون الجائعة؟
من المفروغ منه، أن التأثير السلبي الأكبر جراء موجات ارتفاعات الأسعار المتلاطمة يقع على عاتق الغالبية المفقرة، ومن جيوبها، وعلى حساب احتياجاتها، وخاصة الغذائيات، التي وصلت بعد تراجع معدلات الاستهلاك إلى مستويات متدنية جداً، حتى بالكاد أصبحت الأسر تقتات على وجبة وحيدة غير مشبعة يومياً!
وفي ظل واقع الأجور المتدنية جداً، والمحكومة بالسياسات المتبعة، فقد أصبحت أقل ضرورات الحياة غير متاحة بالنسبة للغالبية المفقرة، والتي تجاوزت مرحلة الجوع بأشواط!
فواقع شراء الخضار بالحبة، واللبنة والجبنة بنصف الأوقية، والبيض بالواحدة، والزيت بالرشة، أصبح هو الشكل السائد للتبضع في الأسواق من قبل الغالبية المفقرة، طبعاً مع غياب كُلّي للحوم الحمراء والبيضاء على السواء، والمعلبات والفواكه، من قائمة مشتريات هؤلاء اليومية والشهرية!
يضاف إلى ذلك أن مخصصات الأسرة من المواد المدعومة (سكر- رز) لا تكفي الحاجة الفعلية عملياً، بل حتى مخصصات مادة الخبز أصبحت لا تسد الرمق، وكل ذلك بسبب سياسات تخفيض الدعم الجائرة على هذه المواد، كماً وسعراً.
إنها جريمة بشعة بكل المقاييس تمارس بحق المفقرين، فحتى البيانات التي تتحدث عن تزايد أعداد المحتاجين للمساعدات الغذائية بسبب تردي الوضع المعيشي والتغذية في البلاد أصبحت لا تعبر عن الواقع الذي تجاوزها!
فهل من الممكن أن يتم إشباع البطون الجائعة في ظل هذا النمط من تخفيض الدعم المستمر، وفي ظل هذا التوحش السعري المنفلت الذي تجاوز كل الحدود، وبرعاية رسمية مباشرة غير مباشرة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1089