الحكومة ترسم حلول عجزها براحة ضمير
نادين عيد نادين عيد

الحكومة ترسم حلول عجزها براحة ضمير

أصدرت وزارة الداخلية يوم 24 من الشهر الجاري قراراً يقضي برفع بدل خدمة ورسم جواز السفر المستعجل، زاعمة أن القرار الصادر جاء حرصاً على تلبية رغبة المواطنين الذين هم في أمس الحاجة للحصول الفوري على الخدمة.

ووفقاً للتعميم الصادر أصبح رسم الخدمة 300 ألف ليرة سورية، بعدما كان 100 ألف ليرة سورية، مع تأكيد الحصول على جواز السفر في ذات اليوم، وبغض النظر عن الحجز الإلكتروني!
صدر القرار أعلاه عقب فتح باب الحجز الإلكتروني أمام المواطنين، بعدما كان يقتصر يومياً على دقيقتين قبل الـتاسعة صباحاً، ولتمتلئ الحجوزات خلال وقت قصير وتصل المواعيد حتى عام 2024، ناهيك عن الأخطاء التي أعطت حجزاً الكترونياً لبعض المواطنين سنين إلى الوراء.«

بين المبررات الرسمية والواقع.. طبقية واستغلال

أكد مصدر في وزارة الداخلية أن الهدف من القرار «وضع حد لما يشاع عن سمسرات وإتاوات وبيع دور على المنصات، وأن هذا البدل سيذهب إلى خزينة الدولة».
كما أكد: «أن الازدحام لا بد وأن يخف ويتراجع بعد القرار الأخير، لكون هذه الفروع لن تستقبل بعد اليوم إلا من هم بحاجة لجواز سفر فوري ومن لديهم مواعيد مسبقة«.
في هذا الصدد لا بد من طرح سؤال جوهري: ما الذي أضافه هذا القرار المبالغ بنتائجه عن القرار السابق والمعدل عنه؟!
فقبل تعديل القرار كانت منصة الحجز الإلكتروني سارية المفعول، وتفتح لمدة محدودة يومياً، والذهاب إلى مديريات الهجرة يقتصر على من لديهم مواعيد مسبقة أو لمن هم بحاجة لجواز سفر فوري، فماذا اختلف؟!
فمن حيث المضمون تعد الشروط التعجيزية لجواز السفر المستعجل هي ذاتها السابقة، والتي قد تنطبق على فئة قليلة ممن تتوفر لديهم تلك الشروط، وإن بحثنا عن الفروقات التي ستسهل عملية الحصول على جواز السفر العادي أو تخفف الازدحام كما تزعم الجهات المعنية، فلن نجد!
ولعل الفارق الأساسي والوحيد أنه تم رفع الرسوم بنسبة 200%، وسط تهويل وتسويق حكومي كبيرين لنتائج هذا القرار، فالقرار الجديد هو ذاته القديم، وما طرأ عليه من اختلاف يمس الجانب المادي منه فقط، ومن حيث النتيجة ستكون ذاتها، ولن نلمس ذلك التحسن بحسب الرواية الحكومية.
فاهتمام الحكومة بات يقتصر على كيفية الحفاظ على مصادر جباية لا تنضب من جيوب المواطنين، ولو كان وفق آلية افتعال الأزمات أو استغلالها.
وبهذا الصدد ربما لا داعي للحديث عن تكاليف هذه الخدمة بالمقارنة مع رسومها، فالرسوم الجديدة مبالغ فيها جداً لدرجة الاستغلال الذي أخذ الطابع الرسمي هذه المرة، ناهيك عن البعد الطبقي فيها.
فمن يملك المال يستطيع الحصول على الجواز المستعجل، وربما بغض النظر عن الشروط، ومن لا يملك المال لن يستطيع الحصول عليه، حتى وإن شملته تلك الشروط!

