موسم الحمضيات والوعود المستهلكة!
هل سيختلف موسم الحمضيات هذا العام بالنسبة للفلاحين، أم أن حالهم سيبقى على ما هو عليه من خسائر متراكمة لا تشفع لها أو تحد منها كثرة الوعود الخلبية الرسمية؟.
فقد دخل الموسم مرحلة القطاف، وبدأت تبرز معه من جديد جملة أوجه وأشكال المعاناة السنوية المعهودة التي يتحملها الفلاحون، وخاصة على مستوى تصريف الإنتاج ونتائجه السلبية التي يتحمل جريرتها هؤلاء كلَّ عام، وصولاً إلى المزيد من تراكم الخسائر وقطع الأشجار وهجرة الأرض والزراعة.
وعود جديدة وشركات دولية على الخط
كما جرت العادة في كل عام، يبدأ الحديث عن الموسم، وعن فائض الإنتاج، وآليات التسويق، وأسواق التصريف الخارجية، كما تبدأ معه أو تسبقه جملة من الوعود الرسمية التي تتحدث عن الأدوار الداعمة والمساعدة للفلاحين من أجل تصريف إنتاجهم.
فقد اعتبر وزير الزراعة، بحسب بعض وسائل الإعلام: «أن فتح معبر البوكمال مع العراق سوف يساعد كثيراً في تصدير الحمضيات إلى السوق العراقية، مشيراً إلى أن العراق استوردت 400 ألف طن، وهذا ما يؤشر لأن يكون للمعبر دور إيجابي»، وذلك في معرض حديثه أمام لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب مؤخراً، موضحاً: «خلال الفترة الماضية حدثت أكثر من مشكلة في موضوع الحمضيات في الجانب التسويقي مما أدى إلى حدوث فائض في الإنتاج بعدما كان هناك اعتماد على السوق العراقية والخليجية في تسويقها».
بحسب سانا بتاريخ 8/11/2019، «كشف المهندس سهيل حمدان مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، أن المرحلة الأولى من برنامج الاعتمادية والتسويق الخارجي للحمضيات تستهدف المَزارع التي تزيد مساحتها عن 25 دونماً فقط، على أن يتم تشميل كل المساحات الأخرى في المرحلة القادمة مما يضمن استفادة أكبر عدد من المزارعين في محافظتي اللاذقية وطرطوس».. «وقال إن المَزارع التي توافرت فيها شروط ومواصفات الاعتمادية سيتم تضمينها في جدول خاص يرفع إلى هيئة تنمية وترويج الصادرات للموافقة على اعتماديَّتها ثم تقديمها إلى الشركات لمنحها شهادة الاعتمادية بعد إجراء عملية الفحص، مشيراً إلى وجود توجه لزيادة الدعم المقدم لمزارعي الحمضيات عبر دعم الهيئة لتكاليف برنامج الاعتمادية».. «وأوضح حمدان أنه تم اعتماد شركتين إيطالية وإسبانية تتمتعان بالوثوقية والخبرة والمصداقية في الأسواق العالمية، وقامتا بفتح مكتب رئيسٍ في دمشق، وتعملان على إحداث مكاتب في محافظتي اللاذقية وطرطوس، لافتاً إلى أن الشركتين تضمَّان خبرات متخصصة في مجال الجودة والتسويق».. «وتوقع حمدان أن تكون النتائج جيدة في مجال تصدير الحمضيات السورية بأنواعها إلى الأسواق الخارجية بعد تطبيق برنامج الاعتمادية، فتصدير 50 ألف طن فقط خلال الموسم الحالي من إجمالي مليون طن يحقق ريعية عالية تزيد عن كل الكميات المصدرة في المواسم السابقة».
على جانب آخر، «كشف رئيس فرع الاتحاد العام للفلاحين في اللاذقية عن مشروعين جديدين للاتحاد، أحدهما يتضمن تشييد معمل عصائر الحمضيات في المحافظة. والثاني معمل عبوات بلاستيكية».. «وحول معمل العصائر الحكومي الذي تنوي المؤسسة العامة للصناعات الغذائية تشييده قال إنه لم يستجد شيء بخصوصه، ولا يزال مصيره غير معروف».. «واعتبر رئيس فرع الاتحاد العام للفلاحين في اللاذقية أن مجمل أمور الحمضيات جيدة لهذا العام، سواء ناحية الأسعار أو التسويق، متوقعاً أن يسجل إنتاج الموسم الحالي نحو 750 ألف طن، بعدما قاربت 900 ألف طن في الموسم الماضي». وذلك بحسب موقع الاقتصادي بتاريخ 7/11/2019.
