قصة طفلة.. بين الرعاية والدعاية
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

قصة طفلة.. بين الرعاية والدعاية

ما زالت عمليات الاتجار بالسوريين والمزاودة عليهم واستثمار مآسيهم وكوارثهم مستمرة، وأصبحت مؤخراً على أيدي الرسميين وبشكل فج أيضاً، مع تحميل هؤلاء مِنّة الشفقة والإحسان لقاء حصولهم على بعض حقوقهم مع الأسف!

فقد ورد عبر الصفحة الرسمية لوزارة التربية الخبر التالي: «تطويراً للمساهمة المجتمعية في رعاية الأطفال الذين تأثروا بظروف الحرب: وزارة التربية تسهم في تأمين الدعم للتلميذة نور وعائلتها».

واقع وصورة قابلة للتعميم

التلميذة المذكورة كان قد تم تداول صورة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي جالسة على أحد الأرصفة تدرس، فيما وضعت أمامها بعض قطع البسكويت لتبيعها.
ولعل الظروف الصعبة التي دفعت هذه الطفلة للعمل مبكراً بالإضافة إلى مواظبتها على دروسها، معممة على الكثيرات والكثيرين غيرها، فهي نموذج قابل للتعميم مع كل أسف في ظل الظروف المعيشية المجحفة بحق الغالبية المسحوقة، التي جرى ويجري استلاب حقوقها تباعاً، وخاصة مَن تعرض للنزوح والتشرد من بيته وبلدته خلال السنوات الماضية نتيجة الحرب والأزمة، بعد خسارته لممتلكاته وجنى عمره، ولم يجد فرصة العمل التي تقيه مع أفراد أسرته تداعيات الفقر والجوع والعوز، في ظل التعامي الرسمي عن مأساة هؤلاء، والتخلي عن الواجبات تجاههم، بل والضغط عليهم لانتزاع المزيد من حقوقهم.
فالطفلة بحسب ما جرى تداوله عنها، أنها من محافظة الرقة، ووالدها مريض، وهي بالإضافة للاستمرار في دراستها تعمل مع شقيقتها للمساعدة على تحمل تكاليف المعيشة المرهقة لأسرتها، وما أكثر من يشبهها واقعاً من السوريين.

تغييب الدور الرسمي

لقد ورد وفي تتمة الخبر ما يلي: «بعد انتشار صورتها على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تكتب واجباتها المدرسية وتبيع البسكويت، وزير التربية الدكتور دارم طباع يستقبل اليوم الطفلة نور وعائلتها، ويؤكد ضرورة أن يكون الدعم المجتمعي للأطفال أولوية، خاصة الذين تضرروا خلال الحرب مما اضطرهم للعمل ومساعدة أهلهم، وذلك كرسالة لجميع القادرين من أفراد المجتمع لتبني قضية هؤلاء الطلاب من المؤسسات والمجتمع المحلي في ظل المسؤولية المجتمعية، وقامت الوزارة بتأمين جهات داعمة لمساعدة الطفلة وأهلها صحياً وغذائياً».
القصة لم تقف عند حدود استثمار ظرف وواقع هذه الطفلة والقفز على ظروف مثيلاتها وأمثالها، بل بالتخلي الرسمي عن الدور والواجب الحكومي تجاههم، وتجيير هذا الدور إلى الجانب المجتمعي «لتبني قضية هؤلاء»!
فهل من تخلٍّ معلن أكثر من ذلك؟!

دعم منقطع النظير

أما عن الدعم الذي جرى الحديث عنه فقد تمثل بالتالي: «قدم أحد البنوك الخاصة منحة دراسية بدعم جزئي للطفلة نور وأختها»، وذلك بحسب ما ورد عبر الصفحة الرسمية للوزارة، بينما ورد عبر صفحة التربوية السورية أن: «إحدى سيدات الأعمال تعهدت بتقديم مأكولات للأطفال طوال السنة الدراسية»، وكذلك ورد أن وزير التربية: «قدم حقيبة مدرسية وهدية رمزية للأختين»، ووجه: «بإجراء تحاليل شاملة لهما، وتقديم وجبات غذائية خلال فترة التحاليل».
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد استعراض ما تم تقديمه للطفلة التلميذة على أنه «دعم»:
هل هو دعم فعلاً، أم هو بعض حقوق من الواجب توفيرها، بعيداً عن أشكال الإحسان والمنيّة حيالها؟
بجميع الأحوال، ما جرى مع قصة الطفلة من قبل الوزارة، وما جرى من تداول لها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل، لم يكن أكثر من استثمار ترويجي بغاية الدعاية لصالح الوزارة، كما لصالح «الجهات الداعمة»، وستدخل طي النسيان بعد حين، كما هو حال وواقع الكثير من شبيهاتها من القصص المؤلمة المنسية، وربما يحق لنا القول أخيراً: بئس هكذا رعاية بغاية الاستثمار والدعاية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
985
آخر تعديل على الإثنين, 28 أيلول/سبتمبر 2020 13:43