آفة الصدأ الأصفر.. ضرر للفلاحين وفرصة لرفع فاتورة الاستيراد
أمطار الخير ومعدلاتها الوفيرة هذا العام تحولت إلى نقمة على حقول القمح والفلاحين، وربما إلى كارثة اقتصادية قد تلحق بأمننا الغذائي، حيث أصيبت حقول القمح بآفة الصدأ الأصفر التي ستؤدي إلى تراجع كم الإنتاج في وحدة المساحة المزروعة، وإلى تردي نوعيته.
في المقابل، كانت هناك تطمينات رسمية على مستوى موسم القمح لهذا العام وبعدم وجود هذه الآفة، مع الاقتصار لاحقاً على التوجيهات الشفهية للفلاحين بإجراءات المكافحة لهذه الآفة الخطرة عند رصدها، مع إقرار زيادة على سعر القمح المُستلم من الفلاحين بمبلغ 10 ل.س عن سعر الموسم الماضي.
المرض معروف وليس جديداً
المعنيون والمختصصون بالشأن الزراعي من الرسميين وغير الرسميين لا شك يعلمون مخاطر هذه الآفة، كما لا شك يدركون ارتباط زيادة انتشارها بزيادة معدلات الأمطار ونسب الرطوبة، باعتبار أن آفة الصدأ ليست جديدة، وسبق أن أصيبت بها حقول القمح في سورية في الأعوام التي ارتفعت فيها معدلات الأمطار ونسب الرطوبة.
وبهذا الصدد ربما تجدر الإشارة لما نشرته قاسيون بتاريخ 23/3/2013، في مادة بعنوان «الصدأ الأصفر على القمح دائم الحدوث»، من إعداد الأخصائية الباحثة الدكتورة شعلة خاروف، حيث ورد بالمادة ما يلي:
«ينجم مرض الصدأ الأصفر أو المخطط على محصول القمح عن الفطر، ويعتبر هذا المرض من أهم أمراض الصدأ التي تصيب القمح في المناطق المعتدلة والباردة ذات الرطوبة العالية، مؤدياً إلى خفض إنتاجيتها كماً ونوعاً، ويعتبر الصدأ الأصفر من أهم الأصدئة نظراً لظهوره المبكر في أول الموسم مقارنة ببقية الأصدئة الأخرى، والتي تظهر قرب نهاية الموسم.. تكرر في سورية ظهور المرض خلال كل السنوات السابقة، إلا أن أعلى شدة إصابة لوحظت في الأعوام الرطبة وهي 1988، 1993 /1994، 1995/ 2009، 2010/.. تركزت الإصابة الشديدة في سورية بطبيعة الحال على أصناف القمح الطري، وكان أكثرها تضرراً بعض الأصناف الحديثة عالية الإنتاج (شام8 وشام10 وشام6).. لوحظ انتشار كبير للصدأ الأصفر في منطقة الاستقرار الأولى في موسم 2013، وكانت أولى الإصابات في المالكية، ولكن نتيجة للظروف السائدة في سورية، لم يأخذ هذا الموضوع الاهتمام الضروري من القائمين على العمل الزراعي، أتمنى أن تتابع محاصيلنا فيكفينا خسائر حتى الآن على كل الأصعدة، فكيف إذا كانت ثروة البلد القومية أي: محصول القمح».
رصد مبكر ولكن!
يعتبر هذا العام من الأعوام الرطبة أيضاً، وذلك لزيادة معدلات الأمطار وارتفاع نسبة الرطوبة، الأمر الذي يعتبر المناخ الملائم لزيادة انتشار هذا النوع من الأمراض الفطرية الخطرة، ليس ذلك فقط، بل كونه فطراً متطوراً ينتج سلالات أكثر شراسة عاماً بعد آخر بحسب الاختصاصيين، ما يعني المزيد من احتمالات تراجع الإنتاج كماً ونوعاً، وهو ما بدأت معالمه بالظهور.
لقد رصد بعض الفلاحين هذه الآفة مبكراً مع بداية الموسم في شهر آذار الماضي، وبدأ البعض منهم بالمكافحة بحسب الإمكانات المتاحة، باعتبار أسعار الأسمدة والمبيدات الفطرية مرتفعة، وهي متوفرة فقط لدى القطاع الخاص، والمتوفر منها قديم قد لا يؤثر على السلالات الجديدة المقاومة من هذه الآفة، خاصة وأن الجهات الرسمية المعنية بالأمر اكتفت لاحقاً بالتوجيهات فقط لا غير، ولم تقدم أية معونة أو مساعدة على هذا الجانب، برغم أهمية المحصول على مستوى الأمن الغذائي، وعلى المستوى الاقتصادي الوطني العام.
