قطينة.. ملف كارثي وبرود رسمي
بعد أن قررت عقد جلستها في مدينتهم نهاية العام الماضي، انتظر أهالي حمص عامة، وقطينة خاصة، من الحكومة بعض الاهتمام والإنصاف بما يتعلق بملف التلوث الذي تعاني منه المحافظة منذ عقود، لكن النتائج لم تكن على المستوى المطلوب، بل لم تحقق الحد الأدنى منه.
فما زال التعامل الرسمي مع ملف التلوث البيئي وانعكاساته السلبية على الطبيعة والإنسان بعيداً عن الاهتمام الجدّي، بل يطغى عليه الاستهتار واللامبالاة، ولعل معمل السماد في قطينة مثال فاقع على ذلك.
معاناة كارثية مزمنة
تعاني بلدة قطينة، ومحيطها وساكنوها وبيئتها، منذ سبعينات القرن الماضي من مخلفات وسموم معمل السماد فيها، كما تعاني المحافظة بشكل عام من مشكلة تلوث بيئي عميقة ومزمنة بنتيجة جملة من العوامل، منها كثرة مصادر التلوث فيها (معامل الأسمدة- مصفاة حمص-...)، وعلى الرغم من شكاواهم المستمرة، وبرغم تسليط الأضواء على هذه المعاناة ونتائجها الكارثية المتفاقمة والمتراكمة منذ عقود، إلا أن الرسميين كانوا وما زالوا يتعاملون معها بالكثير من الاستهتار والبرود، برغم وضوح الكارثة، ومعرفة الحكومة بتفاصيلها ونتائجها وتداعياتها على الطبيعة والصحة والزراعة والمياه، وغيرها من الجوانب الحياتية والاقتصادية الكثيرة الأخرى.
أهالي البلدة والمنطقة سبق أن وعدوا بنقل المعمل من منطقتهم دون تنفيذ لهذا الوعد، وكانوا قد استبشروا خيراً بأن يتم التخفيف من التلوث والغازات السامة التي ينفثها المعمل على إثر استثماره من قبل شركة خاصة روسية، وقبل المباشرة بالعمل والإنتاج فيه، وذلك بحسب التصريحات التي سبقت ذلك، لكن ذلك لم يتم، واستبشروا نوعاً ما مؤخراً بالاجتماع الحكومي في مدينتهم عسى يتم تحقيق بعض التقدم بهذا الملف، لكن دون جدوى أيضاً!.
تحرك أهلي ودور إعلامي بلا طائل!
تجدر الإشارة إلى أن أهالي قطينة تقدموا بالعديد من الشكاوى، عن معمل الأسمدة وآثاره ونتائجه الصحية والبيئية، إلى الجهات الرسمية طيلة العقود الماضية، كما نظموا العديد من الاعتصامات والتظاهرات والتجمعات من أجل تسليط الضوء على كارثتهم، والضغط من أجل إيجاد الحلول لمشكلة التلوث البيئي الخطيرة على المنطقة وأهلها، وقد استقطبت المشكلة والمعاناة والتحركات الأهلية الكثير من الاهتمام والتغطية الإعلامية، لكن كل ذلك لم يجدِ نفعاً.
نشير بهذا الصدد إلى أن «قاسيون» نشرت على صفحاتها العديد من المواد عن ملف التلوث بشكل عام، وعن معمل الأسمدة في قطينة بشكل خاص، خلال السنوات الماضية، ومن مادة بعنوان: «قِطّينة تقرع ناقوس الخطر مجدداً» بتاريخ 17/3/2018، نقتطع التالي: «مشكلة السموم والتلوث البيئي الناتج عن معمل الأسمدة بالقرب من قِطّينة ليست جديدة، بل تجاوز عمرها الزمني 40 عاماً، ومع ذلك وبالرغم من تسليط الضوء على هذه المشكلة طيلة هذه العقود، وبرغم كل الدراسات التي قُدمت حيال نتائج التلوث على الصحة والبيئة، وبرغم كل الوعود الرسمية المكررة عن معالجة المشكلة، إلا أن الواقع يشير إلى أن المشكلة تزداد سوءاً، وتزداد معها اللامبالاة الرسمية بالحياة والبيئة».
