«ظلام حالك» لم يفارق السوريين
دعاء دادو دعاء دادو

«ظلام حالك» لم يفارق السوريين

ما زالت أزمة الكهرباء تتفاقم منذ بداية الحرب في سورية، بل من قبلها أيضاً، حتى هذه اللحظة، والتي تُلقي بظلالها شديدة الظُلمة على كثير من جوانب حياة الشعب السوري، في الوقت الذي تقوم فيه وزارة الكهرباء بإصدار وعود خُلبية غير ملموسة بأي تحسن، ولا تمت حتى للواقع بصلة!

فلا يمكننا القول: «عاد الظلام إلى بيوت السوريين»، لأن الظلام لم يغادر بيوتهم أصلاً، إلا في الأوقات التي يريدها ذوو الأمر في بعض الأحيان فقط لا غير! فليس هناك أية حجج وذرائع من نقص في أي من مادتي «الفيول والغاز» عندما يريدون، لا بل تكون متوفرة مع وجود فائض من هذه المواد، إن أرادوا!
وكما قال أحد المواطنين في الفترة القريبة السابقة عندما توفر التيار الكهربائي: «لماذا تكون الوزارة قادرة، إذا ما رغبت، على توفير التيار الكهربائي 20 ساعة يومياً ولأيام عدة؟!».
فعلاً، لماذا؟ سؤال يطرح نفسه!

تطورات مؤقتة

في هذا السياق، كشف مستشار وزير الكهرباء بتاريخ 15 نيسان 2021: «أنه تم توحيد برنامج التقنين في مختلف المحافظات»، في الوقت الذي أوضح فيه وزير الكهرباء بالتاريخ نفسه «أنه سيكون هناك تحسن في الطاقة الكهربائية على الشبكة بعد توفر كميات من حوامل الطاقة (الفيول) التي توقف توريدها خلال الأيام الماضية ودفع لاستهلاك نحو 140 ألف طن من أصل 250 ألف طن من مادة الفيول كانت لدى الوزارة على شكل مخزون احتياطي».
وبالفعل، فقد تم توحيد التقنين في أغلبية المناطق السورية نوعاً ما، وانخفضت ساعات التقنين في بعض المناطق بشكل نسبي، حتى صارت ثلاث ساعات قطع بـ ثلاث ساعات وصل، وهذا هو الوضع المقبول الذي يتحدث عنه وزير الكهرباء بتصريحاته دائماً، كهرباء (3 بـ 3).
حقيقةً الوضع المقبول الذي يتحدث عنه الوزير هو: الوضع غير المقبول الذي يعيشه الشعب السوري من «عتمة وظلام» حقيقي عَمَّ جميع أنحاء سورية منذ اندلاع الحرب فيها ليومنا هذا.
مع الأسف، حتى بعد انتهاء الحرب في غالبية المدن السورية، فما زالت الحرب النفسية قائمة بأقسى درجاتها، والمتمثلة بـ الوضع المعيشي والخدمي للمواطن السوري، التي أخذت تُضّيق عليه وتخنقه أكثر من أيام الحرب القاسية نفسها!

تناقضات

حسب ما تم التصريح عنه لوزير الكهرباء في أحد اللقاءات التلفزيونية عبر إحدى القنوات السورية بتاريخ 13 نيسان 2021: «حصل عكس ما تم التصريح عنه في أحد اجتماعات مجلس الوزراء نتيجة الظرف غير المحسوب من دخولنا في أزمة الفيول والنفط كان غير محسوب». وبعد يومين فقط تم التصريح عن توفير كميات من الطاقة «الفيول».
فالتناقضات بالتصريحات واضحة كوضوح الشمس، واللعب بعقول السوريين وافتعال الأزمات واضح أيضاً، والسبب من هذا كله بات معروفاً لدى الجميع، ألا وهو تضييق أكثر- تصعيد الأزمات للاستفادة المادية من جيوب الشعب السوري- زيادة الأرباح من الحلول «التجارية- الربحية» لحل مشكلة الكهرباء لدى المواطن السوري، عبر البدائل الكهربائية المطروحة والمعروضة في الأسواق.
تلك الذرائع الحكومية لا تُسمن ولا تغني من جوع، فجميع التصريحات والوعود الخُلبية عن تحسين وضع الكهرباء، وباقي الأزمات المُفتعلة، عبارة عن إبرة بنج مؤقتة للمواطن السوري.

