من ليس مُداناً.. هو متهم!
تصدَّر الحديث عن قانون الجرائم الإلكترونية بعض صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام مجدداً، وذلك إثر المعلومات الجديدة التي نشرتها جريدة الوطن بتاريخ 9/3/2022 عن المشروع المعد من قبل الحكومة والمرسل إلى اللجنة المشتركة والمؤلفة من لجنتي الإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والشؤون التشريعية والدستورية في مجلس الشعب.
فبحسب الجريدة: «إن اللجنة المشتركة والخاصة لمناقشة مشروع قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية أنهت مناقشتها للمشروع الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن يتم عرضه تحت قبة مجلس الشعب للتصويت عليه من أعضاء المجلس الأسبوع القادم، بعدما عدلت اللجنة العديد من المواد، وأضافت مواد أخرى لم ترد في النسخة الواردة من الحكومة، حيث تشددت اللجنة في بعض المواد المضافة وخففت من عقوبة مواد أخرى».
مواد مضافة على المشروع الحكومي
من المواد التي أضافتها اللجنة على المشروع المرسل من قبل الحكومة، بحسب الوطن، مادة تتعلق بالنيل من مكانة الدولة المالية.
فقد تضمن المشروع أنه: «يعاقب بالسجن المؤقت من أربع سنوات وحتى 15 سنة وبغرامة مالية من 5 إلى 10 ملايين ليرة سورية كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو نشر على الشبكة أخباراً تؤدي إلى زعزعة النقد وأسعار الصرف في النشرات الرسمية».
وكذلك هناك مادة مضافة تحت عنوان الجرائم الواقعة على الدستور، مضمونها: «كل من ينشر ما يسيء للدستور عبر الشبكة يعاقب بالسجن المؤقت من سبع إلى 10 سنوات».
كما أضافت اللجنة مادة متعلقة بمكافحة المخدرات الرقمية والمؤثرات العقلية، وتضمنت أنه: «يعاقب بالسجن المؤبد وبالغرامة من خمسة إلى 10 ملايين ليرة كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً على الشبكة بقصد الإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية».
العبارات مطاطة ومفتوحة التأويل مجدداً
لن نتوقف عند المادة المضافة والخاصة بمكافحة المخدرات إلّا من باب وضوح التوصيف الجرمي فيها، بالمقارنة مع المواد المضافة الأخرى.
فكما هو واضح فإن مضمون المادتين، سواء تلك المتعلقة بالنيل من مكانة الدولة المالية بحسب العبارة: «كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو نشر على الشبكة أخباراً تؤدي إلى زعزعة النقد وأسعار الصرف في النشرات الرسمية»، أو عبارة: «كل من ينشر ما يسيء للدستور عبر الشبكة»، الخاصة بالجرائم الواقعة على الدستور، فكلتا العبارتين عائمتين، ويغيب عنهما التوصيف الجرمي الواضح، ما يفسح المجال للتفسير والتأويل المفتوح فيهما كيفما اتفق.
مع الإشارة إلى أن المادة المتعلقة بالنيل من هيبة الدولة تم التشدد فيها بالغرامة المالية دون تعديل مضمونها، حيث أصبحت بحسب الوطن: «يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث حتى خمس سنوات وبغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ليرة سورية كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة، أو المساس بالوحدة الوطنية، أو إثارة الرأي العام»، أي بقيت فضفاضة وعائمة وبعيدة عن التوصيف الجرمي الواضح، ما يعني أنها بقيت مثاراً للتأويل والتفسير أيضاً.
العبارات الفضفاضة وتقييد الحريات وكمّ الأفواه
التوصيف الجرمي الفضفاض الذي يفسح المجال للتأويل والتفسير، كحال مضمون نصوص المواد أعلاه، يتعارض مع ما يجب أن تكون عليه النصوص القانونية الجزائية، والتي يجب أن تكون واضحة وضوحاً كاملاً وبلا لبس أو غموض، وذلك لعلاقتها وتأثيرها المباشر على تقييد حرية الأفراد.
فمع مثل هذه العبارات الفضفاضة تغدو حرية الأفراد أكثر تقييداً، بل يصبح النص القانوني بحد ذاته أداة ووسيلة للضغط على الحريات الفردية المصانة افتراضاً.
فالتفسيرات والتأويلات المفتوحة لمثل هذه النصوص يمكن إسقاطها على أيّ كان، وكيفما اتفق، بسبب ما تكتنفه من الالتباس والغموض وعدم الوضوح.
