الإبداع في صناعة الطوابير والمزيد منها
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

الإبداع في صناعة الطوابير والمزيد منها

من المتوقع اعتباراً من مطلع شهر شباط القادم أن تصبح البلد عبارة عن سلاسل بشرية طويلة من الطوابير الموزعة على منافذ وكوات الجهات العامة، مع الكثير من الازدحام وما ينتج عنه من احتمالات للمشاحنة المترافقة مع أنماط المحسوبية والوساطة السائدة.

فالحصول على بعض السلع الاستهلاكية عبر البطاقة الذكية بحسب ما تم الإعلان عنه أنه سينفذ اعتباراً من بداية الشهر القادم سينتج عنه ازدحام وطوابير جديدة على منافذ البيع التابعة للسورية للتجارة على مستوى القطر، بالإضافة إلى الطوابير الجديدة على المصارف، العامة والخاصة، المرتبطة بقرار تسديد قيمة العقارات والسيارات المباعة، وضرورة إرفاق الإشعار المصرفي من أجل استكمال عمليات البيع وتوثيقها رسمياً.

طوابير وازدحام وفساد

إذا كان الازدحام والفوضى بلا طوابير هو النموذج الطاغي على المواصلات، وخاصة في مراكز الانطلاق الرئيسة وخلال ساعات الذروة صبحاً ومساءً، في ظل عدم إيجاد الحلول النهائية لواقع هذه الخدمة طيلة السنين الماضية، فإن الطوابير من أجل الحصول على جرة الغاز في العراء صيفاً وشتاءً أصبحت مشهداً معتاداً ومألوفاً في المدن والأحياء، وكذلك الطوابير أمام المخابز والأفران من أجل الحصول على القوت اليومي، وعلى كوات الكهرباء والمياه والهاتف من أجل تسديد قيمة الفواتير الدورية لكل منها، والطوابير على الصرافات من أجل استلام الأجور الشهرية، والطوابير داخل المصارف من أجل تسديد الأقساط الشهرية للمكتتبين على الشقق السكنية أو المستلمين لها، وغيرها الكثير من الطوابير الأخرى المرتبطة بالخدمات المقدمة من الجهات العامة (المالية- النقل- المرور- السجلات المدنية....)، مع عدم إغفال ما يرتبط بكل هذه الطوابير من أساليب استغلال وابتزاز وفساد، وما ينجم عنها من تعب وضغوط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البعض يضطر للوقوف في هذه الطوابير أكثر من مرة بسبب الازدحام الشديد، ولأسباب أخرى في أحيان كثيرة تتعلق بالكهرباء والشبكة، وغيرها الكثير من أسباب أخرى.

مزيد من الطوابير

بعيداً عن تفنيد قرار توزيع بعض السلع الاستهلاكية بموجب البطاقة الذكية على المواطنين، بما له وما عليه، فإن هذا القرار بالترجمة العملية يعني المزيد من الطوابير الجديدة، والازدحام أمام منافذ بيع السورية للتجارة في كل المحافظات والمدن والأحياء.
وكذلك القرار المتعلق بتسديد قيمة العقارات والآليات المباعة، بما له وما عليه أيضاً، يعني بالترجمة العملية المزيد من الطوابير الجديدة والازدحام أمام المصارف العامة والخاصة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الطوابير الجديدة لا يمكن اقتصارها على بضعة أيام في الشهر فقط، بل ستمتد طيلة أيام الشهر، كما أنها لا تختلف عن سواها ناحية إمكان اعادة الوقوف فيها أكثر من مرة، لأسباب الكهرباء والشبكة، بل ويضاف إليها بالنسبة للسورية للتجارة ما يتعلق بتوفر المواد كماً بما يتناسب مع أعداد الواقفين في الطوابير وارتباطاً بساعات الدوام الرسمي أيضاً، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى.
على الجانب الآخر فإن هذه الطوابير الجديدة تعتبر فرصة تكسب لشريحة المستغلين، وأيضاً ارتباطاً بالنموذج السائد من المحسوبية والوساطة، وهروباً من عوامل الضغط والتعب بالنسبة لبعض المواطنين.

تنظيم الفوضى أم الانتهاء منها

في واقعنا الحياتي العملي، وبغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال عن الطوابير على أنها شكل منظم وحضاري، وغير ذلك مما يسبغ عليها من توصيفات، بما في ذلك ما تم إضافته إليها من نموذج تكنولوجي حديث في بعض الأمكنة لبعض الخدمات، إلّا أنها من الناحية العملية تعتبر شكلاً من أشكال تنظيم الفوضى ليس إلّا، مع لبوس يرتبط بالعدالة في أبشع صورها المنتهكة للإنسانية بحد ذاتها، وخاصة في ظل نماذج المحسوبية والفساد والوساطة.
ولعله قبل الحديث عن تنظيم الفوضى، وفقاً لنموذج الطوابير المعمم، المستهلك للوقت والمبدد للجهد، من الأجدى البحث عن أساليب وطرق للانتهاء من الفوضى ومبدعيها والمستفيدين منها.
أخيراً، نستعير ما قاله أحد المواطنين: «صارت عيشتنا كلها طوابير بطوابير عم تستهلك حياتنا وعمرنا.. لك ما بقي غير يصفونا بالشوارع رتل أحادي مع ترديد الشعارات والنظام المنضمّ..».

معلومات إضافية

العدد رقم:
950
آخر تعديل على الإثنين, 27 كانون2/يناير 2020 13:18