الاتصالات تُغّرد خارج السرب
ما زالت مشكلة بطء شبكة الإنترنت قائمة، حيث تشابكت عوامل الاستغلال مع أنماط الاستغباء المرتبطة بالمبررات المقدمة، الممجوجة والمكررة، وصولاً لحال أشبه بالاستعلاء على المشتركين مؤخراً من خلال زيادة اللامبالاة تجاه حقوقهم بهذه الخدمة، بل وتحميلهم مسؤولية سوء الخدمة أيضاً!.
في المقابل، عكفت الاتصالات على الترويج لخدمات جديدة ومتنوعة على بواباتها، وكل منها بسعر مختلف بحسب طبيعة الخدمة ونوعها، وكذلك عكفت شركات الخليوي على زيادة عروضها على الباقات المخصصة بحسب الفئات والشرائح، وهذه وتلك طبعاً بغاية المزيد من استهلاك واستنزاف جيوب المشتركين، الباحثين عن الخدمة الجيدة في النهاية.
البدائل أو التطفيش
الخدمة التي يعاني منها المشتركون على مستوى السرعات المتعاقد عليها، وعلى مستوى الأعطال المتكررة والبطء الشديد، باعتبارها الأوسع والتي تضم العدد الرئيس الأكبر من المشتركين عبر البوابات التي توفرها الشركة، والتي وصلت لأكثر من 1,5 مليون بوابة ومشترك بحسب آخر التصريحات، هي الخدمة المقدمة عبر السورية للاتصالات تحت مسمى: «النفاذ إلى الإنترنت عن طريق بوابات الحزمة العريضة اللامتناظرة (ADSL)».
وهي «خدمة تمكن المشترك من النفاذ إلى الإنترنت بسرعات عالية تصل إلى 24 ميغا بت/ثا وذلك عن طريق استخدام خط الهاتف العادي ودون مشغولية الخط»، وتبدأ الأسعار بهذه الخدمة بـ 1400 ليرة، وتنتهي بـ 28000 ليرة، بحسب السرعة المشترك بها، مع إضافة أجر التركيب لمرة واحدة 4500ل.س- وأجر التنازل عن الخدمة 2500ل.س.
مع الأخذ بعين الاعتبار: أن السورية للاتصالات كانت قد بدأت بتخفيض أعداد المشتركين بالسرعات المتدنية عن طريق تقديم عروض لهؤلاء من أجل زيادة سرعات المشتركين بها، طبعاً بالتوازي مع البطء العام بالسرعات، الذي دفع هؤلاء لزيادتها، ومع ذلك كانت النتيجة بلا جدوى، فالسرعات المشترك بها لا تقارن مع ما يحصل عليه المشتركون فعلاً!.
لا شك أن أجور الاشتراك الشهري مع أجور التركيب لهذه الخدمة بحسب ما ورد أعلاه تعتبر مرتفعة نسبياً، بغض النظر عن كل ما يقال عكس ذلك، وخاصة عند المقارنة مع أسعار بقية الدول، فجوانب المقارنة على هذا الأساس يجب أن تكون متكاملة، اعتباراً من وسطي الأجور الشهرية ومستويات المعيشة بالمقارنة مع أسعار السلع والخدمات، وليس انتهاءً بجودة الخدمات نفسها.
فواقع الحال يقول: إن خدمة الإنترنت وصلت لأسوأ درجاتها، وخاصة على مستوى السرعات المتعاقد عليها وتكرار الأعطال، ومع ذلك ما زالت المبررات المساقة على حالها، بل لم تعد الاتصالات تجهد نفسها بتقديم المبررات، طبعاً مع عدم إغفال ما تم ترويجه سابقاً تحت مسمى «العدالة» من أجل تعديل الاشتراك بهذه الخدمة، بحيث تصبح على شكل شرائح، كل منها بسعر وسرعة وسقف استهلاك، وهو يعتبر استنزافاً واستغلالاً جديداً للمشتركين في حال تم تطبيقه، وكأنها تدفع هؤلاء للعزوف عن هذه الخدمة من خلال البدائل المتوفرة، سواء تلك التي تقدمها الاتصالات نفسها، أو التي تقدمها شركات الخليوي الخاصة، طبعاً مع الاضطرار لدفع مبالغ مرتفعة لقاء ذلك.