فرص فساد وتربح

تزامن الطلب الكبير على جوازات السفر مع أزمة خانقة بالحصول عليها لأسباب وذرائع كثيرة وعديدة، حتى بات التفكير بطرق الحصول عليه الشغل الشاغل للمواطنين، وهذه الأزمة كما غيرها من الأزمات أجبرت الكثيرين إلى اللجوء إلى الطرق الملتوية التي تتيحها شبكات الفساد والمحسوبيات كالعادة، والتي تترافق مع كل أزمة تطفو على السطح، سواء أكانت مفتعلة أم لا، وصولاً إلى أرقام فلكية تم تداولها من أجل الحصول على جواز السفر بعيداً عن المنصة والدور!
فحالات الاستغلال والفساد لن تتوقف ما دامت الأزمة متواصلة، ثم إن إيجاد الحل الحقيقي خير وسيلة لإنهاء الفساد المستشري الذي اشتد مع بداية أزمة جوازات السفر الخانقة والمستمرة حتى الآن!

تدهور الأوضاع وتعمق الاستنزاف

لا شك أن ازياد الطلب على جوازات السفر مرتبط بشكل أساسي بتدهور الوضع الاقتصادي– الاجتماعي في البلد، الذي أغلق الأفق أمام المواطنين لدرجة اليأس، وخاصة فئة الشباب، تاركاً أمامهم خياراً وحيداً ألا وهو رحلة البحث عن ملاذات خارجية أكثر أمناً وراحة واستقراراً، وفرص عمل تؤمن لهم مصدر دخل يحفظ كرامتهم!
فمنهم من تقدم بطلبه نتيجة حصوله على فرصة السفر المناسبة والتي ستوفر له حياة كريمة أكثر استقراراً، ومنهم من تقدم إليه للحصول عليه والاحتفاظ به ليكن مستعداً لحين توفر الفرصة المناسبة للسفر، وفي كلتا الحالتين الهدف من ذلك هي الهروب والهجرة بحثاً عن الاستقرار المفتقد في البلاد! أي إن الأعداد المتقدمة بغالبيتها هي مشاريع هجرة.

أعداد مهولة قيد الاستنزاف

بمحاولة إحصاء أعداد المتقدمين للحصول على جواز السفر، أي أعداد من هم مشاريع هجرة، نعتمد على أرقام أدلى بها مدير إدارة الهجرة والجوازات خلال تصريح سابق، حيث يقبل يومياً أعداداً محددة تصل إلى 2000 شخص لحجز دور عادي عبر المنصة، واعتماداً على ذلك يصل عدد المتقدمين شهرياً إلى 60 ألف متقدم، ما يعني أنه خلال عام واحد سيكون لدينا 720 ألف متقدم.
وبحسب المعلومات فقد وصل دور الحجز حتى عام 2024، ما يعني أننا إن اعتمدنا أعداد المتقدمين اعتباراً من شهر حزيران القادم وحتى نهاية العام القادم 2023 سنكون أمام رقم مهول يصل لأكثر من مليون متقدم، وكما ذكرنا سابقاً جميعهم مشروع هجرة.
وإذا سلمنا بصدق الأرقام التي يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعية وأدخلنا عام 2024 ضمن الحسبة نكون وصلنا إلى أعتاب رقم مهول آخر قد يزيد عن مليوني متقدم، أي مشروع مهاجر، وهذا يعني المزيد من الاستنزاف للكفاءات السورية، والمزيد من الخسارة على المستوى الوطني.

حلول العجز أم العجز عن الحلول!

يبدو الحديث عن الرسوم ودور المنصة ومبررات وذرائع التأخر بتسليم جوازات السفر في واد، والحديث عن تزايد أعداد اليائسين الباحثين عن ملاذات خارجية لحياة كريمة، وخاصة من فئة الشباب، في واد آخر!
فالمشكلة ليست بجوازات السفر وزيادة الطلب عليها وكيفية الحصول عليها والرسوم بمقابلها فقط، بل الأهم من ذلك بكثير هي أزمة الأعداد المتزايدة من اليائسين من الواقع القائم، وبسبب السياسات الحكومية التي تزيده تردياً وتدهوراً عاماً بعد آخر، وبشكل يومي!
ومع كل هذه القتامة والحال البائس تسجل الحكومة عجزها، وتسوقه بكل سرور وراحة ضمير، ليس على مستوى تعديل شروط الحياة بحيث تصبح أقل نبذاً وطرداً للمواطنين من البلد، وللكفاءات خاصة، بل حتى على مستوى الخدمات البسيطة مثل الحصول على جواز سفر، بتكاليفها المحدودة التي تتقاضى لقاءها رسوماً أكبر منها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1072