الحكومة.. عبارات غامضة وتعديلات مبهمة
خلود العاصي خلود العاصي

الحكومة.. عبارات غامضة وتعديلات مبهمة

ناقش مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية بتاريخ 26/7/2022 مجموعة من القضايا، وقد ورد ضمن الخبر، الذي نقل مجريات الجلسة، مجموعة من البنود التي تمّت الإشارة إليها سريعاً، دون إعطاء تفاصيل واضحة حولها.

فقد ناقش المجلس مشروع صك تشريعي بتعديل بعض مواد القانون رقم 24 لعام 2003 وتعديلاته الخاص بالضريبة على الدخل بما يعزز العدالة الضريبية بين المكلفين وتشجيعهم على تقديم بياناتهم الحقيقية.
كما درس مشروع صك تشريعي بتعديل بعض أحكام المرسوم التشريعي رقم 44 لعام 2005 وتعديلاته الخاص برسم الطابع، ومشروع صك تشريعي بتعديل بعض أحكام القانون رقم 2 لعام 2005 الناظم لعمل (المؤسسات، الشركات، المنشآت) العامة ذات الطابع الاقتصادي بهدف مواكبة التطورات والتغيّرات على المكافآت والتعويضات ولتنشيط عمل مجالس الإدارة واللجان الإدارية.

مشاريع غامضة

لدى قراءة الخبر أعلاه حول «نقاش» مجلس الوزراء فإنّ ما ينتظره المواطن السوري ليس العبارات الغامضة والمقتضبة عن مشاريع التعديلات للقوانين المذكورة فحسب، بل إنه ينتظر، ومن حقّه أن يعرف، ماهيّة هذه التعديلات وتفصيلاتها؟ ولصالح من تنفّذ؟
إلّا أن العبارات الفضفاضة والغامضة والمختصرة تبدو وسيلة جيدة لتمرير ما يمكن تمريره، وهو ما درجت عليه الحكومة وجهاتها التابعة في كثير من الأحيان.

العدالة الضريبية

لا بدّ وأنّ هذا المصطلح قد مرّ وتم تداوله مئات بل وربما آلاف المرّات، حيث تُكثر الحكومات المتتابعة الحديث حول مفاهيم مثل (العدالة الضريبية، التهرّب الضريبي، الإصلاح الضريبي، معالجة التراكم الضريبي... إلخ) دون معالجة حقيقية لجوهر ولب هذه المفاهيم، عبر سياسة ضريبية تتضح من خلالها هذه المفاهيم دون لبس، وفقاً لنصوص قانونية تتحقق من خلالها العدالة الضريبية فعلاً، وتحد من إمكانية الالتفاف عليها أو تسخيرها لغير الغاية المخصصة لها، بالمحسوبية والوساطة، أو عبر أدوات ومسارب الفساد.
تجدر الإشارة إلى أنّ وزير المالية في عام 2020 كان قد أكّد أنّ: «السياسة الضريبية الحالية قديمة وبحاجة إلى تحديث»، وقد تبع ذلك الكثير من التصريحات المشابهة خلال السنين الماضية، ولكن حتى حينه ما زال الموظّف محدود الدخل يدفع الضرائب بنسبة تصل إلى حوالي 25% فيما أصحاب الأرباح والشركات الكبيرة يتهربون ضريبياً دون محاسبة جدّية.
وهذا ما يضع عبارة «تعزيز العدالة الضريبية» الواردة أعلاه، عبر الاكتفاء بالإعلان عن تعديل بعض مواد القانون رقم 24 لعام 2003 وتعديلاته دون أية توضيحات، أمام إشارة استفهام، وخاصة في ظلّ ممارسة السياسات الاقتصادية والضريبية نفسها منذ عقودٍ مضت وحتى الآن!
فالعدالة الضريبية كمفهوم عام ليست مرتبطة بنصوص مواد القانون أعلاه فقط، وربما تكفي الإشارة هنا إلى ما تتضمنه بعض القوانين الأخرى من استثناءات وإعفاءات وامتيازات لأصحاب الأرباح، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية.
فالاستمرار في التصريحات التي تؤكد على أهمية «العدالة الضريبية»، دون تنفيذ عملي لذلك عبر تعديل جملة السياسات الاقتصادية والمالية والضريبية التي تحقق هذه الغاية، ليست إلا ذراً للرماد في العيون، وتكريساً لانعدام العدالة الضريبية بالنتيجة!

تعديل رسم الطابع

فيما يخصّ هذه النقطة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الغاية منها هي زيادة هذا الرسم بكل تأكيد، أي زيادة الجباية من جيوب المواطنين، دون الإعلان الصريح عن ذلك، بل الاكتفاء بالعبارة المختصرة أعلاه عن الموضوع، مع العلم أن بعض الرسوم التي يتم تقاضيها عبر الطوابع تتم زيادتها أحياناً دون إعلان.
فعلى سبيل المثال فقد ذكرت صفحة كلية الصيدلة في جامعة دمشق، في منشور لها على صفحتها على فيسبوك مؤخراً، بأنّه من ضمن الأوراق المطلوبة لاستلام مصدقة التخرّج يجب أن يكون هنالك حوالي 96 طابع بحث علمي!
وعند الاستفسار عن هذا العدد الكبير من الطوابع من قبل بعض الطلاب تبين أن قيمة الطابع كانت 25 ليرة، فيما قيمته الفعلية أصبحت اعتباراً من الأول من هذا الشهر 200 ليرة، وعليه فإن كل 8 طوابع قديمة تعادل قيمة طابع واحد جديد، والغاية على ما يبدو هي استنفاذ الكميات المطبوعة بالقيمة القديمة وفقاً للتسعيرة الجديدة، التي صدرت وتم العمل بها ولم يعلم بها الطلاب أصحاب العلاقة إلا عند اضطرارهم للحصول على مصدقات تخرجهم!

الأكثر غموضاً

أما ما يخص الحديث عن التعديلات المزمعة على بعض أحكام القانون رقم 2 لعام 2005 الناظم لعمل (المؤسسات، الشركات، المنشآت) ذات الطابع الاقتصادي، وفقاً للعبارة الغامضة والفضفاضة: «بهدف مواكبة التطورات والتغيرات على المكافآت والتعويضات ولتنشيط عمل مجالس الإدارة واللجان الإدارية»، فربما تكون مروحة التفسيرات لها كبيرة وواسعة في ظل اكتفاء الحكومة بعرضها بهذا الشكل المقتضب!
فإن لم نقل إن أمر التعديلات على القانون أعلاه يعني عموم المواطنين، باعتبار الحديث عن جهات عامة ذات طابع اقتصادي، فبالحد الأدنى فهي تعني العاملين في هذه الجهات بكل تأكيد، فلماذا الغموض والاقتضاب، وفسح المجال للتأويلات والتكهنات؟!
أخيراً نتساءل: هل من الممكن تحقيق تعديلات حقيقية على القوانين تصّب في صالح الناس حقاً، في ظل الاستمرار بالسياسات الاقتصادية نفسها، ووفقاً لهذا الأسلوب الغامض والمبهم من عمل الحكومة، وفي عرض ما تم نقاشه وإقراره من قبلها وفقاً لهذا الشكل؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1081