الأسبوع الثاني في المدارس واجتماعات بلا أفق
عمار سليم عمار سليم

الأسبوع الثاني في المدارس واجتماعات بلا أفق

في مواد سابقة تحدثنا عن جهود الوزارة «الجبارة» التي تسعى «بكل ما أوتيت من قوة وتخطيط لرفع السوية التعليمية في المدارس»، وكان آخرها إقحام مادة جديدة ضمن الحصص الدرسية، وهي التعليم الوجداني والاجتماعي، وقد فصلنا هذا الموضوع وبينا بعض مشكلاته، حيث إن كل قرارات الوزارة لا تصب مباشرة في مصلحة الطلاب، وما هي إلا تغطية للكوارث التعليمية في سورية عبر تلميعات واجتماعات شكلية، حتى وصلت عمليات التلميع والتجميل إلى إضافة مواد جديدة لا تسمن ولا تغني من جوع، في ظل هذا الواقع المؤلم.

فحصتان من التعليم الوجداني والاجتماعي لن تخرج هذا الجيل من المأزق الذي يحيط به اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، ويجدر بنا في هذا المقام أن نبرز الانفصام الكامل والتام بين الوزارة وقراراتها، وبين الواقع التعليمي الذي لا يرضي صاحب وجدان ولا صاحب حس وطني.
الكل يعلم، والصغير منا قبل الكبير، أنه عاماً بعد عام ينحدر المستوى التعليمي إلى أدنى مستوياته، مع أن الوزارة، مع كل وزرائها السابقين، يبدعون بقرارات ومناهج تضيق بها المدارس، وتثقل كاهل العاملين في الميدان التربوي، وهذا العام لا يختلف عن العام الماضي إلا بالتراجع والتقهقر، من خلال ما بدا أمامنا منذ اليوم الدراسي الأول لهذا العام السعيد!

الواقع بين المدرسين والطلاب

استقبلت المدارس طلابها منذ اليوم الأول بازدحام، بل بانفجار عددي أشبه بازدحام باصات النقل الداخلي، يجلس في المقعد الواحد ثلاثة طلاب والمقعد بالكاد يتسع لطالبين، وكثير منهم يفترش الأرض، طبعاً كل هذا مع «التدابير الوقائية للوقاية من الوباء»، ومع انقطاع التيار الكهربائي يعني مزيداً من الحر مع الضغط المشحون، وهم ينتظرون مدرسهم الذي سيدخل إلى الصف، ولكن للأسف بسبب نقص الكوادر يظل الطلاب رهينة الشغب والفوضى حتى انتهاء الحصة، مع انشغال الإداريين بالتنظيم، ما يعني دعماً نفسياً كبيراً للطلاب وتشجيعاً على التعلم والاجتهاد!

اجتماع السيد الوزير مع مديري التربية وأحلام اليقظة

ورد في الصفحة الرسمية لوزارة التربية في 13أيلول، وهو الأسبوع الثاني لبدء العام الدراسي، أنه تمت مناقشة واقع الميدان خلال اجتماع افتراضي مع مديري التربية، بما ينمي مهارات الطلاب وشخصياتهم خاصة بعد إدراج التعلم الوجداني الاجتماعي خلال حصتين ضمن الخطة الدرسية. والتأكيد على متابعة واقع الميدان بشكل مباشر، خاصة من ناحية الكتب والمدرسين وغير ذلك من النقاط التي نوقشت خلال الاجتماع الافتراضي لوزير التربية ومعاونيه ومديري المؤسسة العامة للطباعة والتخطيط والتعليم الأساسي والثانوي في الوزارة، مع مديري التربية وفروع مؤسسة الطباعة في المحافظات.
وأكد الوزير ضرورة تفعيل الأنشطة اللا صفية، خاصة النوادي الرياضية من خلال جهود متكاملة تخدم العملية التربوية، وأوصى بإقامة مباريات ومنافسات بين المدارس، ثم على مستوى المحافظات ثم الجمهورية، وتنشيط المسرح المدرسي والفرق الموسيقية والكورال، وتنمية مهارات التخطيط وتوزيع الأدوار والعمل الجماعي كفريق!
عن أية مسارح وكورال ونواد رياضية يتحدثون، في مدارس تفتقد الكتب الأساسية واللغات، وحتى أقلام السبورة والمساحات والألواح وكافة المستلزمات والوسائل، حتى أنها تعاني من نقص في الكوادر التعليمية والإداريين!
وأين هي المسارح في المدارس؟ حتى أن باحات الطلاب في كثير من المدارس لا تتسع للطلاب لضيق مساحتها!
فالأوْلى تلبية حاجات المدارس الأساسية، وتمكين الطلاب من التعلم في مدارس تؤمن لهم سهولة التعلم قبل كل شيء وقبل أي شيء.

