جامعة دمشق وتعجيز الطلاب
ملاذ سعد ملاذ سعد

جامعة دمشق وتعجيز الطلاب

لا تكلّ المؤسسات الرسمية عن تقديمها المفاجآت لنا، لتتحفنا كل حين بقرارٍ «عظيم» جديد لا يمكن تخيله، أو تفهمه بأيّ شكلٍ أو منطق، وكان من هذه القرارات مؤخراً: التوجيه بعدم الإجابة عن أي سؤالٍ من طلاب جامعة دمشق إلا كتابةً!

حيث أصدرت أمانة الجامعة قراراً معمماً على جميع كلياتها بتاريخ 09/09/2020 ورد فيه: «يرجى توجيه العاملين لديكم في قسمي شؤون الطلاب والامتحانات إلى عدم الإجابة عن أي سؤال لأي طالب بشكل شفهي وإنما يتم ذلك عن طريق طلب يقدمه الطالب يسجل في ديوان القسم، وتكون الإجابة عنه بشكل كتابي، ويوقع من قبل المسؤول عن القسم».
ويقدم متن القرار تبريراً بأن هذا التعميم جاء «منعاً للإجابات الشفهية والتي قد تؤثر على وضع الطالب في الكلية».

البيروقراطية المنفرة في وجه الأتمتة

كانت ردود فعل الطلاب تجاه القرار متنوعة بشكلها بين ساخرٍ ولاذع، وموجهة حول مستوى البيروقراطية الجديد الذي تم فرضه عليهم لمجرد أسئلتهم عن أي شيء أو الاستفسار عن أي موضوع، علماً أيضاً بأنه أتى بفترة تلت صدور المفاضلة العامة لتسجيل الناجحين من طلاب الثانوية الجدد، وما يحملون في جعبتهم من أسئلة كثيرة يتعرفون من خلالها على الجامعة وأطر عملها وإدارتها وإلخ.
بالفعل، هو مستوى بيروقراطية جديد تم فرضه، ليصبح أي سؤال مهما كان بسيطاً يتطلب عدة أيام للإجابة عنه كتابةً، إلا أنه لا الغاية منه هي تنظيم وضبط البيروقراطية بعينها، ولا تبريره الحرص على وضع الطالب في الكلية، وإنما العكس، بل ربما لتطفيش الطلاب، وتحديداً منهم أولئك الجدد الآتون للتسجيل هذه السنة الدراسية، في سياق الاتجاه العام الذي يحث الخطا نحو المزيد من الدفع باتجاه خصخصة التعليم، من خلال خلق المزيد من العقبات والصعوبات في قطاع التعليم الحكومي بشكلٍ مستمر.
علماً بأن حل هذه المشكلة من الإجابات الخاطئة التي قد تؤثر على وضع الطلاب- إذا ما وجدت أساساً- يمكن أن تُحل عبر رفد قسمي الشؤون والامتحانات بالموظفين الكافين والكفوئين، وبعض التجهيزات الإلكترونية والأتمتة التي تتيح لهم معرفة الأجوبة مباشرة، أو عبر تطوير موقع الجامعة وتخصيص كادر متفرغ له، يتيح للطلاب تقديم أسئلتهم من خلاله دون «رفاهية» الأوراق والطوابع، وتلقي الإجابات من حساباتهم على الموقع، بل وحتى تفعيل شبكة أتمتة بين حسابات الطلاب على الموقع وربطها بالبيانات الجامعية، حيث لن تكون هناك حاجة من الطلاب بأن يسألوا عن أوضاعهم طالما هي واضحة أمامهم على الدوام إلكترونياً...
إلا أنّ هذه «الأحلام» الطلابية لا تتوافق مع مصالح ورغبات «مَن يقف خلف» إدارة الجامعة، أو حتى وزارة التعليم العالي، حيث لا يريدون حلاً لمشاكلها وإنما العكس على ما يبدو!

