المعهد العالي للفنون المسرحية هموم ومشاكل بالجملة!
لا يختلف المعهد العالي للفنون المسرحية عن غيره من المؤسسات التعليمية الجامعية والأكاديمية الأخرى، فهو مُتْخمٌ بالمشاكل والهموم، بعضها يظهر للسطح وتسلط عليه الأضواء، وبعضها الآخر مُغيب ومُعتم عليها، برغم الهالة المحيطة به وباسمه، وبرغم قلة أعداد الطلاب المقبولين فيه، وبرغم التغني بأسماء خريجيه من الفنانين المشهورين، بالإضافة إلى التغني بسمعة وأسماء الأساتذة والفنيين العاملين فيه، إدارةً وتدريساً.
ولعل عدد طلابه المحدود، والشللية الطاغية فيه، من العوامل المساعدة على عدم ظهور مشاكله وتداولها بالعلن، كما غيره من القطاعات التعليمية الأخرى، بالإضافة إلى دور الأسماء البارزة من الفنانين المشهورين القائمين عليه والمسؤولين عنه، على مستوى كبح ما يمكن أن يتم تداوله أو يساق من مشاكل وهموم خاصة بالمعهد وطلابه، بل وظواهر سلبية ربما، ناهيك عن الدور الرسمي الذي يرفض أحياناً حتى القبول بسماع الهموم والشكاوى.
بوابة شائكة ومنافسة كبيرة
الحديث عن المعهد، باعتباره مؤسسة أكاديمية، أو باعتباره مؤسسة ثقافية، من بوابة النقد تبدو شائكة وفقاً لما سبق، اللهم ما يتم استثناؤه من أحاديث على ألسنة أصحاب الشأن من المختصين فناً وثقافة على هذا المستوى.
فهموم المعهد ومشاكله كثيرة، حالها كحال المشاكل والهموم الثقافية والتعليمية والأكاديمية عموماً، وكيف يتم تجيير كل ذلك لمصلحة القطاع الخاص من بوابة المنافسة بالنتيجة.
فالفضائيات التلفزيونية منافسة، وشركات الإنتاج منافسة، والمعاهد الخاصة منافسة، وكذلك حال الفرق الخاصة الباحثة عن الرعاية والتمويل الخاص في ظل عدم توفر الرعاية والتمويل الحكومي لها.
هذا الجو من المنافسة المستمرة، في ظل واقع المشاكل غير المحلولة والمتفاقمة في المعهد، تدفع به وبدوره ومهامه وبطلابه وخريجيه ليكونوا ضحايا من كل بدّ.
المشكلة بالسياسات أيضاً
المعهد يتبع لوزارة الثقافة، وليس لوزارة التعليم العالي، إلا أن بعض المشاكل والهموم المتعلقة به تبدو شبيهة إلى حد ما مع مشاكل وهموم المؤسسات التعليمية الجامعية الحكومية الأخرى، فهي خاضعة لنفس السياسات التعليمية المعمول بها تقريباً، اعتباراً من التخصصات وأعداد الطلاب ارتباطاً بسياسات الاستيعاب، مروراً بالكوادر الإدارية والفنية وأعضاء الهيئة التدريسية، وما يرتبط بذلك على مستوى الاستقطاب والأجور والتعويضات وغيرها، وليس انتهاء بالمناهج المعتمدة لكل تخصص، طبعاً مع عدم تغييب الوساطة والمحسوبية وأوجه الفساد.
وعلى اعتبار أنّ للمعهد، دوراً ومهاماً، مرتبطاً بالشأن الثقافي فإن ذلك يعني أن الهموم والمشاكل المتعلقة بهذا العنوان العريض تجد طريقها إليه بهذا الشكل أو ذاك، متفاعلة مع مشاكله الخاصة بعلاقة جدلية تنعكس على دوره ومهامه بالنتيجة، كما تنعكس على الطلاب فيه، سواء على مستوى علاقتهم فيما بينهم، أو على مستوى علاقتهم مع الكادر الإداري والفني أو مع أعضاء الهيئة التدريسية فيه.
شاهد من أهله
مطلع الشهر الماضي أجرت صحيفة تشرين حواراً مطولاً مع «فايز قزق»، الفنان المعروف، والمدرس في المعهد حالياً، وعميده سابقاً، حيث تم تسليط الضوء على العديد من المشاكل والهموم المزمنة في المعهد، وعلى مستوى العمل الثقافي والفني عموماً، وفيما يلي نستعرض بعض ما جاء في الحوار:
«قبل الحرب بسنوات، طرحت مسائل تطوير مناهج المعهد عبر لجان متخصصة اختبَرَت المسرح في العالم، تدريباً وتمثيلاً وإخراجاً».. «أحياناً تكون هناك إيماءات أنه بالإمكان تطوير النظم الداخلية للمعهد، لكن الأمور تجري بشكل كارثي».
«كانت الكوارث تتلاحق.. كماً كبيراً من الطلاب لا يأخذون حقهم الأكاديمي والعلمي والتدريبي.. وبات المعهد شبه خالٍ من الصفة الأكاديمية».
