لنفتح قبر التعاون السكني!
يتشارك الكثيرون من المنتسبين للجمعيات السكنية منذ أعوام طوال حلماً واحداً رأوه يحتضر أمامهم دون أن يحصلوا على بديل: الحصول على مسكنٍ بسعر التكلفة «التعاون». وهذا الحلم الذي يتلاشى تحت وطأة العقبات والتمديدات المستمرة لم يبقَ منه حيّاً سوى الأمل.
أمّا الحكومة، والتي لا تنفذ أو تصدر قراراً إلّا لخدمة الحيتان المتنفذين، والتي تتجاوز في الكثير من الأحيان حدّ طمعهم وجشعهم على مبدأ «ملوكي أكتر من الملك»، فهي الراعي الرسمي لقتل هذه الأحلام، كما هي الراعي الرسمي لقتل أحلام الكثيرين غيرهم.
مقاسم بأسعار فلكية
بعد انتظار عشرات السنين قامت المؤسسة العامة للإسكان بتوزيع «أو بيع لنكون أدق بتعابيرنا» مقاسم ضاحية الفيحاء شمال غرب دمشق. ولكن هيهات أن تفعل الحكومة ذلك بدافع من واجبها تجاه الجمهور العريض الذي يعاني مشاق السكن بلا حلول. فقد باعت هذه المقاسم بأسعار فلكية «تعاونية!!» للجمعيات المنتظرة منذ سنوات، وعللت ذلك بكل برود «بارتفاع تكاليف الاستملاك».
وطبعاً، وكما هو منتظر ضمن سياق سياسات اقتصادية لا تأخذ بحسبانها إلّا مصالح القلّة الثريّة، وضعت في سبيل امتلاك المقاسم شروطاً «تعجيزية» ملزمة. فعلى الجمعيات دفع ثمن المقاسم ضمن مهلة زمنية قصيرة وقبل إبرام العقد واستلام المقسم. ومن لم يقل سمعاً وطاعة ويجرؤ على المساءلة سوف يُلغى تخصصه بالمقسم الموعود.
رسوم ورسوم ورسوم
تمّ إلزام الجمعيات قسراً على دفع رسوم العقد، وهي الرسوم التي يعفيهم القانون من دفعها. ومن لم يدفع يُلغى تخصصه.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فتابعت الدوائر المحلية والبلديات بذات النهج وقامت بإلزام الجمعيات بدفع رسوم الترخيص، وهي الرسوم التي يعفيهم كذلك القانون من دفعها. ولا يحتاج الأمر لدلائل كثيرة ليعلم المواطن الذي يقاسي منذ سنين بأنّ هذه الدوائر والبلديات لم تقدم أية خدمة للجمعيات، ولكنّ رسومها أضافت تكاليف الخدمات والمرافق العامة والبنى التحتية على ثمن المتر السكني، وبأسعار فلكية كذلك. و«اللي ما بيدفع ما إلو ترخيص» وسيفقد بالتالي تخصصه بالمقسم.
ثمّ يأتي دور وزارة المالية التي ألزمت الجمعيات بدفع الرسوم وكذلك بدفع 80% من رسوم التنازل للخزينة العامة، دون أن تُقدم أية خدمة أو تسهيلاً أو تشجيعاً للتعاون السكني، فالمتابع يعلم بأنّ التسهيلات والحوافز والإعفاءات محجوزة فقط للمتهربين من الضرائب من كبار السوق.
لماذا نَبْذُ التعاون السكني؟
لا تكتفي الحكومة بأقسامها ووزاراتها بكلّ ما ذكرنا، بل تخرج كل يوم لنا بقرار دَفْعٍ جديد وتكاليف باهظة جديدة. وإذا ما لجأنا إلى ما يفترض بأنّه اتحادنا: الاتحاد العام التعاوني السكني، قيد التصفية هو الآخر، فلن نسمع أكثر من تذمرٍ ناعم يستتبعه: «في مراسلات مع المؤسسة العامة للإسكان بهالخصوص، فإذا بدكن استنوا». وكلمة «استنوا» هذه تعني إلغاء التخصص أولاً. وثانياً تستحضر في أذهاننا المثل الشعبي: ليطلع عالجوزة.
لكن ما الغاية من مثل هذه العقبات؟
ببساطة، الغاية هي ذاتها في جميع السياسات الحكومية منذ سنوات، والتي لم تزدها الحرب سوى ضراوة: إفشال أي جهد تعاوني اجتماعي لخدمة مصالح القطاع الخاص.
لقد بات واضـحاً للجميع بأنّه من الأسهل «والأقل تكلفة» أن تكون متعهداً خاصاً تبني مقسماً وتبيعه من أن تكون جمعية تعاونية تحاول إسكان أعضائها.
والذي «يستفز أكثر» كما يقول أعضاء الجمعيات، إنّ هذه الجهات لا تقدم شيئاً، أيّ شيءٍ ولو فتات، لهذه الجمعيات مقابل ما تدفعه.
ويبقى عضو الجمعية التعاونية ذو الدخل المحدود محل الاستنزاف. أو ربّما وهو الأغلب، الإسراع لبيع رقمه علّه يجني تعويضاً عن أمواله المنهوبة «مبالغ غير كافية حتّى لتسدّ قيمة أمواله المدفوعة إذا ما أخذنا بالحسبان معدلات التضخم المتزايدة»، وذلك قبل أن يأتيه قرار دفعٍ جديد. والمشتري دوماً موجود، فسماسرة العقارات بالأمس تطوروا اليوم، وبات اسمهم شركات تطوير عقاري وشركات إعمار.
ويبقى المواطن كما يُقال: «كالعالق بمخلبي نسر، إن هو قايضه أكله، وإن هو تركه قتله
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 938