أخطاء وعثرات السورية للتجارة
نادين عيد نادين عيد

أخطاء وعثرات السورية للتجارة

أفرجت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن دورة جديدة لعملية توزيع المواد التموينية، والمقتصرة على مادتي السكر ورز، وذلك بعد انقضاء ثلاثة أشهر عن آخر عملية تسجيل تمت خلال العام الفائت، لتتوج هذه الدورة بالأولى على مستوى هذا العام.

وتميزت دورة التوزيع الجديدة بتخبط وتضارب موعد الإعلان الرسمي عن بدء التسجيل، لتعلن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يوم 20 شباط الفائت، عن بدء التسجيل على دورة توزيع المواد التموينية من سكر ورز ابتداءً من تاريخ يوم 1 آذار الجاري، ثم ليؤجل الموعد ويعلن عنه رسمياً يوم 5 آذار.
أما عن التبريرات، فقد أوضح مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أن السبب وراء ذلك يعود إلى وجود أشخاص لم يستلموا مخصصاتهم لدورة التوزيع الفائتة، رغم أنها امتدت لفترة تجاوزت 3 أشهر، وقد أتاحت الوزارة لهم إمكانية الحصول الفوري على مخصصاتهم عبر التوجه إلى إدارات الفروع في محافظاتهم للاستلام الفوري على جهاز الماستر حتى مساء 2 آذار، مما استوجب التأجيل.

مفاجآت الكوميديا السوداء

الجدير بالذكر، أنه رغم الإعلان الرسمي الأخير عن موعد بدء التسجيل المقرر يوم 5 أذار الجاري، فقد أتيحت إمكانية التسجيل قبل يومين من الموعد الرسمي، والأكثر غرابة لم تنوه أية جهة رسمية عن التغير الذي طرأ على الموعد، بل تُرِكَ كعنصر مفاجأة للمواطنين!
فمن حالفه الحظ وأدرك ذلك عن طريق المصادفة حاز بفرصة حجز دور مبكر، أما مَنْ بدأ عملية التسجيل وفقاً للإعلان الرسمي، فقد فعّل عنصر المفاجأة السوداء فعله لديه، ليجد أن بضعة آلاف من الأسر قد سبقته على عملية التسجيل!

أخطاء ومن المسؤول؟!

الخطأ الحاصل، لا يدرج تحت أي نوع من المبررات، فما حدث إما أنه يعود لأسباب سوء التنسيق بين الجهات المسؤولة عن عملية التوزيع الجارية، أي كل من وزارة التجارة الداخلية والسورية للتجارة وشركة تكامل، ما يعني صراحةً وكأن قرار التسجيل قد اتخذ من قبل «تكامل» منفردة، بغض النظر عن درجة صلاحيتها الممنوحة وتراتبية العمل، ودون الرجوع للوزارة المعنية باتخاذ القرار!
أو أن الوزارة لا تجد أهمية كبرى، أو أي تأثير ينعكس على حال المواطن لتقوم بإعلامه عن موعد بدء التسجيل الفعلي، وإن سلمنا بصحة الفرضية، فهذا يعني اعترافاً ضمنياً من قبل الوزارة بأن مجال الخطأ المقدر بيومين لا يشكل فارقاً كبيراً على حال المواطن، فالانتظار والتمديد حاصل بكلا الحالتين، بعدما أصبح التزام الوزارة بمدة دورة التوزيع من المنسيات!

إحصاءات للتذكير

إذا أردنا أن نحصي عدد الأشهر التي جرى خلالها قضم مخصصات الأسر من المواد التموينية المقتصرة على السكر والرز، تحديداً بعد إدخال نظام الرسائل للحصول على المواد التموينية عبر البطاقة الذكية، خلال دورة التوزيع الخاصة بشهري تشرين الأول والثاني من العام 2020 وحتى الآن، نجد أن خسارة العائلة لمخصصاتها التموينية أصبحت تقدر بـ 6 أشهر، وسط التزام الصمت من قبل الجهات المعنية عن إمكانية تعويض الأسر عن الأشهر المذكورة!
طبعاً لا جديد بما يخص تلك السياسات المعمول بها، وما يحصل غني عن التعريف، فإستراتيجية تخفيض الدعم الحكومية باتت واضحة بأساليبها، تارةً عبر تقليص عدد دورات التوزيع، وتارة عبر زيادة أسعار تلك المواد المدعومة، وذلك بالتوازي مع العمل الدؤوب على تسريع تطبيق سياسة استبعاد الدعم عن بعض الشرائح من المواطنين التي بدأت مطلع شباط الفائت، وفق جولات متسارعة نحو إنهائه بشكل كامل.

