2019- «كل عضّة بغصّة»!
«الحكومة تدرك حجم معاناة المواطنين وتعمل على تحسين الوضع المعيشي وتأمين فرص العمل وتخفيض الأسعار».
العبارة أعلاه وردت على لسان رئيس الحكومة تحت قبة مجلس الشعب بتاريخ 20/1/2019، خلال افتتاح أعمال المجلس بجلسته الأولى بداية عام 2019.
انتهى عام 2019، وما زالت معاناة المواطنين على حالها، بل أصبحت أسوأ بكثير من بدايتها، وخاصة على المستوى المعيشي والأسعار.
فأين الإدراك الحكومي للمعاناة، وأين تحسين الوضع المعيشي، وأين تخفيض الأسعار؟.
فروقات معيشية وسعرية
المواطنون المتتبعون للأحاديث الحكومية ووعودها، والمكتوون يومياً بمعاشهم وخدماتهم، كانوا أول الراصدين لفروقات المعيشة والأسعار بين بداية العام ونهايته، باعتبارها مطرقة يومية تؤرق حياتهم وتطحنها.
وفيما يلي مقارنة تقريبية بسيطة لأسعار بعض السلع «الأساسية» فقط بين بداية ونهاية عام 2019:
الأرقام أعلاه تعتبر أكبر وأوضح دليل على «إدراك حجم معاناة المواطنين»، وعلى «تخفيض الأسعار»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه التكاليف ارتفعت كثيراً حتى نهاية العام الحالي، وخاصة على ضوء موجات ارتفاعات الأسعار الأخيرة التي لم تقف بعد.
زيادة الرواتب أقل من «إبرة بنج»!
ورد على موقع الحكومة بتاريخ 20/1/2019 تأكيداً على لسان رئيسها ما يلي: «أية زيادة في الرواتب يجب أن تكون حقيقية لا تؤدي إلى التضخم ولا إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وغيرها، موضحاً أن تخفيض الأسعار وزيادة الإنتاج واستقرار توافر السلع من عناوين زيادة الرواتب إلى جانب الأولويات الكثيرة التي قطعت الحكومة أشواطاً كبيرة بتنفيذها في جميع المحافظات تنموياً وخدمياً».
بالرغم من أننا شهدنا زيادة للرواتب في نهاية تشرين الثاني، إلا أنها كانت «مسحوبة الدسم»، فهذه الزيادة استهدفت شريحة محددة فقط من المواطنين وهي الموظفون، علماً بأنها لا تكفي لسد احتياجات المواطنين وحل المشكلة المعيشية المستعصية والقديمة. إضافةً إلى ما رافقها مباشرة، بل وسبقها، من زيادة جنونية وفاحشة بارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والألبسة والخدمات.. إلخ، مما زاد من الأعباء المعيشية على المواطنين عموماً.
فقد فشلت زيادة الرواتب في إرضاء المواطنين، ولم تساهم في الحد من غلاء المعيشة لا من قريب ولا من بعيد، بل كانت بالنتيجة أقل من «إبرة بنج» حيث استعر الغلاء أكثر فأكثر.
الدولار وحملات التموين «الفافوشية»
بدأت قيمة الليرة السورية بالتدهور السريع والمتتالي منذ نهاية عام 2018 مقابل الدولار الأمريكي، مما فاقم من تدهور المستوى المعيشي للمواطنين، فكل الأسعار في السوق محسوبة على سعر الدولار الأسود «الوهمي»، وليس الرسمي، برغم كل الحديث الرسمي عن هذا «الوهمي» وعن «الحملات التي تستهدف الليرة»، وصولاً إلى ما آل إليه الفارق السعري مع نهاية عام 2019، لكن مما لا شك فيه أن الواقع المعيشي لم يكن وهمياً على الإطلاق، بل كان وما زال يتجه نحو المزيد من التردي وبانحدار شديد.
بالمقابل و«للأمانة»، لا يمكننا أن نهمِّش دور مديريات حماية المستهلك التي تُتعب نفسها بإصدارها لنشرات الأسعار الدورية للمواد الغذائية، علماً أن وجودها وعدمه واحد من حيث النتيجة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات السعرية «ارتفاعاً» في هذه النشرات بين بداية العام ونهايته، ولعل الأهم بهذا المجال هو تجيير دور حماية المستهلك على المواطنين أنفسهم، من خلال تحميلهم جزءاً من مسؤولية ارتفاع الأسعار كونهم غير مهتمين بـ«ثقافة الشكوى»!.
أما عن الأرقام المعلنة عن عدد الضبوط التموينية المنظمة بحق المخالفين فواقع التفلت السعري في الأسواق كافٍ للرد عليها.
أسطوانة الغاز
كانت وما زالت «جرة الغاز» مصدر استغلال، ووسيلةً لإذلال وابتزاز المواطنين، وعلى الأخص خلال فصل الشتاء، برغم كل الوعود، وبرغم كل ادعاءات الضبط من خلال «الذكاء» و«التوزيع».