«المعهد وصل لمرحلة الاختناق، ويبدو أن هناك قراراً بتحويله إلى مكان يشبه المفرخة للإنتاجات التلفزيونية».
«قلت مرة إن هناك من يريد أن يبقينا وحيدين في البيت، وأن يكون الاجتماع الوحيد لنا في أماكن العبادة».
«دور السينما في دمشق تغلق بكل قسوة وعناد، والمسارح تُتْرَك لتموت شيئاً فشيئاً».
«ليس هناك مخرجون جدد مبتعثون منذ ما قبل الحرب، وخلالها.. فبقي الأمر على حاله، وعندما يبقى الأمر على حاله طوال أربعين عاماً من دون متخصصين جُدد، ودم جديد، ورُؤى جديدة، وثقافة مجتمعية سينمائية ومسرحية، من البدهي أن نصل إلى الحد الذي وصلنا إليه الآن».
«هناك شباب لديهم الرغبة لأن يعملوا في المسرح وفي السينما، لكن طبيعة الأداء الإداري والمالي، وطبيعة الأشخاص في أعماق وزارة الثقافة تمنعهم، أعتقد أن هؤلاء لا يعنيهم على الإطلاق حتى الكلام الذي أقوله الآن، لا يعنيهم المسرح ولا السينما، في حين أنهم يتخذون قرارات خطرة بحقها».
«ثمة من ينقل كلمات هنا وهناك، يراقب فينقل، وهذه العقلية موجودة، تراقب تتجسس تتآمر، ولا ثقافة حقيقية لها، ولا قدرة لها على فعل أي شيء، لكنها مزروعة بيننا».
«ليس هناك ابتكار في التلفزيون، وإنما في الفنون، والآداب، وفي العمارة الموجودة ضمن الفنون، الابتكار في كل أنواع الزخرفات والتزويقات الحقيقية للإنسان، والبحث في مشكلاته وهمومه، موجودة في المسرح ودور السينما التي تقدم المهمّ من الأفلام، لا التي يمكن أن ترمى علينا كسينما أمريكية مُنضَّبة كما هو الأمر في mbc ودبي وما شابههما، هذا قصف سينمائي أمريكي مُنضّب».
«لماذا لا نحمي شعبنا بقامات سينمائية تتجدد وببعثات سينمائية ومسرحية كما كان في الماضي، جاء وقت كان لدينا في المسرح أكاديميون عظام «سعد الله ونوس، فواز الساجر، ممدوح عدوان، فؤاد الراشد، د.نبيل الحفار، د.شريف شاكر، أكرم خزام، نائلة الأطرش، حسن عويتي، وليد إخلاصي»، وعدد كبير من الفرق المسرحية في حمص وحلب واللاذقية ودمشق ودير الزور والفرق الشعبية الراقصة المهمة جداً، لا ذاك التهتك الذي نراه الآن».
«اليوم لا نستطيع إلّا أن نقول: يجب أن نبدأ من جديد، وعلى القانون أن يحاسب من يقف في طريق إعادة مأسسة الثقافة السورية من الصفر احتراماً للمستقبل».
إعادة الحياة للمعهد
يعتبر المعهد العالي للفنون المسرحية أحد واجهات العمل الثقافي والفني في البلد، كونه البوابة المشرعة أمام الطلاب الموهوبين افتراضاً لصقل موهبتهم وإعدادهم وتأهيلهم لنيل درجة التخصص في أحد فروع الفنون التي يتيحها، من خلال المعارف العلمية والفنية التي يقدمها في أقسامه المتعددة.
على ذلك فإن الاهتمام به وحلحلة مشاكله وهموم طلابه ليس مطلباً ترفياً، أو حالاً ارتجالياً تمارس بعيداً عن الشكل الأكاديمي والمؤسساتي المفترض توفره، بل هو حاجة وضرورة يفرضها الوقائع، بالإضافة إلى ما تفرضه الظروف الحالية من ضرورات وطنية على المستوى الثقافي والعلمي والفني.
وربما بهذا الصدد نختم بإعادة ما ورد عبر «قاسيون» بعددها الصادر بتاريخ 26 تموز 2011، تحت عنوان «المعهد العالي للفنون المسرحية: لا تطلقوا رصاصة الرحمة!»، فثماني سنوات لم تكن كافية على ما يبدو، حتى ولو بالتقدم خطوة إلى الأمام بهذا الشأن، بل على العكس هناك المزيد من التراجع والترهل:
«ينبغي على الجميع العمل لإعادة الحياة للمعهد العالي، كي يعود كما كان مفخرة للعاملين في المسرح السوري، والعمل جاهداً إلى إعادة الدور الرائد الذي كانت تقوم به فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية التي غُيّبت لفترات طويلة، ويتطلب ذلك أيضاً من القائمين على المسرح إعادة النظر في بعض القوانين السارية، كالنظام الداخلي للمعهد وميزانيته، واستقلالية قراره».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 920