المعلمون
عماد العملية التعليمية ومفتاحها

تركز وزارة التربية جهودها تجاه الطالب وتنمية مهاراته وشخصيته، وكأن الطالب سوف يقوم بها وحده من غير معلم!
فأين هو المعلم في العملية التربوية والتعليمية؟ وما هي الحال التي وصل إليها؟ وهل مكّنت وزارة التربية المعلم من القيام بدوره أم جعلته عاجزاً محبطاً يحاول اللوذ بالفرار من واقع المدرسة، مع أنه اختارها بمحض رغبته وإرادته؟
ما الفائدة من كل التطويرات والقرارات «هذا إن كانت صائبة» إذا كان المعلم يعيش حالة من اليأس والإحباط والإفقار والعوز والمرض؟
فهل تريد وزارة التربية تعليماً بلا معلم؟
نعم لقد تجاهلت الوزارة، ومعها سياسات الحكومة، دور المعلم وتناست أنّ نجاح التعليم بنجاح المعلم، وكيف ينجح في أداء مهمته وهو واقع تحت وطأة التنكيل!
فهو على أرض الواقع يُجبر على التعليم من غير أجور، فرواتب المعلمين لا تكفي حاجات يومين على التوالي، أو أجور مواصلات، وإذا قسمنا راتبه الشهري على عدد الأيام فهي لا تتعدى ثمن «سندويشة فلافل» وهي ما بين 1500 و2000 ليرة سورية، فهل هذا الراتب يعطي مؤشراً على أن الحكومة والوزارة تريد أن تنهض بالتعليم وهي تبقي المعلمين بلا أجور؟!
ومن اللافت مؤخراً كثرة إقدام المعلمين على الحصول على إجازات بلا أجور، ما أدى إلى النقص في الكوادر التعليمية، ولو كان الأجر الشهري يسد الرمق لأيام لما اضطر هذا المعلم للإجازة الطويلة بلا أجر ليبحث عن عمل يسد به رمقه.
وتجدر الإشارة في هذا الموضع إلى أن بعض مديري التربية يوافقون على هذه الإجازات من دون التحقق من ملء الشاغر من قبل الموجهين الاختصاصين، تاركين العمل للوساطة والمحسوبيات والرشاوى، وبعد هذا المشهد الكارثي في التعليم تعمد وزارة التربية إلى تطوير المناهج قبل البدء بتأمين البنية التحتية للتعليم ومستلزماته الأولى، اللهم عدا المدارس المحظية بالدعم والمخصصة للتصوير والإعلام.
ونقول ختاماً كما قلنا سابقاً: لا يمكن أن تقوم المدرسة بدورها- وهي جزء من الواقع الاقتصادي والاجتماعي- ما دامت سياسات الحكومة تهمل وتدمر أهم مفاصل المجتمع، وهي شريحة المعلمين وتلقي بهم في مهاوي الفقر والهموم، وتهمل الأساسيات وتهتم بالتلميع والتجميل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1036
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيلول/سبتمبر 2021 00:20