بالضربة القاضية.. إلى المجاعة سر!
تتتالى ارتفاعات أسعار السلع والبضائع في الأسواق، ولم تعد عبارة «جنون الأسعار» تعبر عما يجري من تبدلات متسارعة عليها، فخلال أيام محدودة سابقة ارتفعت أسعار بعض السلع بنسب متفاوتة تتراوح بين 100- 300%.
لسبب الرئيسي لارتفاع أسعار السلع هو تذبذب سعر الصرف، وبالأصح تراجع قيمة الليرة السورية، وحجم النهب الكبير المستمر دون توقف، بالتوازي مع تراجع الإنتاج، وربما أخيراً يمكن الحديث عن الحرب والأزمة والعقوبات والحصار، ما أدى بالمحصلة إلى فقدان بعض المواد والسلع من الأسواق في بعض الأحيان، والامتناع عن بيع بعضها، بل وإلى إغلاق بعض المستودعات والمحال التجارية.
من قلة الموت
خلال السنين الماضية، وحتى وقت قريب، وبنتيجة التراجع المستمر للقوة الشرائية لليرة، مقابل الارتفاعات المتتالية على الأسعار، مع الثبات النسبي للأجور، وبظل معدلات النهب المرتفعة، اضطر المواطنون إلى تخفيض معدلات استهلاكهم، وإلى ضغط سلة استهلاكهم اليومي من المواد الغذائية للحدود الدنيا، وذلك بعد الاستغناء عن الكثير من السلع والمواد.
فاللحوم الحمراء كانت قد خرجت من سلة الاستهلاك، وكذلك الألبسة، وجزء كبير من أنواع الفاكهة، ناهيك عن التقشف حتى على مستوى عدد الوجبات الغذائية اليومية، فقد اقتصرت على وجبتين في اليوم فقط، وربما يستغني الكبار عن إحدى وجباتهم اليومية لمصلحة الصغار في الأسرة.
هذا التدهور على المستوى المعيشي ترافق بتدهور على مستوى الخدمات أيضاً والتي طالتها ارتفاعات الأسعار أيضاً، وخلال هذه المرحلة وصلت نسبة المفقرين ومن هم تحت خط الفقر إلى أكثر من 80% من السوريين، وذلك بحسب بعض البيانات والإحصاءات، والنتيجة بالنسبة للغالبية المفقرة يمكن تلخيصها بعبارة «عايشين من قلة الموت».
قوت لتموت
نتيجة ارتفاعات الأسعار الأخيرة، خلال الأسبوع الماضي فقط، اضطر الغالبية من المواطنين إلى مزيد من التقشف وضغط سلة استهلاكهم اليومي، فخلال هذا الأسبوع تدهور الوضع المعيشي للغالبية بشكل كبير، بسبب ارتفاعات الأسعار الكبيرة غير المسقوفة.
فبين يوم والتالي ترتفع أسعار السلع في الأسواق، بل بين ساعة وأخرى، حيث تم الاستغناء عن مزيد من السلع على مستوى سلة الاستهلاك اليومي للغالبية من المواطنين.
فقد خرجت الفواكه بشكل كلي، وكذلك تبعتها المعلبات واللحوم البيضاء، بل البيض والأجبان أيضاً، حتى إن بعض الأسر أصبحت تكتفي ببعض الخضار المطبوخة مع الخبز كوجبة، وأحياناً بالخبز والشاي فقط لا غير، ولا ندري ما وصلت إليه بيانات الفقر والجوع والعوز، لكن النتيجة الحالية بالنسبة للغالبية يمكن تلخيصها بعبارة «قوت لتموت»، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تراجع الوضع الصحي بنتيجة العوز الغذائي أيضاً، حيث تتزايد فرص الموت أمام فرص الحياة.
النهب والفساد بخير
طيلة السنوات الماضية، استمرت معدلات الاستغلال والنهب بالتزايد، خاصة مع دخول شرائح ناهبة جديدة تمثلت بتجار الحرب والأزمة، ومع تزايد هذه المعدلات ارتفعت معدلات الفقر، ولم تكن العقوبات والحصار إلا ذرائع لتبرير الترهل والتراجع، وحججاً من أجل تحقيق المزيد من الأرباح وفرصة للمزيد من النهب.
فالتراجع خلال السنوات الماضية طال كل شيء، من الصناعة للزراعة للحرف والمهن، وكذلك الخدمات والصحة والتعليم، برغم كل ما يقال عكس ذلك على المستوى الرسمي، وبرغم الاستفاقة المتأخرة على أهمية الزراعة والصناعة والإنتاج مؤخراً، والتي يغلب عليها الطابع الصوتي والإعلامي فقط، والدليل الفاقع هو ما وصلنا إليه حتى تاريخه، مع فتح الباب على مزيد من التراجع والترهل على كافة المستويات، وبالتالي مزيد من الفقر والجوع والعوز.
وحده النهب والفساد كان بخير طيلة هذه السنوات، فقد كان محمياً ويزدهر على أعين الجميع في ظل الاستمرار بنفس السياسات الطبقية المجحفة، بعيداً ليس عن مصلحة الغالبية الساحقة من السوريين فقط، بل وعن المصلحة الوطنية التي ضُرب بها بعرض الحائط حتى تاريخه، وعن سبق الإصرار والترصد من قبل القائمين على هذه السياسات والمستفيدين منها.
ليس تهديداً.. بل تحذير!
إذا كانت المؤشرات تقول: إن الجوع، برغم مخاطره وكوارثه، قد يكون مصير الغالبية الساحقة من السوريين، وخاصة مع الذريعة الجديدة المتمثلة بقانون قيصر الجديد، الذي لم يدخل حيز التنفيذ، ومع ذلك بدأنا ندفع ضريبته ونعاني من تبعاته على أيدي كبار الناهبين والفاسدين في البلد، لكن ذلك لن يكون بمعزل عمّا ستنتزعه هذه الغالبية الساحقة بالنتيجة من حقوق مستلبة، وما ستفرضه من استحقاقات وطنية جرى تأجيلها كثيراً، وما ستجرفه بطريقها من قوى طبقية وناهبة خلال ذلك، وعسى يكون ذلك بعيداً عن الفوضى التي قد تصاحب آفة الجوع، فعندها ربما لن تُبقي ولن تذر!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 969