عدد الجياع في العالم آخذ في الارتفاع.. فماذا عن السوريين؟
صدر تقرير «حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم» بتاريخ 13/7/2020، ويعتبر هذا التقرير أحدث إصدار عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام ٢٠٢٠، وهو أحد المنشورات السنوية الرئيسة الذي يُعدّ بالاشتراك بين: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية.
بحسب التقرير: «يحذّر رؤساء (الوكالات الخمس) من أنّه بعد مضي خمس سنوات على الالتزام العالمي بوضع حدّ للجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية، لم نصل بعد إلى المسار الصحيح لبلوغ هذا الهدف بحلول عام 2030».
انخفاض القدرة على تحمّل تكاليف الغذاء الصحي
ورد على موقع منظمة الصحة العالمية بالتاريخ نفسه أعلاه، مادة مختصرة حول مضمون الدراسة والتقرير، أتى فيها: أن «عدد الجياع في العالم آخذ في الارتفاع. فقد انضم عشرات الملايين من الأشخاص إلى صفوف الذين يعانون من نقص التغذية المزمن خلال السنوات الخمس الماضية، وما زالت البلدان في جميع أنحاء العالم تعاني من أشكال متعددة من سوء التغذية».. «كما أن ارتفاع التكاليف وتراجع القدرة على تحملّها يعني أيضاً أن مليارات الأشخاص غير قادرين على تناول أغذية صحية أو مغذية».. «وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أنّ جائحة كوفيد-19 قد تدفع بأكثر من 130 مليون شخص إضافي من جميع أنحاء العالم إلى دائرة الجوع المزمن بحلول نهاية عام 2020».
وحول الأنماط الغذائية غير الصحية، وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية ورد التالي: «لا يقتصر التغلّب على الجوع وسوء التغذية بجميع أشكاله على تأمين ما يكفي من الغذاء للبقاء على قيد الحياة: فلا بدّ أن تكون الأغذية التي يتناولها السكّان، وخاصة الأطفال، مغذية أيضاً. لكن ثمة عائق رئيس يتمثل في ارتفاع كلفة الأغذية المغذية، وانخفاض قدرة أعداد كبيرة من الأسر على تحمّل تكاليف الأنماط الغذائية الصحية».
مسيرة القضاء على سوء التغذية على المحكّ
بحسب الدراسة: «يقدّم التقرير أدلّة تبيّن أنّ كلفة النمط الغذائي الصحي أعلى بكثير من 1,90 دولار أمريكي في اليوم، الذي يمثل خط الفقر الدولي. ويحدّد التقرير ثمن النمط الغذائي الصحي الأقل كلفة بخمسة أضعاف ثمن ما يكفي من النشويات فقط لإشباع الفرد الواحد. وتمثل منتجات الألبان الغنية بالمغذيات، والفاكهة والخضار والأغذية الغنية بالبروتينات (النباتية والحيوانية المصدر) أغلى مجموعات الأغذية على المستوى العالمي».. «ونتيجة لذلك، يبدو أن مسيرة القضاء على سوء التغذية على المحكّ».
التحوّل إلى أنماط غذائية صحية
يحثّ التقرير على: «إحداث تحوّل في النظم الغذائية لتقليص كلفة الأغذية المغذّية وجعل الأنماط الغذائية الصحية ميسورة الكلفة».
فتحت عنوان «الدعوة للعمل» ورد التالي: «من شأن التحوّل العالمي إلى أنماط غذائية صحية أن يساعد على الخروج من هوّة الجوع مع تحقيق وفورات هائلة. وتشير التقديرات إلى أنه من شأن هذا التحوّل أن يتيح التعويض بشكل كامل عن التكاليف الصحية المرتبطة بالأنماط الغذائية غير الصحية».
لم يغفل التقرير واقع الاختلاف بين بلد وآخر على هذا المستوى، فقد ورد أنه: «رغم اختلاف الحلول المحدّدة من بلد إلى آخر، وحتى ضمن البلد الواحد، تكمن الإجابات عموماً في التدخلات على طول سلسلة الإمدادات الغذائية، وفي البيئة الغذائية، وفي الاقتصاد السياسي الذي يحدّد أشكال التجارة والنفقات العامة وسياسات الاستثمار. وتدعو هذه الدراسة الحكومات إلى تعميم التغذية في النُهج التي تتّبعها في مجال الزراعة؛ والسعي إلى تقليص العوامل التي تزيد تكاليف إنتاج الأغذية وتخزينها ونقلها وتوزيعها وتسويقها- بما في ذلك عن طريق الحدّ من أوجه القصور والفاقد والمهدور من الأغذية؛ ودعم صغار المنتجين المحليين لزراعة كميّات أكبر من الأغذية المغذية وبيعها، وضمان وصولهم إلى الأسواق؛ وإسناد الأولوية لتغذية الأطفال باعتبارهم الفئة الأشدّ حاجة إليها؛ والتشجيع على تغيير السلوك من خلال التثقيف والتواصل؛ وترسيخ التغذية في نظم الحماية الاجتماعية وإستراتيجيات الاستثمار على المستوى الوطني».
لا بيانات عن سورية!