تفاصيل جديدة

بالعودة إلى تفاصيل دورة التوزيع الجديدة للمواد الأساسية المدعومة، فقد أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إعادة توحيد رسائل السكر والرز لهذه الدورة، لكنّ اللافت أنه خلال عملية طلب التسجيل عبر تطبيق البطاقة الذكية لا تزال عملية الطلب منفصلة لكلتا المادتين، على عكس الفترة السائدة لنظام الرسائل الموحدة.
فهل ستكون رسالة السكر والرز موحدة فعلاً، مع العلم أن إمكانية الحصول على المادتين معاً مرتبط بتوفر كميات كافية من كلتا المادتين تغطي الحاجة الفعلية، أم أن الوزارة تعلمت من أخطائها السابقة، وحافظت على آلية التسجيل المنفصلة تجنباً لسيناريوهات أدت إلى تأخر استلام المخصصات بسبب عدم توفر كلتا المادتين؟

التدخل الإيجابي في مهب الريح

الجانب الأهم وفق الإعلان الرسمي، هي إمكانية الحصول على مواد التدخل الإيجابي من (سكر- زيت- مياه) بلا رسائل نصية.
الجدير بالذكر، أن اتخاذ مثل هذه الخطوة سيؤدي نحو المزيد من تدهور الأوضاع المعيشية، خصوصاً أن هذه الخطوة ترافقت مع التطورات المستجدة في ملف الأزمة الأوكرانية، والذي بدأ انعكاسه على الوضع المحلي منذ اللحظة الأولى لملامح تلك التطورات، ليجد كبار التجار من ذلك كله ذريعة جديدة لتعميق معدلات النهب والاحتكار، مما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية، وفقدان الزيت النباتي من الأسواق كخطوة احتكارية أولى باتجاه رفع أسعاره والتحكم به.
وتأتي خطوة الحصول على مواد التدخل الإيجابي بلا رسائل، بالتوازي مع مخرجات «جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية المصغرة»، لإدارة الأوضاع الاقتصادية في ظل التطورات السابقة الذكر، والتي تهدف إلى إدارة المخازين المتوفرة من المواد الأساسية (القمح، السكر، الزيت، الرز ومادة البطاطا) خلال الشهرين المقبلين ومتطلبات تعزيزه والتدقيق في مستويات توزيع هذه المواد وترشيدها لضمان استدامة توفرها!
فكيف يتم إلغاء آلية الرسائل الخاصة بالتدخل الإيجابي في ظل الحاجة الملحة لإدارة مخازن السكر والزيت المباعة عبر السورية للتجارة، وهل من آلية تضمن أن يحصل المواطن على مستحقاته من مواد التدخل الإيجابي بشكل مباشر عبر صالات السورية لتجارة؟!
فوفقاً للتجارب المتكررة، ستبدأ المحسوبيات والاحتكار، وسيذهب المواطن لشراء مواد التدخل الإيجابي ولن يجدها، فما سيجري عملياً تحويلها للاستثمار من قبل قوى الفساد، وضخها عبر شبكات السوق السوداء.
يبدو أن إجراءات التقشف الحكومية لإدارة الوضع الاقتصادي، وسياسات تخفيض الدعم، تصب في بوتقة واحدة ولصالح جهاز إدارة الأزمات الذي يديره كبار حيتان الفساد والنهب، على حساب الغالبية المفقرة وعلى حساب المصلحة الوطنية.

إبداع جديد

صرح مدير عام المؤسسة السورية للتجارة يوم 3 من الشهر الجاري، أنه سيجري طرح الدخان الوطني في صالات السورية للتجارة ليتم بيعه للمواطنين عبر البطاقة الذكية، وذلك بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية التي تجري بين السورية للتجارة ومؤسسة التبغ، ناسباً اتخاذ هذه الخطوة بسبب مظاهر الغلاء الذي يشهده سوق الدخان الوطني، وعد التزام التجار بتسعيرة التموين الرسمية.
أما عن حصة المواطن اليومية من الدخان فلم يجرِ تحديديها بعد، ويعتمد ذلك على نسبة الكمية التي ستحصل عليها السورية للتجارة من مؤسسة التبغ.
وقد جرى الحديث مراراً وتكراراً عن مشكلة الدخان الوطني، والاستحواذ على تجارة الدخان من قبل قلة من الحيتان والمتنفذين، وقدرتها على الإدارة والتنظيم العاليين، سواء على مستوى توحيد نشرة أسعاره الاحتكارية، أو ضبط كامل عمليات التوزيع والبيع والاحتكار، في السوق النظامي والسوداء على السواء، وعلى مرأى المؤسسة العامة للتبغ، التي تخلت لتلك القلة عن دورها الإداري في عملية التسويق والتوزيع، بالإضافة إلى غض الطرف من قبل وزارة التموين عن دورها الرقابي بضبط سوق أسعار الدخان المنفلت، ولا حياة لمن تنادي!
فهل مثل هذه الخطة ستجدي، وتنعكس إيجاباً على واقع الأسعار؟
في حقيقة الأمر إن عملية إدراج مادة الدخان عبر البطاقة الذكية مع تحديد الكمية لكل بطاقة، لا يختلف إطلاقاً عما سبقه من مواد أدرجت تحت مسمى التدخل الإيجابي، فمثل هذه الخطوات والحلول المدرجة أدت إلى المزيد من ارتفاع الأسعار عبر الأسواق الحرة والسوداء، خصوصاً أن الكمية محددة عبر البطاقة الذكية، ولا تكفي الحاجة الفعلية للأسرة، ما يعني أن المواطن يلجأ بالتأكيد لتلك الأسواق لسد الحاجة الحقيقية.
فما أثمرته تلك الجهود هو المزيد من التردي على مستوى المعيشي والخدمي للمواطنين وعلى حساب حاجاتهم، والمزيد من التحكم والاحتكار بعمليات التوزيع والتسويق والبيع، التي تصب في جعبة مصالح حيتان الفساد الكبير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060
آخر تعديل على الثلاثاء, 08 آذار/مارس 2022 14:17