رغيفُ الخبز.. عنوانٌ للأمن الغذائي والاستغلال المُذل!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

رغيفُ الخبز.. عنوانٌ للأمن الغذائي والاستغلال المُذل!

أول ما يتبادر للذهن عند الحديث عن الأمن الغذائي هو رغيف الخبز، باعتباره المادة الغذائية الأساس التي تعتمد عليها الأسر في نمط غذائها اليومي، وخاصة المفقرين الذين باتوا يعتمدون على الرغيف «الحاف» غالباً لسد رمقهم، بعد التدهور المريع لمستويات المعيشة، التي أوصلت نسبة كبيرة من السوريين لدرجة الجوع، المشاهد يومياً، والموثق عبر الكثير من التقارير، سواء منها المحلية، أو الدولية عبر المنظمات التابعة للأمم المتحدة.

فماذا عن هذا الرغيف، وقد تتالت عليه الأزمات، ودخل سوق الاستغلال والفساد والإذلال؟

طوابير الذّل

المشاهد اليومية للطوابير والازدحام أمام الأفران أصبحت أكثر من عادية، وكذلك أن تحصل بعض المشادات بين المزدحمين، وصولاً لتبادل الشتائم أو تبادل اللكمات، وفي بعض الحالات لاستخدام الأسلحة وتسجيل الضحايا أيضاً، وطبعاً يتخلل كل ذلك ساعات طويلة من الانتظار، وربما الكثير من أوجه وأشكال الإذلال، وخاصة من المستقوين نفوذاً وفساداً لتجاوز الطوابير، أو من العاملين في شبكات البيع في محيط الأفران، وكل ذلك من أجل الحصول على الرغيف الغالي، جهداً ووقتاً وذلاً!.
ومما لا شك فيه، أن شدة الازدحام على هذه الطوابير وتداعياتها السلبية تتزايد من خلال الأزمات المتلاحقة، التي تأتي على هذا الرغيف بين الحين والآخر، سواء لأسباب قد تكون مبررة بمقدماتها وليس بنتائجها، أو تلك المفتعلة بغاية استمرار الازدحام من أجل الحصول على مرابح بيع الرغيف في السوق السوداء، وربما للتغطية على أوجه النهب والفساد التي تعمل بعمقه!.

إغفال عوامل النهب والاستغلال

تطالعنا الجهات الرسمية بين الحين والآخر بالحديث عن رغيف الخبز، وما يتم تكبده من أعباء وتكاليف من أجله، ومقدار حجم الدعم الذي يصرف عليه يومياً وسنوياً، لكنها غالباً ما تُغفل الحديث عن عوامل الاستغلال الكثيرة التي تطال مستهلكي هذا الرغيف، وصولاً لدرجة الإذلال في الحصول عليه، والأهم، عدم التطرق لشبكات الفساد التي تغتني على حساب هذا الرغيف المدعوم، وعلى حساب الاقتصاد الوطني!.
فالأزمة الجديدة على مادة الخبز أخذت تتوسع لتشمل جميع المحافظات، مع الكثير من اللامبالاة الرسمية حيالها، والتي تمثلت ببعض التصريحات المتضاربة التي لا تعالج صلب الأزمة بل تحوم حولها، اعتباراً من تعميم استخدام البطاقة الذكية للحصول على الكمية اليومية من عدد الربطات، وصولاً للحديث عن تخفيض هذا العدد، وتباعد أيام الحصول عليها، ونفي ذلك لاحقاً، مع عدم حل الأزمة بالنتيجة، والذي يبدأ افتراضاً بتوفير كميات الطحين اللازمة لتصنيع كمية مقابلة من الأرغفة تكفي الحاجات الفعلية للاستهلاك، مع تشديد الرقابة فعلاً على كامل حلقات الإنتاج والتسويق والبيع.
ولعل الأهم، هو وضع حدّ لشبكات النهب والفساد التي تعبث بهذا الرغيف ومقومات ومستلزمات تصنيعه، ووصولاً للمستهلك، اعتباراً من صفقات القمح مروراً بعمل المطاحن، العامة والخاصة، وتوزيع الدقيق على المحافظات والأفران العاملة فيها، وصولاً للمصانعة داخل الأفران ومدخلاتها (الدقيق- الخميرة- الملح- المازوت)، وليس انتهاءً بشبكات البيع خارج الأفران المتعاونين مع بعض الفاسدين طبعاً.

المواطن هو السبب

ربما ليس غريباً بعد كل التعمية عما يلحق الرغيف، كعنوان للأمن الغذائي، من أوجه وأشكال نهب وفساد، أن تستمر طوابير الانتظار الطويلة، وما يتبعها من مشاكل وتداعيات واستغلال، لتصوير مشكلة الرغيف على أنها مرتبطة فقط بالمواطن المستهلك غير المنضبط بالطوابير، والذي يفتعل المشاكل مع غيره من المواطنين!.
وليس غريباً أن يتراوح سعر ربطة الخبز أمام المخابز وفي محيطها عبر شبكات البيع بين 200-500 ليرة، استغلالاً لحاجات المواطنين الهاربين من الازدحام في الطوابير ومشاكلها وذلها!.
والأنكى من كل ذلك، أن بعض هذه الشبكات تعمل علناً أمام مجمع أفران ابن العميد في دمشق مثلاً، القريبة من وزارة حماية المستهلك، وعلى أعين مسؤوليها!.
فهل من تعمية ولا مسؤولية أكثر من ذلك على مستوى الرغيف، الذي يمثل العنوان الأبرز للأمن الغذائي؟!.
وهل من غرابة لاحقاً من الاستمرار في افتعال الأزمات وتتاليها باسمه؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
983
آخر تعديل على الإثنين, 14 أيلول/سبتمبر 2020 12:54