فهل هذا الأمر غافل عن المختصين، سواء في الحكومة أو في لجان مجلس الشعب؟
لا نعتقد ذلك، ما يؤكد أن الغاية من مثل هذه النصوص ما هي إلا أداة للضغط ووسيلة إضافية لتقييد الحريات الفردية.
وكونها تتعلق بالنشاط الإلكتروني للأفراد، فإن ذلك يعني مزيداً من كم الأفواه بالنتيجة!
الاتهام قد يطال الجميع
في حال إقرار النصوص أعلاه على ما هي عليه من قبل مجلس الشعب، وهو ما سوف يجري غالباً، فإن كل من يتطرق للحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثلاً عن ارتفاع الأسعار مقارنة مع واقع الأجور والقدرة الشرائية لليرة، أو عن سياسات تخفيض الدعم الجائرة، أو عن التضخم والسياسات المالية والنقدية، أو حتى عن أية أزمة حياتية يعاني منها (رغيف الخبز- المحروقات- الأسعار- الفساد- السوق السوداء..)، فإنه سوف يكون متهماً بموجب أحد النصوص القانونية مفتوحة التأويل أعلاه، أو بموجب غيرها من النصوص القانونية الشبيهة.
ودرءاً للاتهام، الذي قد يتحول لإدانة بكل سهولة بموجب مثل هذه النصوص، سينكفئ بعض المواطنين على أنفسهم، ممتنعين عن إبداء رأيهم حتى على مستوى استلاب أبسط حقوقهم، وهو المطلوب على ما يبدو!
فالجميع يمكن أن يكونوا متهمين، ومن السهولة تحويل الاتهام إلى إدانة بحسب الحال!
لماذا اللجوء للمزيد من كمّ الأفواه؟
ممارسات القمع وكمّ الأفواه، بالطرق الخشنة والناعمة، ليست جديدةً، فكثيراً ما يتم اللجوء إليها والاعتماد عليها، وخاصة مع ذرائع المتغيرات والمنعطفات التي تطال الحقوق والمكتسبات، أو التي تزيد من الواقع البائس والمزري للمواطنين.
وعلى ما يبدو أن القادم على مستوى التعدي على الحقوق- وعلى مستوى المزيد من الإفقار والبؤس للغالبية الساحقة من المفقرين- هو أسوأ وأشدّ قتامة عليهم، لذلك تم اللجوء إلى زيادة الأدوات والوسائل القمعية الناعمة، والأسهل: أن يتم تضمينها بموجب نصوص قانونية نافذة، وصولاً لمنع هؤلاء من التعبير عن آرائهم بما يجري بحقهم بحرية، وبالتالي العمل والسعي لتغييره!
فهل سيجدي ذلك نفعاً؟
بكل اختصار، إن كل الدلائل والتجارب تشير إلى أن أدوات ووسائل القمع وكمّ الأفواه، الناعمة منها والخشنة، لا يمكن أن تحول دون التغيير المطلوب، وإن طال ذلك!
السياسات الحكومية والدستور
عند الحديث عن الجرائم الواقعة على الدستور يتبادر للذهن مباشرة جملة السياسات الطبقية الجائرة والمنحازة لمصلحة أصحاب الأرباح على حساب مصالح الغالبية من المفقرين من أصحاب الأجور، والتي تتعارض مع الكثير من مواد الدستور وتخالفه.
فالأمر لا يقتصر على ما ورد في الدستور بما يخص صيانة حرية التعبير، بالمقارنة مع بعض النصوص القانونية التي تحد وتقيد هذه الحرية، بما في ذلك نصوص المواد أعلاه مع شبيهاتها.
فالسياسات الأجرية المعمول بها تعتبر مدانة بحسب بعض مواد الدستور، والسياسات الضريبية كذلك الأمر، وسياسات التفريط بمؤسسات الدولة مخالفة، وسياسات الدعم وإنهائه تباعاً مخالفة أيضاً، وسياسات السكن والإسكان، والسياسات التعليمية والطبابة، وتراجع الخدمات وترهلها، والكثير من الممارسات الحكومية بحسب السياسات المطبقة تعتبر مخالفة للدستور، ليس تأويلاً بموجب عبارات فضفاضة، بل بموجب نصوص واضحة ولا لبس فيها متضمنة في الدستور.
فمن أولى بالاتهام والإدانة، السياسات الظالمة والمجحفة بحق البلاد والعباد، أم الغالبية المفقرة من المواطنين الذين يدفعون ضريبة موبقات هذه السياسات، مع مساعي كمّ أفواههم، وزيادة الوسائل لتحقيق ذلك ما أمكن؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1061