خدمات إضافية بأسعار مرتفعة
السورية للاتصالات، وبدلاً من أن تكرس جهودها لمعالجة المشاكل المتعلقة بالكم الأكبر من أعداد مشتركيها، عِبر تحسين بنيتها التحتية وخدماتها، وخاصة الخدمة الأوسع والأكثر انتشاراً أعلاه وبشكل مقبول، روجت لخدمات إضافية على حساب هذه البنية المتهالكة نفسها، ومنها:
خدمة تراسل TV: وهي «خدمة مشاهدة قنوات البثّ التلفزيوني عبر اتصال منفصل عن خدمة الإنترنت، شريطة توفر بوابة انترنت لدى المشترك، وتتضمن قنوات مجانية ومأجورة موزعة على باقات محددة من ناحية أجر الاشتراك والأقنية، تعمل بشكل منفصل عن الإنترنت ولا تتطلب الخدمة رفع سرعة الإنترنت، لأن الاشتراك بهذه الخدمة يتم عن طريق حزمة مستقلة عن حزمة الإنترنت. كما أنه لا تؤثر سرعة الإنترنت على خدمة IPTV».
أما عن أجور الاشتراك الشهري بهذه الخدمة فهي حسب الباقات التي تبدأ من 1700 ليرة، وصولاً لـ 3200 ليرة، بحسب عدد القنوات، المفتوحة والمشفرة، مع أجر التركيب البالغ1000ل.س ويدفع لمرة واحدة فقط.
خدمة فايبر نت منزلي: وهي «خدمة تقديم الإنترنت والتلفزيون والمكالمات إلى المنازل وأماكن الأعمال الصغيرة والمتوسطة عبر كبل ضوئي وبجودة وسرعات عالية، أي: إيصال خدمات الاتصالات (Voice,Internet,IPTV) إلى المنازل بواسطة الكبل الضوئي».
وبحسب الشركة سيتم تقديم الخدمة بنوعين:
Dual Play(Voice+Internet):1، تبدأ بسعر 14800 ليرة، وصولاً لسعر 23800 ليرة.
Triple Play (Voice+ Internet+ IPTV):2، تبدأ بسعر 16900 ليرة، وصولاً لسعر 25500 ليرة.
طبعاً مع عدم إغفال «أجر تركيب يدفع لمرة واحدة بمبلغ 9000 ل.س، متضمنة كلفة الـPatch Cord لمسافة /20/ متر».
لا شك أن هذه الخدمات الجديدة، مع غيرها، المروج لها عبر السورية للاتصالات تعتبر «قفزة» على مستوى عمل الشركة، كما لا شك أنها تعتبر مكلفة ومرتفعة الأسعار بشكل كبير أيضاً، حيث لا يمكن الاشتراك بها إلا من قبل فئة محدودة من المشتركين يمكن لها أن تدفع تلك المبالغ الشهرية المرتفعة، وما على البقية الباقية من مشتركي خدمات النت البطيئة والسيئة إلا الصبر والسلوان والرضوخ، أو اللجوء إلى عروض شركات الخليوي الخاصة بالنتيجة!.
فرصة تربح مؤاتية
ما يجري على مستوى الخدمة الأهم والأوسع بالنسبة للسورية للاتصالات من تراجع وترهل وسوء وبطء، كان فرصة مؤاتية لشركات الخليوي الخاصة، التي زادت من عروضها وترويجها لخدمات النت عبرها، حيث عكفت كل منها على طرح العديد من المنتجات الخدمية للوصول للإنترنت عبر نظام الشرائح والباقات المختلفة، بحسب السعر وسقف الاستهلاك، مع الكثير من العروض الإضافية المرتبطة بالمواسم والمناسبات.