تطمينات بمثابة التغرير
من موقع سانا بتاريخ 17/3/2019، «أكدت مديرية الزراعة في محافظة الحسكة أن جميع المساحات المزروعة بالقمح والشعير في مختلف المناطق الزراعية سليمة وغير مصابة بالصدأ الأصفر حتى تاريخه.. وأوضح معاون مدير الزراعة المهندس رجب سلامة في تصريح لمراسل سانا أنه من خلال الجولات الإطلاعية والكشوفات الحسية التي يتم إجراؤها بشكل مستمرّ على الحقول المزروعة بالمحصولين الإستراتيجيين من قبل رؤساء الدوائر الزراعية والفنيين فيها، لم تسجّل حتى تاريخه أي إصابة بالمرض الفطري «الصدأ الأصفر» كما لم تظهر أعراضه في هذه الحقول».
وبتاريخ 4/5/2019، أوردت سانا ما يلي: «أكد مدير الزراعة في الحسكة عامر سلو أن وضع المساحات المزروعة في المحافظة جيد، والأمطار الربيعية التي عمت أغلبية مناطقها خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية لم تحدث أية أضرار بالمحاصيل.. وبين سلو في تصريح لمراسل سانا: أن أغلبية المساحات المزروعة خضراء حتى تاريخه، إضافة إلى أن نسبة الأمطار الهاطلة كانت قليلة جداً، وخاصة في المناطق الجنوبية.. ولفت إلى أن عمليات حصاد المحاصيل الزراعية القمح– الشعير في مناطق المحافظة قد تتأخر خلال هذا الموسم في ظل الأجواء الباردة متوقعاً المباشرة بالحصاد في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر الجاري بالنسبة لمحصول الشعير في المناطق الجنوبية من المحافظة».
تناقض رسمي
بعد ثلاثة أيام من التصريح أعلاه، وبتاريخ 7/5/2019، أوردت سانا ما يلي: «كشفت مديرية زراعة الحسكة أن المساحات المصابة بمرض الصدأ الأصفر في حقول القمح والشعير بالمحافظة بلغت نحو20 ألف هكتار غالبيتها في شمال المحافظة.. وفي تصريح لمراسل سانا بين مدير الزراعة المهندس عامر سلو أنّ أثر الإصابة محدود كون الموسم بنهايته، وستبدأ عمليات الحصاد خلال الفترة القريبة القادمة، لافتاً إلى أن المزارعين باشروا عمليات المكافحة الكيميائية للمساحات المصابة باستشارة الوحدات الإرشادية والدوائر الزراعية فيما تخلو باقي المساحات المزروعة من أية إصابات أخرى.. وأشار سلو إلى أن السبب الرئيس لتوسع مساحات الإصابة بالصدأ الأصفر في المناطق الشمالية يعود إلى الظروف الجوية، وهطول الأمطار الغزيرة، وتدني درجات الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة، مؤكداً أن ارتفاع درجات الحرارة كفيل بالقضاء على الإصابة.. وفي السويداء أعلنت مديرية الزراعة ظهور بعض الإصابات بالصدأ الأصفر في حقول القمح جراء الظروف الجوية المتمثلة بانخفاض درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة خلال نيسان الماضي.. وأشار معاون مدير الزراعة المهندس علاء شهيب، إلى أن الإصابات في بعض الحقول تتراوح بين الخفيفة والمتوسطة داعياً المزارعين إلى متابعة أراضيهم والتواصل مع الوحدات الإرشادية في حال ظهور الإصابات لتعريفهم بأساليب المكافحة اللازمة لافتاً إلى أن الصدأ الأصفر يؤدي في حال عدم مكافحته إلى انخفاض الإنتاج أو انعدامه».