تفاصيل رسمية جديدة عن الكارثة
جرى عقد اجتماع ضم رئيس الحكومة مع مجلس المدينة والمسؤولين فيها بتاريخ 29/12/2019، وقد كشف محافظ حمص خلال الاجتماع: «أنه وخلال زيارته إلى بلدة قطينة المتاخمة لمعامل الشركة العامة للأسمدة تبين أن المدارس عطلت بسبب اختناقات أصابت الأطفال نتيجة الانبعاثات الغازية، مشيراً إلى أنه تم إعطاء إدارات المدارس حينها في البلدة الصلاحية بتعطيلها عند وجود أية حالة خطر حتى لا يتم تحميلهم المسؤولية».. وأضاف: «أنه وبحسب ما استمع خلال زيارته لعدد من أهالي البلدة وأحد الأطباء فيها أنه يوجد نوعان من المنصرفات الغازية لمعامل الشركة، أحدهما يحدث تخديشاً في المجرى التنفسي، وهذا ما تم الإحساس فيه حينها، ونوع ثان من الانبعاثات الغازية وهو سام وليس له رائحة، مؤكداً أن هذه الظاهرة لا يمكن تجاهلها ولا التهاون بها، مشدداً على ضرورة إيجاد حلول لها نظراً لتأثير هذه الانبعاثات على البشر والمواطنين»، وذلك بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 30/12/2019.
حديث المحافظ أعلاه، وبرغم كل ما يمكن أن يقال حيال «الخطر» و«المسؤولية» وصلاحية «تعطيل المدارس»، هو إضافة جديدة على كل ما تم طرحه خلال عقود عن الكارثة الموثقة، لكن ما هي النتيجة بعد هذا الشرح مع نتائجه الكارثية الملموسة من قبله، والمعروضة أمام الحكومة مؤخراً؟.
السماح بسنتين إضافيتين من التلوث
المفاجأة بالنسبة للأهالي أنَّ الحكومة أقرت السماح باستمرار التلوث البيئي مع نتائجه الكارثية لمدة عامين إضافيين.. هكذا، هذا إن تم التقيد بهذه المدة وتمت معالجة هذه الكارثة جدياً، بالوقت الذي يعاني منه هؤلاء من خطر محدق على حياتهم وحياة أبنائهم، بالإضافة إلى كل الأخطار المحدقة على البيئة بشكل عام.
فبحسب سانا بتاريخ 29/12/2019، «حول تحديد الخطوات والبرامج اللازمة لمعالجة مشكلة التلوث البيئي في حمص»، بنتيجة اجتماع رئيس الحكومة مع مجلس المدينة والمسؤولين فيها، ورد التالي:
أوضح رئيس الحكومة: «أن الوزارات المعنية وصّفت خلال الفترة الأخيرة واقع الأضرار البيئية التي تسببها كل من المصفاة والمعمل، وتم وضع الخطط اللازمة لمعالجة الآثار البيئية الضارة الناتجة عنهما دون المساس بالجدوى الاقتصادية التي تحققها هذه المنشآت على المدى البعيد».
وفيما يخص معمل الأسمدة: «تمت الموافقة على خطة وزارة الصناعة لإعادة تأهيله وتطويره وإيصاله إلى الطاقة التصميمية القصوى واستبدال الأجزاء المتضررة من خطوط الإنتاج خلال مدة سنتين مع مراعاة شروط السلامة البيئية، لتكون نسبة الانبعاثات الضارة من المعمل عند اكتمال خطة المعالجة معدومة».
الواضح أن الجدوى الاقتصادية «بعيدة المدى» التي يتم الحديث عنها بهذا السياق، لم ولن تكون إلّا على حساب الطبيعة والإنسان والبيئة في ظل الاستمرار بهذا الشكل من التعامل مع هذه الكارثة!.
والنتيجة رسمياً، سنتان إضافيتان، بالحد الأدنى، من التلوث المستمر!.
فهل من برود رسمي، بالتعامل مع ملف كارثي بهذا الحجم، أكثر من ذلك؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 947