الإبداع الرسمي في استنفاد الوقت عبر الذكاء
سوسن عجيب سوسن عجيب

الإبداع الرسمي في استنفاد الوقت عبر الذكاء

لا أوقات فراغ لدى المواطنين المنهكين والمتعبين، فالرسميون عملوا جاهدين على استنفاد وقت وجهد هؤلاء، بعد أن استنفدوا كل إمكاناتهم وخاصة المادية، وصولاً إلى الفاقة والعوز، ليس ذلك فقط، بل بات جزء كبير من الوقت اليومي للمواطنين مراقباً ومحسوباً بدقة متناهية، ارتباطاً بالمكان والزمان عبر داتا الذكاء، التي جرى ويجري فرضها وتعميمها، عبر الطوابير المبتدعة لتأمين بعض الاحتياجات الحياتية الضرورية، وبعض الخدمات!.

فكيف سيتسنى لهؤلاء الحصول على هوامش زمنية تتيح لهم التفكير بحالهم ومآلهم، أو تلك الهوامش الضرورية للحياة الاجتماعية الطبيعية مع أفراد أسرهم أو أقربائهم وذويهم وأصدقائهم؟.

مسلسل غير منتهٍ

غالبية السوريين أصبحوا موزعين على طوابير الانتظار المفروضة عليهم، والتي لا يمكن أن يتغيبوا عنها، مثل: طوابير الخبز والسكر والرز، أو طوابير تسديد فواتير الكهرباء والمياه والهاتف، أو طوابير البنزين والدخان مؤخراً، ويتخلل ذلك أيضاً الحصول على أسطوانة الغاز أو الكمية المخصصة من المازوت، وكذلك طوابير الصّرّافات من أجل الحصول على الراتب الشهري، ناهيك عن كل الطوابير المرتبطة ببعض المعاملات لدى الجهات العامة، فجميع هذه الطوابير مرتبطة بحاجة أو بخدمة ضرورية من الصعب الاستغناء عنها.
والنتيجة، أن الوقوف في هذه الطوابير، الكثيرة وغير المنتهية، من أجل الحصول على بعض الحقوق، أو من أجل الحصول على بعض الخدمات، تم توازعها بين أفراد الأسرة، تقاسماً لأعبائها وتعبها.
فمن المستحيل على فرد واحد من الأسرة أن يتحمل أعباء هذه الطوابير الكثيرة منفرداً، وذلك مرتبط طبعاً بوضع كل فرد ومدى توفر عامل الزمن لديه.
فالسوريون سلفاً موزعون على أعمالهم المتعددة لتأمين قوت يومهم، أو على دراستهم التي يمكن أن تكون مضافة إلى العمل أيضاً، وحتى الأطفال في الأسر لم يكونوا بعيدين عن تحمل أعباء الوقوف على بعض هذه الطوابير بحسب الحال والضرورة، في مسلسل يومي وشهري طويل لا نهاية له، بل ربما يتم فرض المزيد من الطوابير من قبل المبدعين من الرسميين، تحت شعارات الضبط والتحكم وتسهيل إنجاز المهام، والأهم هو: استخدام الذكاء على أنه قفزة تطورية بهذا المجال!.

المراقبة اللصيقة عبر الذكاء

بالحديث عن الذكاء، فقد جرت أتمتة بعض الطوابير عبر ربطها بتقنيات الذكاء، المحسوبة على المواطنين زماناً ومكاناً.
فطوابير الذكاء على الخبز والسكر والرز والبنزين، وعلى الصّرّافات، وذكاء رسائل الغاز والمازوت، وكذلك الحصول على بعض الخدمات من بعض الجهات العامة، أو عبر كوات ومراكز خدمة المواطن، جميعها مؤرشفة ومبوبة عبر داتا، شخصية غالباً، ترصد مدى انضباطك أيها المواطن في الحصول على حقوقك وخدماتك، بالمكان والزمان، ناهيك عن داتا الاتصال وشبكة النت، وربما من السهولة عبر كل هذه الداتا احتساب هوامش الزمن التقديرية التي تستهلكها من أجل ذلك، ولكل منها على حدة، وبالتالي قد يتم سؤالك لاحقاً أين تقضي بقية وقتك مع أفراد أسرتك، اليومي والشهري؟!.
وربما لا يشفع لك لجوؤك للسوق السوداء لتأمين بعض السلع والمواد عبرها، هرباً من الازدحام وتوفيراً للجهد والعناء والوقت، على الرغم من وضعها تحت الأعين الساهرة، متقاسمة معها الغنائم من جيبك وعلى حسابك طبعاً، فهذه الأسواق تمّ إحداثها من أجلك أيضاً!.

الذكاء منقطع النظير

المفروغ منه، بعد استهلاك جلّ الوقت اليومي والشهري على الطوابير، ألّا ضرورة لاقتطاع بعضه على العلاقات الاجتماعية، رغم ضرورتها وأهميتها، بما في ذلك مع أفراد الأسرة الواحدة وفيما بينها، وربما لا ضرورة أيضاً للوقت من أجل الراحة والاسترخاء كحاجة ضرورية لاستعادة النشاط، ولا داعٍ لهدر وقتك أيها المواطن في التفكير بالغد والمستقبل، بل فقط في لحظتك الراهنة، ولعله من الأفضل أن تمتنع عن التفكير بالمطلق، وهو المطلوب!.
فالوقت ثمين ومحسوب ومراقب، والرسميون يفكرون عنك في هذه المسائل الحساسة، وسيبدعون لك المزيد من الطوابير عند اللزوم في حال توفر بعض الوقت الفائض لديك عن حساباتهم.
فالطوابير الذكية، وما نشأ على هامشها وفي عمقها من شبكات فساد واستغلال، جرى ابتداعها من أجلك ولخدمتك أيها المواطن، التي تسهر عليك الأعين الذكية، ولا أدل عن نجاحهم بهذا المجال ما آل إليه حالك وأحوالك على المستوى المعيشي والخدمي!.
فأين المفر من هذا الذكاء منقطع النظير؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
983
آخر تعديل على الإثنين, 14 أيلول/سبتمبر 2020 17:13