كما سبق ذلك بتاريخ 10/4/2019، عبر صحيفة تشرين الرسمية، ما يلي: «بدأ مرض الصدأ الأصفر بالظهور في حقول القمح المزروعة في محافظة الحسكة.. وذكر رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية الزراعة- طلال الحيجي لـ «تشرين» أن الإصابة ما زالت في بدايتها، وقد ظهرت في مناطق متفرقة من المحافظة.. في مواقع بسيس وتل الأمير والسيحة والكسرة والظاهرية تبلغ مساحتها بحدود 20 هكتاراً، وقد تم رش المساحة المصابة ومكافحتها من قبل الأهالي بالمبيدات المتخصصة بالإصابات الفطرية.. كما ظهرت إصابة شديدة بمرض الصدأ الأصفر في منطقة مركدة الشرقية، وفي قرية جناه جنوب المحافظة بمعدل 20 دونماً بنسبة 80%، وقد تم وضع المساحة المصابة تحت المراقبة والتوجيه برشها كيميائياً بشكل موضعي بالمبيدات الفطرية المناسبة والمتوافرة في السواق المحلية.. وفي منطقة الدرباسية شمال المحافظة ظهرت الإصابة في مواقع يارمجة وكحيلة وجنازة عبارة عن بقع متفرقة بنسبة 3-4% ضمن مساحة 10 دونمات، وقد تم وضعها تحت المراقبة والتوجيه برشها كيميائياً بشكل موضعي باستخدام المبيدات الفطرية المناسبة.. أما في منطقة الحسكة فتوجد مساحة 200 دونم مصابة بالصدأ الأصفر بنسبة 10%، وتم توجيه المزارع صاحب الحقل بالرش الكيميائي الموضعي في مكان الإصابة وفق تعليمات الوزارة ومديرية الوقاية باستخدام المواد والمبيدات الفطرية المناسبة والمتوافرة وبشكل موجه على بؤر الإصابة».
الضرر لم يتم حصره بعد
المساحات المتضررة حتى تاريخه تعتبر كبيرة، برغم محاولات التقليل من أهميتها وعدم تسليط الضوء عليها، خاصة مع نسب الإصابة المرتفعة في بعض الحقول، والتي وصلت إلى 80%، ولا ندري ما هي المساحات المعرضة للضرر، أو نسبها، بنتيجة انتشار الآفة لاحقاً، خاصة وأنها تنتقل وتنتشر عبر الريح والهواء، وخاصة إذا علمنا أن موسم حصاد القمح ينتهي في شهر حزيران القادم، وبأن «المساحة المزروعة بالقمح والشعير في محافظة الحسكة للموسم الحالي بلغت 910 آلاف هكتار»، وذلك بحسب سانا، حيث «قدرت مديرية الزراعة في محافظة الحسكة إنتاج المساحات المزروعة بمحصولي القمح والشعير المروي والبعل للموسم الحالي بكمية تقارب مليوني طن، منها مليون و150 ألف طن شعير و850 ألف طن قمح».
ولعل الأهم من كل ذلك هو: كيف سيتم تعويض الفلاحين جراء انتشار هذه الآفة، وتعرض محصولهم للضرر، فالتعويضات تحتسب عادة للمساحات الكبيرة ولنسب الضرر المرتفعة فقط، هذا في حال تم تقديرها وصرفها، والفلاحين يخشون من أن النسب المعلنة رسمياً على هذا المستوى ترتبط بعض جوانبها بالتعويضات المقررة، والتي قد ينتفع بها البعض فقط، وذلك ارتباطاً بآليات المحسوبية والفساد القائمة، وبعضها الآخر لتبرير التقاعس واللامبالاة، ليس بحقوق الفلاحين فقط، بل وبالموسم باعتباره مرتبطاً بالأمن الغذائي.
زيادة متواضعة وخشية مبررة
في الجلسة المنعقدة بتاريخ 30/4/2019، «وافق مجلس الوزراء على رصد مبلغ /400/ مليار ليرة سورية لدفع مستحقات الفلاحين مباشرة وطلب من المصرف الزراعي تسليم ثمن الأقماح للفلاحين بشكل فوري وكحد اقصى في غضون 24 ساعة.. وتم التأكيد على جميع الوزارات والجهات ذات العلاقة تأمين مستلزمات ومتطلبات استلام المحصول، وتقديم التسهيلات اللازمة لتأمينه من جميع المناطق إلى مراكز الاستلام، وتم تكليف وزارتي الزراعة والإصلاح الزراعي، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، تجهيز مخابر التحليل الخاصة بتحديد نوع القمح وسلامته وتوافقه مع مواصفات القمح السوري المعتمدة واستلام المحصول وفق شهادة المنشأ».
وفي تصريح صحفي «أوضح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن مجلس الوزراء ناقش بشكل مفصل وموسع موضوع الحبوب بشكل عام واستلام موسم القمح والشعير، واتخذ قراراً بتحديد تسعيرة /185/ ليرة سورية للكيلو غرام الواحد من القمح لاستلامه من الفلاحين بزيادة عشر ليرات عن العام الماضي».