أحاديث لا تغني ولا تسمن من جوع
هذه الوعود القديمة الجديدة بالنسبة للفلاحين «لا تغني ولا تسمن من جوع»، فموضوع معمل العصائر أصبح عمره عشرات الأعوام من الوعود المستمرة دون طائل حتى الآن، وقضية الأسواق الخارجية والتصدير ما زالت رهن أيدي بعض التجار، مع ما يفرضونه من شروط (مواصفة وسعر) غالباً ما تكون ذات طبيعة استغلالية على حسابهم، فكيف الحال مع شركات دولية بهذا المجال، وكيف لكمية 50 ألف طن من أصل مليون طن أن تحقق ريعية اقتصادية للفلاحين، في ظل استمرار واقع التسويق المحلي المتحكم به من قبل تجار وسماسرة أسواق الهال؟.
فما سبق أعلاه من وعود وأحاديث رسمية لم يطرب لها الفلاحون من الناحية العملية، فما زالت أوجه معاناتهم على حالها، وبالتالي لن تكون نتائج موسمهم هذا العام أفضل مما كانت عليه العام الماضي، مع ما يعنيه ذلك من انخفاض لاحق بالإنتاج بسبب الخسائر وقطع الأشجار أو الاستبدال بزراعات أخرى تكون أكثر جدوى لهم.
الأسعار وتكاليف الإنتاج
بحسب سانا بتاريخ 3/11/2019، «بلغت كميات الحمضيات المسوقة في محافظة اللاذقية منذ بداية الموسم حوالي 33045 طناً.. وفق بيانات مديرية الزراعة»، وقد أوضح مدير الزراعة «أن أسعار الحمضيات خلال هذا الموسم تعتبر جيدة مقارنة بأسعارها خلال المواسم السابقة للأصناف التي بدأت في النضوج والتسويق في أسواق الجملة، لافتاً إلى أن سعر كيلو الحامض البلدي يصل حالياً إلى 275 ليرة سورية مقابل 125 ليرة العام السابق، والحامض الماير حوالي 175 ليرة مقابل 60 ليرة، وأشار إلى أن سعر الكيلو غرام من الحامض الأمريكي 210 ليرات مقابل 115 ليرة العام الماضي، واليوسفي 75 ليرة مقابل 65 ليرة والساتزوما 115 ليرة مقابل 75 ليرة وأبو صرة مصرية 100 ليرة مقابل 85 ليرة، مؤكداً أن درجة نضوج الثمرة ونوعيتها تؤثر في تحديد السعر لكل صنف، وأنَّ مديرية الزراعة تتابع يومياً الأسعار في أسوق الجملة».
بالنسبة للفلاحين فإن الحديث عن الفارق السعري بين الموسم الحالي والماضي أغفل الجزء الهام المتعلق بتكاليف الإنتاج، ومقدار ارتفاعها هي الأخرى بين هذين الموسمين، فهؤلاء يقولون إن الأسعار الحالية لا تختلف عن أسعار الموسم الماضي بالنسبة إليهم كونها بالكاد تغطي تكاليف الإنتاج، ناهيك أنَّ هذه الأسعار هي أسعار بداية الموسم، والتي من المتوقع أن تنخفض لاحقاً مع استمرار واستكمال عمليات القطاف، والاضطرار للرضوخ لعمليات الابتزاز والاستغلال في السعر مقابل عمليات التسويق والتصريف، كما جرت عليه العادة في كل موسم، أي مزيد من الخسائر المتوقعة والمتراكمة بالمحصلة.
بقي أن نشير إلى أن الحقيقة الغائبة عن المسح والتقديرات الرسمية حول المواسم كل عام هي أعداد أشجار الحمضيات التي يتم قطعها سنوياً بنتيجة الخسائر التي يتكبدها الفلاحون، ومساحات الأراضي الزراعية التي تخرج عن الخدمة سنوياً لهذا السبب!.
أما الغائب الأكبر، فهو لمصلحة من يجري كل ذلك؟ ولماذا غض الطرف لدرجة العمى بهذا الشأن؟ علماً أن الجميع متفق أن محصول الحمضيات يعتبر من المحاصيل الإستراتيجية، فكيف إن لم يكن كذلك؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 939