بحسب موقع منظمة الأغذية والزراعة «فاو» التابعة للأمم المتحدة حول التقرير نفسه: «أمكن هذا العام، بفضل التحديثات الواردة من العديد من البلدان، إصدار تقديرات للجوع في العالم تتسم بقدر أكبر من الدقة».
وقد أُرفق موجز التقرير الوارد على موقع المنظمة بـ (أداة) عرض انتشار سوء التغذية (PoU)»، وهي أداة: «تتيح إعادة إنتاج ورسم سلسلة انتشار سوء التغذية (PoU) القطرية المقدرة من قبل منظمة الأغذية والزراعة حتى عام 2030، ومحاكاة سيناريوهات بديلة للتوقعات حتى عام 2030».
لكن مع الأسف لا بيانات متوفرة عن سورية، أي: إن منظمة «الفاو» لم تردها التحديثات المطلوبة لإدراجها في الأداة الرقمية سابقة الذكر، وبالتالي كان من المتعذّر معرفة «سلسلة انتشار سوء التغذية» لدينا، أو السيناريوهات البديلة للتوقعات!
حدود فقر الأسرة 375 ألف ليرة
بغياب البيانات والتحديثات عن سورية، التي تمكن من معرفة سلسلة انتشار سوء التغذية، ربما لم يبق أمامنا إلا الاعتماد على الجانب الرقمي المتمثل بتكلفة العيش على حدود الفقر لمقاربة معرفة الفجوة على مستوى سوء التغذية.
فاذا كان خط الفقر الدولي جرى تقدير تكلفته من قبل الأمم المتحدة بـ1,9 دولار للفرد يومياً، فإن أسرة مؤلفة من خمسة أفراد تكلف بحدود 10 دولارات يومياً، أي: 300 دولار شهرياً، وبما يعادل 375 ألف ليرة سورية، بحسب نشرة سعر الصرف الرسمي في المصرف المركزي، كي تعيش على حدود الفقر الغذائي فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه التكلفة هي أقل من كلفة النمط الغذائي الصحي بحسب ما ورد أعلاه، أي: إن هذه الحدود لا تمنع ولا تحد من سوء التغذية، مع عدم إغفال الفوارق السعرية في السوق التي تتجاوز سعر الصرف الرسمي عملياً.
بناء على الرقم أعلاه لنا أن نعرف مقدار ما وصل إليه عموم السوريين على مستوى فقر الغذاء وسوء التغذية، بالمقارنة مع متوسط الأجور لدينا، الذي بالكاد يصل إلى 70 ألف ليرة، أي: إن الفجوة تتجاوز 300 ألف ليرة شهرياً بكثير، وذلك للوصول إلى حدود الفقر الغذائي غير المغذي فقط، علماً أن الواقع الحي المعاش أقسى بكثير من أن يقارن بالمعطى الرقمي الجامد السابق، ومشاهدات الجوع والفقر والعوز الغذائي أصبحت معممة بحيث لم يعد بالإمكان التعتيم عليها أو إخفاءها!
ماذا عن السياسات والتوجهات؟
ربما تجدر الإشارة إلى ما ورد في التقرير أعلاه من نصائح بسيطة ومحدودة للحكومات بما يخص بعض التوجهات العامة بحدودها الدنيا من أجل «التحوّل إلى أنماط غذائية صحية»، حول التدخلات بما يخص «سلسلة الإمدادات الغذائية»، و«البيئة الغذائية»، و«الاقتصاد السياسي الذي يحدّد أشكال التجارة والنفقات العامة»، وهي توجهات بصيغ عامة وليست جديدة.
ولعل الأسئلة التي تطرح نفسها بما يخص واقعنا الغذائي استناداً للتوجهات والنصائح البسيطة والمفروغ منها أعلاه، أين هي التوجهات الرسمية الجدية لدينا؟ حول:
تقليص العوامل التي تزيد تكاليف إنتاج الأغذية وتخزينها ونقلها وتوزيعها وتسويقها؟
دعم صغار المنتجين المحليين لزراعة كميّات أكبر من الأغذية المغذية وبيعها، وضمان وصولهم إلى الأسواق؟
ترسيخ التغذية في نظم الحماية الاجتماعية وإستراتيجيات الاستثمار على المستوى الوطني؟
لا شك أننا لن ننتظر الإجابة عن الأسئلة أعلاه، فالسياسات الليبرالية المتبعة بهذا السياق، على مستوى الإنتاج والتسويق والتوزيع ودعم المنتجين و.. لا ولن تتيح أية فرصة لتجاوز واقع الفقر والجوع والعوز وسوء التغذية، أو لحل أية مشكلة أو أزمة وعلى كافة المستويات، والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصى.
فمصالح كبار حيتان المال والفساد المحمية بموجب هذه السياسات والقائمين عليها، لا تتعارض من الناحية العملية مع أبسط التوجهات التي تصب في مصلحة الغالبية المفقرة من السوريين فقط، بل وفي توفير غذاء صحي ومغذٍّ يُبقي هؤلاء على قيد الحياة، بل وتدفعهم نحو المزيد من الفقر والجوع والعوز الغذائي، وهو ما يجري عملياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 976