تأخر صدور النتائج الامتحانية

تستمر الآن المشكلة القديمة الجديدة المزمنة حول تأخر نتائج الامتحانات الأخيرة عن الصدور، لينطلق العام الدراسي الجديد دون معرفة العديد من الطلاب عمّا إذا كانوا قد ترفعوا إلى السنة الجديدة من عدمها، أو حول أية مواد قد رسبوا بها، وعليهم متابعتها الآن دون تأخر، مثل: كلية الآداب مثالاً.
ومن هذه الكلية خاصة بسياق مثالنا، ذات التعداد الطلابي الأكبر في قسمي العربي والإنكليزي بالتحديد، جرى دفع طلاب «الهيئة الإدارية»، سواء بإرادتهم أو بتوريطهم، إلى تحمّل الهيئة ككيان- شكلاً- مسؤوليات الحصول على النتائج الامتحانية ونشرها، ليصبح الطلاب يطالبون الهيئة بهذه النتائج، ويلقون باللوم عليها عند كلّ تأخر أو مشكلة في هذا الخصوص، ولتقوم الهيئة نفسها بتصدير وتبني التبريرات عن إدارة الكلية والجامعة حول التأخيرات، وسنناقش هذه التبريرات بعد قليل، إلا أنّ هذه المشكلة باتت تتحمل وزرها الهيئة الإدارية أمام الطلاب، ليخرج كل بضعة أيام أحد شبّانها بتسجيل فيديو، أو بوضع منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، توضح وتكرر أنه لا علاقة للهيئة، ولا هي مسؤوليتها، ولا صلاحيتها، بتصحيح المواد أو إصدار النتائج الامتحانية، وإنما نقلها فقط... ولكن كما يقال «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب» بعد أن جرى «تلبيس» هذه المهمة للهيئة الإدارية، وجعلها تتلقى الانتقادات... ربما، بغية تشويه عمل الهيئة أيضاً.

تبريرات غير مقنعة

من التبريرات والذرائع المقدمة عبر الهيئة الإدارية لكلية الآداب عن تأخير صدور النتائج الامتحانية:
1- عدم وجود سوى «جهاز تصحيح» واحد للمواد المؤتمتة، والتي تشكل الغالبية القصوى من المواد.
2- قلة عدد الموظفين القائمين على هذه المهام في قسم الامتحانات.
3- وأيضاً حول التبرير عدم وجود سوى «مصححٍ واحد» من أنّ العقوبات الاقتصادية على سورية تمنع استيراد هذه المصححات من الخارج، حيث إنّ هذه النوعية وبالتحديد هي مصححات أمريكية الصنع، وفقاً لما قاله أحد طلاب الهيئة الإدارية ببثٍ مباشرٍ على صفحتها على فيسبوك.
إنّ هذه التبريرات المقدمة من إدارة جامعة دمشق، عبر الهيئة الإدارية، تمثل جزءاً من الحقيقة فقط، وهي عدم وجود سوى مصححٍ واحد، أما علاقة عدد الموظفين، بكثرته أو قلته، فلن يؤثر على سرعة صدور هذه النتائج طالما لا وجود إلا لهذا الجهاز الواحد بطبيعة الحال.
لكن يبرز هنا سؤال: إذا ما كان من الصعب فعلاً استيراد هكذا أجهزة من النوعية الأمريكية أو الغربية عموماً، لم لا يجري استيراد الروسية أو الصينية، أو من أي مصدرٍ غير الغربي، منها؟
ثم ومن جهةٍ أخرى، حتى وإن وجدت إرادةً حقيقة بحل المشكلة وبالاستيراد من غير المصادر الغربية- معاذ الله طبعاً- لهذه الأجهزة، فإنها ووفقاً لما قاله أحد الطلاب في ظل منظومة الفساد القائمة والمعششة في البلاد من أساسها إلى رأسها: «سيجري شفط مخصصاتها المالية على الطريق، وستكون النتيجة نفسها: عدم الحصول على أجهزة تصحيح جديدة واستمرار المشكلة».
بمطلق الأحوال، فإن العام الدراسي ما زال في بدايته، ولا ندري ما ستتمخض عنه العقول البيروقراطية المبدعة من اقتراحات وقرارات وتوجيهات لاحقاً، لتضيف إلى ما يعانيه الطلاب من صعوبات ومعيقات، صعوبات ومعيقات أخرى تؤثر سلباً على تحصيلهم العلمي وعلى مستقبلهم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
985
آخر تعديل على الإثنين, 28 أيلول/سبتمبر 2020 13:41