الفلاحون بشكل عام، والمتضررون بشكل خاص، قالوا: إن الزيادة الحالية برغم أهميتها إلا أنها أصلاً لا تغطي تكاليف الإنتاج المرتفعة، خاصة وأن غالبية مستلزمات الإنتاج يتم توفيرها عبر القطاع الخاص واستغلاله، من المحروقات إلى الأسمدة والمبيدات وغيرها، فكيف مع نسب الضرر بالمحصول، والأهم أنهم يخشون من ترجمة التوجيه باستلام المحاصيل هذا العام كما حدث خلال موسم العام الماضي، حيث اضطر هؤلاء لنقل محصولهم على حسابهم إلى مراكز الاستلام المحددة، ما يعني تكبدهم نفقات إضافية على مستوى أجور الشحن والاتاوات التي يتم فرضها أحياناً من قبل بعض الحواجز على الطرقات، والضغوط الممارسة من قبل «الإدارة الذاتية» في مناطق سيطرتها، بالإضافة إلى المساومات من أجل تحديد المواصفة والمنشأ ونسب الأجرام وفقاً للتعليمات عند عمليات استلام المحصول، فالمشكلة بالتعليمات بالنسبة إليهم هي الترجمة النهائية لها، ومدى تحقيقها لمصالحهم فعلاً، فالموسم الماضي وقع الفلاحون ضحية الاستغلال والغبن، سواء من قبل «الحبوب» أو من قبل «اكثار البذار» على مستوى الجهات الرسمية من طرف، ومن قبل تجار القطاع الخاص وممارسات «الإدارة الذاتية» من طرف آخر، وتعتبر خشيتهم هذا الموسم مبررة حتى الآن.
فاتورة الاستيراد
وهوامش الاستغلال والفساد
النقطة الأخيرة التي يجب الإضاءة عليها وهي: أن الإصابة بالصدأ الأصفر غالباً تأتي على القمح الطري بنسبها المرتفعة أكثر منها على القمح القاسي، ومن المعروف أن القمح الطري يعتبر المادة الرئيسة على مستوى مكونات الخلطة الطحنية بإنتاج رغيف الخبز، القوت اليومي للمواطنين، وربما من هذا الباب يمكن اعتبار الإصابة وانتشارها كارثة على هذا المستوى.
فإذا كانت معدلات الأمطار المرتفعة هذا العام مؤشراً لزيادة الإنتاج في محصول القمح، والذي يعني إعادة الاعتبار لهذا المحصول الإستراتيجي وأهميته على مستوى الأمن الغذائي، والأهم فرصة لتقليل فاتورة استيراده الكبيرة التي تزايدت خلال السنوات الماضية، بعد أن وصلنا في المرحلة السابقة للاكتفاء الذاتي منه، فإن الإصابة بالصدأ الأصفر تعني استنزاف جزء من هذا المحصول لهذا العام، كما تعني استمرار الحاجة للاستيراد وفواتيره المرتفعة من أجل تأمين احتياجات الكفاية من رغيف الخبز، تقدر الحاجة بـ 2,5 مليون طن سنوياً، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تعنيه فواتير الاستيراد على مستوى الاحتياجات الأساسية، وكيف تستقطب سلاسل كبار الفاسدين والمستغلين على هامشها وفي عمقها، داخلاً وخارجاً، فالفاتورة بالمليارات سنوياً، وهؤلاء من كل بد ليس من مصلحتهم لا زيادة الإنتاج، ولا معالجة آفات وأمراض القمح، ولا حتى من مصلحتهم التعويض على الفلاحين أو تأمين مستلزمات إنتاجهم، بل ربما يحبذون هجرة هذه الزراعة واستبدالها، وهذا ليس اتهاماً أو رجماً بالغيب، فالواقع العملي يؤكد الكثير من هذه الممارسات، وهذه النتائج التي تزايدت خلال السنوات الماضية بذرائعها الكثيرة، المبررة منها وغير المبررة.
فهؤلاء المستغلون والفاسدون من مصلحتهم أن نصبح مرتهنين بأمننا الغذائي بشكل كامل وتام لهم ولإرادتهم الاستغلالية غير الوطنية، كما من مصلحتهم استمرار تراجع الدولة عن القيام بمهامها على مستوى دعم الفلاحين ودعم هذا المحصول الإستراتيجي، وهو ما يجب إعادة الاعتبار له، ليس لارتباطه بالأمن الغذائي فقط، بل كونه مصلحة وطنية مرتبطة بالسيادة أيضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 913