فقد تمت طمأنة المواطنين مؤخراً بأن: «أزمة المشتقات النفطية في طريقها إلى الانحسار وعملية توزيعها مستمرة وسيتم تعزيز الكميات خلال الأيام القادمة».. وأنه: «خلال الأيام القادمة سيلحظ جميع المواطنين أثر الإجراءات المتخذة على أرض الواقع!».
ولكن المواطنين للأسف لم يلحظوا سوى الكثير والكثير من أزمة توفير مادة «الغاز». فهذا الحق البسيط لم تستطع الدولة عبر الحكومة وكل جهاتها المسؤولة من ضبطه و«إيصاله لمستحقيه»، حيث تعمل شبكات الاستغلال والفساد بعمق هذه السلعة، جانية الكثير من الأرباح على حساب المواطنين ومن جيوبهم، بل وعلى حساب صحتهم وحياتهم أيضاً، فقد تم تسجيل بعض الوفيات بسبب الوقوف على طوابير الانتظار لهذه المادة مع الأسف، وربما لا بؤس أشد من ذلك، ولا مثال عن مدى ضعف الدولة أوضح من ذلك، فهذه الشبكات المافيوية «الصغيرة» ما زالت تثبت أنها أقوى من الدولة وكل جهازها الحكومي حتى الآن، فكيف ببقية شبكات الفساد «الكبيرة» التي تعمل بعمق الاقتصاد الوطني؟.
الكهرباء والمياه
كما يُقال «يعجز اللسان عن الوصف»، فما زالت أزمة الكهرباء مستمرة، ليس فقط منذ عام 2018، بل منذ ما قبل سنوات الأزمة السورية، لكنها ازدادت واستفحلت خلال 2019 برغم الكثير من الوعود والتصريحات التي سمعناها وشاهدناها عن تحسين الواقع الكهربائي، وبالرغم من خروج المسلحين من أغلب المناطق السورية والذين كانوا حجة وذريعة لتبرير قطع التيار الكهربائي المستمر والمتواصل لأيام وأسابيع «خارجاً عن التقنين» في مناطق المنسية والمُهمشة في سورية.
فبالرغم من بعض التحسن بالتزويد بالطاقة الكهربائية خلال الصيف الماضي، إلا أنه بدأ الحديث عن «حملات الترشيد» تزامناً مع قدوم فصل الشتاء لننعم بشتاءٍ دافئ! ولكن استخدامنا «الجائر» للكهرباء، كما تم التصريح عنه من قِبل وزارة الكهرباء، حجتهم أولاً وأخيراً، أي إن «الحق كلو على المواطن» كالعادة.
وتزامناً مع قطع الكهرباء المتواصل لأيام عدّة في بعض المدن وخاصةً في القرى والبلدات المنسية، فإنها تشهد انقطاع المياه لديهم، والذين أُجبروا على شراء المياه من الصهاريج بمبالغ تفوق استطاعتهم، وقد بات نقل الماء إلى السطح عبر المضخات ضمن الحاجة اليومية، إذ يشكل انقطاع الكهرباء أحد الأسباب، أو الذرائع، في أزمة المياه.
المواصلات
نشرت قاسيون في العدد 935 عنواناً بإحدى المقالات «النقل الداخلي حكاية عذاب ما عم تخلص!»، وأظنُّ بأن العنوان يحكي الكثير من المعاناة اليومية في جميع المناطق السورية.
من أهم المشكلات التي لم يتم حلها حتى الآن هي مشكلة المواصلات، بالرغم من مساعدات الصين في تأمين باصات النقل الداخلي لحل الأزمة في سورية، والإعلان عن استلامها، ناهيك عن حجم استغلال المواطنين من قِبل سائقي «تكسي- ميكرو، التكاسي العمومية والخاصة، ميكرو باص»، والأزمة تفاقمت أكثر، ولم تُحل حتى الآن!، ويزيد عليها أزمة «الفراطة» والاستغلال بسببها.
«ارحمونا بقى!!»
كثيرة هي منغصات العيش ولا يمكن سردها وتبويبها جميعاً (التعليم- الصحة- الضرائب والرسوم- الطرقات- القمامة- إعادة الاعمار..)، لكن الأكثر منها كانت التصريحات الرسمية الواعدة عن كل منها خلال عام 2019، والتي لم تُثمر إلا المزيد من الأزمات على كافة المستويات، والمزيد من الاستغلال وأوجه الفساد وشبكاته، وكل ذلك على حساب المواطنين، وخاصة المفقرين، فيما يتنعَّم الأثرياء وحيتان الفساد وتجار الأزمة على أعين الناس، كما على أعين الحكومة، بل وبدعم ورعاية منها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 946