القيمة الاقتصادية للتنوع الحيوي وتقاسم المنافع
حسب الاتفاقية الدولية لحماية التنوع الحيوي (ريو 1992) فإن من حق الدول التي تمتلك مصادر وراثية سيتم استخدامها في التحسين الوراثي أن يكون هناك تقاسم عادل ومنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية، هو أحد الأهداف الثلاثة الرئيسية للاتفاقية.
في هذه الجملة من الاتفاقية الدولية يوجد تلاعب بسيط في حقوق الانتفاع حيث تربطه بالمستقبل أي ما بعد الاتفاقية وإجراءات أخرى دون الاعتراف أو الإشارة إلى ما تم استغلاله أو «سرقته» من مصادر ورائية قبل الاتفاقية.
وللتاريخ نشير إلى أحداث موجزة........
في العام 1561 زار القنصل الهولندي في استنبول مدينة حلب، وأبدى إعجاباً كبيراً بأزهار التوليب التي تزين حلب فقام بإرسال أبصالها إلى هولندا حيث تمت زراعتها.
في العام 1620 وحسب رواية «الزنبقة السوداء» لألكسندر دوماس قامت مسابقة لأختيار أجمل الأزهار ففازت زنبقة سوداء قام بتربيتها وتهجينها أحد المزارعين، في جبالنا تنمو تلك الأزهار والزنابق السوداء برية بسلام.
الوردة الدمشقية
هناك وردة نعتز بها ونسميها الوردة الدمشقية وهو الاسم العلمي لها، ورد ذكرها في ملحمتي الالياذة والاوديسة للمؤرخ الاغريقي هوميروس وهي اليوم في هنغاريا، هناك اقتصاد يقوم في جزء منه على تلك الوردة وعطورها المستخرجة في صناعات قائمة بحد ذاتها، والغرام من زيت عطرها بأكثر من 5 دولارات.
في كتابه حول شجرة الزيتون بيّن الباحث السوري الدكتور فيليب نصير أن شجرة الزيتون تعود في أصولها البرية إلى شرق المتوسط وأن أقدم الأشجار ربما تكون تلك التي ما زالت تنمو في حصين البحر – طرطوس.
القمح السوري
يعتبر القمح أحد الرموز القديمة للحضارة الإنسانية في ما بين النهرين والهلال الخصيب من حيث تسجيل وجوده منذ آلاف السنين في المواقع الأثرية. الاسم العلمي يتضمن العديد من الأنواع التي ساهمت في بناء النوع المزروع. من السلالات المحلية المزروعة الحوراني، السلموني، اليبرودي، البقاعي، بياضي، بلدي، سويد، حماري. الاستعمال الاقتصادي الأهم هو في صناعة الخبز والمعجنات والأشكال الأخرى من الأطعمة (برغل، فريكة، ..) وتلك التي يستعمل فيها دقيق القمح.
شعير الجنوب
هو الشريك الرئيسي للقمح في مساهمته في حضارة المنطقة، ومن الأصناف المزروعة العربي الأبيض، العربي الأسود، الخشابي. الاستعمال الاقتصادي الأبرز للشعير أنه نبات ذو قيمة علفية هامة ويعتبر على ذلك المورد الأساسي للأعلاف الخضراء والمجففة. مع الإشارة هنا إلى أن المنطقة التي تشكل الحدود السورية الأردنية الفلسطينية من أهم المواقع في العالم للأصول الوراثية للقمح والشعير وفي الوقت ذاته من أغنى المواقع بالسلالات المحلية لكل منهما.
تعتبر الأصناف النباتية البرية من أكثر الأصناف الوراثية قوة ومقاومة والتي تستخدم كأصول يتم التطعيم عليها بأصناف أخرى ولنا فيها نصيب من الإجاص السوري إلى الزعرور لتطعيم التفاحيات إلى البطم لتطعيم الفستق الحلبي.
منذ ثمانية آلاف عام
في مجلة العلوم الأمريكية الصادرة في نسختها العربية في الكويت، أكدت المجلة في العدد 10/6 للعام 1989أن المجتمع الزراعي الأول في التاريخ تأسس على ضفاف نهر الفرات في موقع تل «أبو هريرة» الذي غمر جزئياً مع إنشاء سد الفرات في سورية بعد أن تناوله الأثريون بالبحث المكثف والعميق على مدى سنوات طويلة، وكان الاكتشاف الأكثر دهشة هو اكتشاف الحبوب الغذائية وكان أكثرها عدداً هي حبوب القمح البدائي المعروف بالقمح البري، إضافة إلى نوعين آخرين من الحبوب لكنهما أقل تواجداً من حيث الكم، هما الجاودار البري والشعير البري، واستنتجت المجلة في مقالها أن سكان «أبو هريرة» زرعوا هذه الأنواع الغذائية الثلاثة ولم يكتفوا بجمعها من حالاتها البرية.
يضاف إلى ذلك قائمة من المواقع الأثرية التي تدل على استخدامات الأصول البرية والتنوع الحيوي «استعمالاً» اقتصادياً ومنها:
تل مريبط ( شمال سورية، 8050 – 7550): قمح بري، شعير بري، عدس بري، فول بري و بطم.
تل أسود ( قرب دمشق، 7800 – 7600): شعير بري ثنائي الصف، عدس بري، بازلاء، تين، لوز Amygdalus و بطم.
تل رماد ( قرب دمشق، 6250 – 5950): قمح، شعير ثنائي الصف، عدس، حمُص، بطم، لوز و زعرور Crataegus .
رأس شمرا (شمال اللاذقية، 5500 – 5000): قمح، شعير سداسي الصف، عدس، بازلاء، بذور الكتان Linseed .
حتى العام 2000، كان قد تم تدمير 73% من التنوع الحيوي الطبيعي على المستوى العالمي وحسب معدلات الخسارة المسجلة عالمياً فإن الفقد في التنوع الحيوي يسير أسرع بمعدل 1000 مرة من المعدلات الطبيعية.
نباتات دوائية
أكثر من نصف الأدوية المصنعة عالمياً لها أصول تعود إلى نباتات طبيعية، وبعضها يتم تحضيره مباشرة من تلك النباتات. وعالمياً فإن التجارة بالأنواع النباتية الطبية تتجاوز عتبة 100 مليار دولار.
45% من الأدوية المضادة للسرطان هي ذات منشأ طبيعي كما أن تجارة الأدوية الناتجة عن استخدام مصادر ورائية تفوق 75 مليار دولار سنوياً.
وتشكل المراعي البرية الداعم الكبير للناتج القومي الإجمالي، وتتحمل البادية في سورية عبء ملايين الأغنام التي تدر حوالي مليار دولار سنوياً على الصادرات السورية إضافة لمساهمتها في تغطية حاجة السوق المحلية من اللحوم الحمراء.