والملاحظ من العروض المقدمة عبر هذه الشركات، بأنها محسوبة بكل دقة مع هوامش الربح طبعاً، حيث تقدم الباقات المعروضة أحياناً: عدداً من الدقائق للاتصال الخليوي، وعدداً محدداً من رسائل «واتساب»، بالإضافة إلى حزم مختلفة من الوصول لشبكة النت، بحسب مقدار «الميغا» المستهلك لقاء مبلغ محدد ولمدة محدودة، وهكذا..
والملفت في العروض، هو: عدد المكالمات الخليوية التي لا يمكن استهلاكها غالباً، ومع ذلك فهي محسوبة على المشتركين، والنتيجة: أن الشركات تجني المزيد من الأرباح على حساب قيمة الدقائق المحسوبة وغير المستهلكة أيضاً، ولم لا طالما الموضوع مقترن بقانون السوق المبني على «العرض والطلب»!.
وبهذا الصدد، ربما تجدر العودة إلى الأرقام المعلنة كأرباح سنوية من قبل السورية للاتصالات، بالمقارنة مع الأرقام الفلكية لشركات الخليوي الخاصة، على حساب الخدمات ذات الطبيعة الاستغلالية المقدمة للمواطنين.
بوابة عبور نحو المستقبل
الوصول لشبكة النت لم يعد ترفاً، كما يحلو أن يسوق البعض عن واقع التعامل مع «شبكات التواصل» أحياناً، وما يروج حيالها من حديث عن تقنين مستقبلي لها، فقد أضحت هذه الشبكة بوابة واسعة للمعرفة، ومحوراً رئيساً للأعمال، ووسيلة أساسية للاتصال والتواصل، ومقياساً هاماً من مقاييس التقدم والتطور و...
فكل تطور وتقدم علمي وتكنولوجي يحدث عبر العالم تعتبر شبكة النت فيه بمثابة العمود الفقري، ولكم أن تتخيلوا حال التردي بمآل الوصول لشبكة الإنترنت لدينا، والسرعات والخدمات المقدمة على هذا المستوى، وكيف تتعامل السورية للاتصالات معنا كمشتركين لديها، وكأنها خارج سرب التطور والتقدم، بل ربما لا يعنيها من هذا الأمر إلا ما تجنيه من أرباح بالتقاسم مع شركات الخليوي من جيوبنا.
فإذا كان عدد المشتركين بالبوابات يقدر بـ 1,5 مليون مشترك عبر السورية للاتصالات، فإن عدد المستفيدين من الربط الشبكي ربما يقدر بحدود 7,5 مليون مواطن، بحال كل بوابة تستفيد منها أسرة مكونة من 5 أفراد ولكل منهم جهاز اتصال خاص به، ناهيك عن أعداد المشتركين عبر شركات الخليوي الخاصة.
وعليه، فإن موضوع سرعة الوصول للشبكة، وتحسين مستوى الخدمة وجودتها، لا يمكن ربطه بحقوق المشتركين وضرورة الحفاظ عليها فقط، وهو أمر واجب من كل بد، بل بالأفق المستقبلي الذي من المفترض أن تعمل عليه الحكومة عبر وزاراتها المتخصصة وشركتها التابعة «السورية للاتصالات» كي تؤمن الوصول الجيد لهذه الشبكة من قبل هؤلاء المواطنين لقاء سعر يناسب إمكاناتهم.
فهل تعتبر السورية للاتصالات: أنّ الوصول للشبكة هو أحد بوابات العبور نحو المستقبل، أم فرصة للاستغلال وتقاسم الأرباح مع شركات الخليوي فقط؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 917