«عِلم» دون كهرباء

صرح وزير الكهرباء بتاريخ 1 حزيران 2021: «ما من إمكانية لتخفيف ساعات التقنين خلال فترة امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي».
هذا هو الوضع الفوضوي الذي يعيشه الطلاب في فترة الامتحانات بسبب انقطاع التيار الكهربائي المزمن والمتزامن مع انقطاع خطوط الإنترنت في فترة الامتحانات.
فلم يغرقوا البلد في ظلام حالك فقط، لا بل قد أغرقوا أعين الطلاب الساهرة ليلاً في ظلام حالك دون أية رحمة أو التفكير بمستقبل جيل بأكمله، وبكل أنانية وتفكير في مصالح البعض فقط.
طبعاً، فقد أتموا مهامهم بزيادة تقنين التيار الكهربائي بحججهم القديمة- الحديثة ذاتها، وهي «المولدات التي تعمل على الغاز متوقفة حالياً لعدم توفر الغاز بشكل كافٍ لتشغيلها».
وتابع بالتصريح ذاته «لكن يمكن تخفيف التقنين في بعض المناطق إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك، لكن على حساب مناطق أخرى».
أي: ليست هنالك حلول جدّية لتخفيض التقنين أو إلغائه، وليس هنالك عمل حقيقي ما دامت ذرائعهم ذاتها جاهزة في كل مرة، مما جعل المواطن السوري وكأنه يعيش في كوكب مُظلم، يصحوا وينام على انقطاع مزمن للتيار الكهربائي، مع أخبار للوازرة الكهرباء «اعتداء على الشبكة، توقف وخروج محطات توليد عن الخدمة، حرائق في خطوط نقل الغاز.. إلخ» وتصريحات ووعود خُلبية لا نراها سوى على الشاشات، دون أي تنفيذ على أرض الواقع، طبعاً مع عدم نسيان مآسي الأعطال بالتجهيزات الكهربائية وتكاليف إصلاحها، وخسائر التموّن السنوي المتكررة التي تتكبدها الأسر!

الحلول المقبولة والممكنة

واقع الكهرباء السيء جداً، وتلك الذرائع «الحصار الجائر على سورية، وصعوبة توفير مادة الفيول، وأسعار الكهرباء التي تتقاضاها الحكومة لا تساوي تكلفة الإنتاج، والاستجرار الزائد للكهرباء»، على جميع شاكلتها من الحجج التي يتم التصريح بها، لا يمكن أن تكون بمثابة ستار يغطي أعين شعب بأكمله عن العجز الحقيقي لوزارة الكهرباء والحكومة من خلفها.
فالحلول المقبولة التي يريدها الشعب السوري ككل اليوم هي كهرباء على مدار الـ 24 ساعة، كباقي الدول التي لا يوجد فيها حيتان كبيرة وأيدي خفية، ولا توجد فيها حكومة داعمة للناهبين وتجار الحرب والأزمة، من خلال تقديم كامل الدعم لهؤلاء، ومشاركتهم في التضييق على شعب بأكمله لزيادة ثرواتهم وأرباحهم على حساب جيوب الغالبية المُعدمة التي تعيش في ظلام حالك، وعلى حساب المصلحة الوطنية.
فهل ذلك ممكن؟ نعم، شريطة تغيير السياسات الاقتصادية العامة المحابية لمصالح الفاسدين والناهبين، وتبني سياسات بديلة تلبي مصالح الغالبية، وتحقق المصلحة الوطنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1021